تقرير: إيمان النجار
استقالة أم إقالة؟!.. المصطلحان الأكثر تداولا بين مسئولي القطاع الصحي خلال الأيام الأخيرة، ففي الوقت الذي خرج فيه ثلاثة من قيادات الصحة ليعلنوا استقالتهم من الوزارة، وبمجرد تداول الأنباء وانتشارها بين المسئولين ومواقع التواصل الاجتماعي، أصدر الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة، نفيا من خلاله «استقالة الثلاثة»، وأكد أنه تمت إقالتهم حيث ألغي انتداب د.عبد العاطي المناعي من أمانة المراكز الطبية المتخصصة كمسئول للسياحة العلاجية ، وعودته لعمله بقطاع الطب العلاجي بديوان عام الوزارة، وكذا إعفاء الدكتور حازم الفيل من منصبه كمدير لمعهد ناصر، وإعفاء الدكتور أسامة الدسوقي من منصبه كوكيل وزارة الصحة والسكان بالأقصر.
بيان الوزارة أكد أيضا أن قرار الإقالة جاء بسبب سوء الأداء في العمل، نافيا بأنهم تقدموا باستقالتهم مسبقا وأن قرارات الإقالة صادرة منذ ٤ مارس، ولم تكد الأنباء تقف عن هذا الحدث إلا وأعلن مدير مستشفي طما المركزي بسوهاج تقديم استقالته هو الآخر .
البعض ذهب إلي تفسير آخر أن تسريبات خرجت لمن ستتم إقالتهم ،فبادروا بتقديم الاستقالة، فهذا احتمال قائم ، لكنه غير مؤكد والأمر متروك لنواياهم، والنية هنا لن يضار منها أحد هم فقط يريدون حفظ ماء الوجه كما يقال، وأن يخرج وزير الصحة بالبيان التوضيحي بإقالتهم هو الآخر يخرج نفسه من مأزق الحرج أمام المسئولين وأمام مختلف القيادات و حتي لا تصبح وزارة الصحة في عهده « وزارة الاستقالات «.
التفسيران كلاهما وارد والأمر يحتاج لوقفة وقراءة متأنية، فكلاهما يؤكد حالة السوء التى تتحكم فى المنظومة، فوزير الصحة من جهته يبرر الإقالة بسوء أداء العمل، والقيادات تبرر الاستقالة بسوء ظروف العمل ويبقي المنتج النهائي هو سوء حال المنظومة الصحية، السوء ليس فقط بالأشخاص إذا اتبعنا هذا الافتراض، لكن بظروف عمل، بتوافر الإمكانيات، بسياسة متبعة، لكن من الواضح وفي ظل تهديدات وزير الصحة سيهرب القيادات من مناصبهم ولن يجد من يقبلها خوفا من التنكيل بهم مثل من سبقوهم .
لكل وزير الحق في اختيار القيادات التي تساعده في أداء مهامه، هذا ما أكده الدكتور أحمد عماد وزير الصحة والسكان في أحد لقاءاته التليفزيونية عندما سئل عن سبب استعانته بعدد كبير من زملائه في جامعة عين شمس ، لكن من غير المنطقي أن يكون التغيير بالجملة، وكأن الفشل فجأة لحق بكل هذه القيادات، و فجأة فتح وزير الصحة عيونه علي فشلهم بعد تجديد الثقة في توليه الوزارة في التعديل الوزاري الأخير، ، فهم في مناصبهم من قبل التعديل.
ما سبق لا يمكن أن يوضع فى خانة الدفاع، لكن من الواجب التعامل معه كونه أسئلة مشروعة حول فلسفة وزير الصحة في التغيير ، فهل تجديد الثقة أعطاه دفعة لهذه التصفيات ؟.. ألم يكن يعلم من قبل بسوء أداء العمل كما أعلن في تبريره للإقالات الجماعية ؟.. وهل سوء العمل مرتبط بشخص معين أم بمنظومة قائمة ؟ .. وهل وفر وزير الصحة الإمكانيات والأدوية والمستلزمات والأموال اللازمة لهم قبل محاسبتهم ؟ ... هل اطلع وزير الصحة على مطالبات كافة مدراء المستشفيات بتوفير الإمكانيات والإصلاح والتطوير ؟، والأكثر من ذلك أن الوزير يتعهد ويتوعد بمزيد من تغيير القيادات، الأمر الذي اتخذ يمكن القول أنه أخذ بُعدا آخر بين كثير من مديري المستشفيات، فتحولت الأحاديث المتكررة في الاجتماعات المغلقة فيما بينهم لتعكس حالة استياء شديدة ورغبة في الاستقالة في ظل ظروف العمل الصعبة والقلق من الإطاحة بهم في أي وقت ،خاصة أن الإطاحة حسب إعلان وزير الصحة تكون مرهونة بسوء الأداء في العمل وتشويه سمعتهم.
هذا بجانب الحملات من قبل بعض الجهات الرقابية سواء النيابة الإدارية أو الرقابة الإدارية التي تنتهي بإيقاف قيادات عن العمل، لأسباب يعتبرها كثير من القائمين على العمل تتعلق بمنظومة الصحة عموما من نقص مستلزمات ونقص أدوية وضعف إمكانيات ،تهالك المباني والأجهزة وضعف الصيانة وليس بشخصهم، ليصبحوا ضحية لضعف المنظومة.
ظلت هذه محادثات خلف الأبواب المغلقة إلي أن ترجمها الدكتور عصمت أحمد عبد السلام ،مدير مستشفي طما المركزي بسوهاج بتقديم استقالته نهاية الأسبوع الماضي، فأصبح مدراء المستشفيات أمام تهديد وتوعد وزير الصحة من ناحية، ومن ناحية أخري في ترقب لأي مرور مفاجئ من قبل جهات رقابية، ومن ناحية ثالثة مواجهتهم من أهالي المرضي فهم من يتحملون تبعات نقص الإمكانيات والمستلزمات التي قد تصل للتعدي عليهم سواء باللفظ أو بالضرب كما تكرر في حالات كثيرة
التغييرات التي أجريت داخل «الصحة»، والأخرى التى من المنتظر إجراؤها تبدو كأنها حملة تطهير، إن لم تكن تصفية يجريها الوزير تبدأ من قيادات كبري في ديوان الوزارة ومرورا بوكلاء الوزارة في المحافظات وانتهاء بمدراء المستشفيات، لكنها تظهر بشكل فيه إساءة لهم دون وقائع محددة، وحتي منهم من قال إنه لم يوجه له حتي لفت نظر أو تعليق خاص بسير العمل، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على قبول المناصب في ظل التعامل المهين – على حد تعبيرهم – مع الأطباء المسئولين بمختلف المناصب الإدارية خوفا من التنكيل بهم وتحميلهم تبعات سوء المنظومة الصحية
الدكتور عبد العاطي المناعي الذى تم إلغاء انتدابه كمسئول للسياحة العلاجية وعودته لعمله بقطاع الطب العلاجي بديوان عام الوزارة، رد على ما جاء فى بيان وزير الصحة بقوله: « تقدمت مساء ٤ مارس باستقالتي من العمل في وزارة الصحة عموما ككل وليس فقط مسئول السياحة العلاجية، وذكرت السبب « لأن الظروف المحيطة لا تساعد على العمل « وما فعلوه بعد أن تقدمت باستقالتي هو إلغاء انتدابي في أمانة المراكز الطبية المتخصصة وعودتي لديوان عام الوزارة.
وفى تبريره لخطوة الاستقالة، قال: أقدمت على هذه الخطوة لأن المهام موكلة إلي غير أهلها من ذوي الخبرة، ويقدم أهل الثقة على أهل الخبرة ، وبالتالي عدم الاهتمام بجودة المنتج، وعندما اختلفت وجهات النظر تقدمت بها وفضلت الانسحاب من المشهد رغم ما قدمته في ملف السياحة العلاجية منذ ثماني سنوات، سواء خارج الوزارة أو داخلها، وإذا كان ما وصلنا به من حديث ودعاية للسياحة العلاجية وتنظيم مؤتمر دولي وغيرها من الجهود إذا كان سوء أداء عمل فأين العمل الناجح الجيد ؟.. وإذا كان وزير الصحة نفسه كلفني بأهم مشروع لشركة إنجليزية وملف ضخم في السياحة العلاجية فكيف يكون هذا سوء أداء ؟ ولماذا هذا التناقض ؟ّ!.. وطالما هناك سوء أداء أو كوني موظفا فاشلا فأين العقوبات التي وقعت علىّ؟.. أين لفت النظر أو حتي توجيه اللوم ؟، فلم يحدث شيئ من هذا القبيل وفجأة ظهر التبرير بسوء الأداء بشكل مهين.
«د.عبد العاطى» تابع حديثه: الغريب في الأمر أن هذا التقييم جاء في وقت كل الناس تتحدث عن السياحة العلاجية، فخلال الأشهر الأخيرة أحدثنا ضجة كبيرة وأصبح مصطلح السياحة العلاجية يتردد في أماكن عدة، وما حدث لن يؤثر على عملي فالسياحة العلاجية هي مشروعي ومستمر العمل من المؤسسة المصرية للسياحة العلاجية والاستشفاء البيئي ، وبالنسبة للمؤتمر الدولي للسياحة العلاجية بشرم الشيخ فالمنظم له هو جنوب سيناء وله مطلق الحرية في اختيار من يريد، واستقالتي لم تؤثر على دوري في مؤتمر السياحة العلاجية، ولا زلت المنسق العام لمؤتمر شرم الشيخ الدولي للسياحة العلاجية، والسياحة العلاجية ومشروعاتها هي اهتمامي الأول، وكثيرون نصحوني بالعدول عن الاستقالة لكنني لم أتراجع خاصة أن الملف الأساسي لا توليه الوزارة الاهتمام الكافي».
الدكتور حازم الفيل الذي كان يشغل منصب مدير معهد ناصر ، ضمته هو الآخر قائمة المغضوب عليهم من قبل وزير الصحة، ففي الوقت الذي أعلن فيه الأخير إقالته له ، أكد الدكتور حازم تقدمه بالاستقالة في ٥ مارس، متسائلا لماذا لم يعلن عن القرار إلا بعد التقدم بالاستقالة ؟ وقال: « لن أخوض في محادثات عن إقالة أم استقالة حرصًا على المكان الذي توليت إدارته، فمستشفي بحجم معهد ناصر الكبير في غني عن كل هذا الكلام، فقد اعتذرت عن الاستمرار لأن الأجواء غير مناسبة للعمل ،وقد أديت رسالتي طوال فترة وجودي وهو من الأماكن القليلة التي لم يتوقف العمل بها ولم تحدث خلالها اضرابات أو وقفات احتجاجية، والكل يعلم الظروف التي يعمل فيها الأطباء والمديرون، كما أن سوء العمل هل يتم اكتشافه فجأة وما هي معايير العمل والكل يعرف حال المنظومة الصحية»
القائمة ذاتها ضمت أيضا في القائمة الدكتور أسامة الدسوقي وكيل وزارة الصحة بالأقصر فرغم ما تردد عن إقالته أو تقدمه باستقالته إلا أن التأييد الشعبي وتأييد المحافظ له جعله لا يزال قائما علي العمل.
« « نظرا لما يتعرض له القطاع الطبي على وجه العموم، مهما تم من إنجاز وعمل، وعدم وجود من يدافع عن ذلك، فإننى أتقدم باستقالتى كمدير مستشفى طما، وعودتى لعملى الأصلى كاستشاري أمراض نساء وتوليد بالمستشفى لأن المناخ العام غير صحي، ولسنا كأطباء عبيد إحسان أحد». « .. هذا جزء من نص استقالة الدكتور عصمت عبد السلام مدير مستشفي طما المركزي بسوهاج - لم تقبل حتي بداية الأسبوع الجاري- .. الاستقالة ليست لظروف خاصة .. ليست لظروف صحية كما عهدنا .. ليست بدون سبب كما نسمع دائما .. الاستقالة مرهونة بظروف وطبيعة العمل أوضحها الدكتور عصمت في اتصال هاتفي فور رؤيتي للاستقالة بقوله « استقالتي صرخة يريد أن يصرخها كثيرون، لكنهم لم يقدموا على هذه الخطوة، كما أننى على استعداد لتحمل نتائجها، ففي وقت استقبال المستشفي لأكثر من خمسين حالة تسمم أطفال وتواجد جميع أطباء الأطفال وظلوا حتي الساعة الثانية من منتصف الليل وخرجت كل الحالات بعد خمس ساعات بحالة جيدة لم يتكلف مريض أي ماديات رغم نقص الإمكانيات،والمفاجأة ليلا تقتحم النيابة الإدارية المستشفي وكأنه سجن حربي وتغلق المستشفي بقوات أمن والسبب أنه وردت لهم شكاوي من نقص المحاليل ورغم مجيئهم المفاجئ وجدوا محاليل وما تم استخدامه مع حالات التسمم كان مخزون طوارئ لدينا وفره المستشفي بجهوده الذاتية بأسعار مضاعفة ، وعندما يكون مستشفي كبير بهذا الحجم ويخدمه اثنان من العمال -وهذا الكلام يعلمه وزير الصحة- فعمالة النظافة قليلة، وشركات النظافة تعمل الفترة الصباحية فقط لعدم توفر التمويل المالي الكافي لها، وبعد ذلك مطلوب مستوي نظافة معين ، حتي عندما تم رصد مستوي النظافة كان «مشبك سرة « لا يتجاوز طوله ٥ سم ويقابله النظافة غير جيدة ! ، فعندما يصور بلاط «متكسر» فهل هذا سببه الطبيب أم لأنه لم تمتد للمستشفي يد التطوير والصيانة خلال عشرات السنين ومنذ عام ٢٠٠٨ ممنوع إنفاق أموال على المبني ، فلابد أثناء المرور النظر لما هو المتاح وما هو المطلوب وما هو المقدم وهل ما يتم تقديمه في حدود المتاح أم أقل؟ ، وهل طالبنا بتحسين الوضع أم لا ؟ فبناء على المطالبات مستشفي طما سيدخل في عملية تطوير ستتكلف ٣٠٠ مليون جنيه ومعني الموافقة على دخوله أنه متهالك «.
وأكمل بقوله: « الرقابة مطلوبة، لكن لابد من مراعاة ظروف العمل التي يعمل فيها الأطباء وإدارات المستشفيات من نقص في الإمكانيات والمستلزمات والقوي البشرية وتهالك في البنية الأساسية، ما هي الظروف التي يعملون بها، فأبسط مثال قطن وشاش وسرنجات وجوانتيات بها نقص وهذا وضع متكرر في معظم المستشفيات، أيضا رصدت النيابة الإدارية أن مريضا اشتري علاجا ما هو العلاج ؟،خيوط ،الخيوط التي وفرتها الدولة رفيعة جدا لجراحات معينة وهذه الحالة قيصرية فإما أن الحالة لا تدخل أو يشتري الأهل الخيوط ، فكل عملية لها خيوط معينة ،فالمريض يطالب بعلاج وعلاج مناسب بدون تكلفة وهذا حقه ، وفي نفس الوقت أنا لدي إمكانيات.
وأنهى حديثه بقوله: ليس ذنبي كطبيب أو مدير مستشفي عدم توفر هذه الإمكانيات ، المواطن مضغوط ولا يجد سوي الطبيب يخرج « همه « فيه ، الطبيب الذي لا يملك من الأمر شيئا « ،ومطالبات الأهالي بمستوى خدمة معين في وقت لا تتوفر فيه الإمكانيات الكافية لذلك ، وليس لدي ما يرضي المواطن في ظل الإمكانيات المتاحة ، لابد أن نتقبل أن الكل في ظروف صعبة والدولة تعطي على قدر المتاح والمواطن يريد خدمة أفضل من المتاح ..لكل هذه الأسباب قدمت استقالتي».