الثلاثاء 18 يونيو 2024

د . سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى: الفساد الحكومى غول يلتهم مؤشرات الرضا الشعبى

15-3-2017 | 12:50

 

حوار يكتبه:

عبد اللطيف حامد

يطالب د.سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى بوضع استراتيجية متكاملة للقضاء على الفساد وفقا لرؤية واضحة المعالم وجدول زمنى محدد؛ لأن فيروساته المنتشرة فى كافة قطاعات ومؤسسات الدولة تفترس مؤشرات الرضاء الشعبى، ويشعر المواطنون المتضررون منه، وهم كثر بالظلم، فلا يحصلون على حقوقهم دون اللجوء للطرق الملتوية كالرشاوى أو الوساطة والمجاملات، إلى جانب فساد بعض رجال الأعمال، ولابد من ثورة إدارية، واستخدام الطرق التكنولوجية فى هزيمة الفاسدين، بالفصل بين جهة تقديم الخدمة، والراغبين فى الحصول عليها ليكون الجميع سواء. ويرى د. صادق أن الأخطاء الحكومية، وقراراتها غير المدروسة تسحب من رصيد القبول الشعبى للنظام الحاكم، بدليل أن استطلاعات مركز بصيرة تكشف أن الرضاء على الحكومة ممثلا فى رئيسها ـ بغض النظر عن اسمه ـ ينخفض من استطلاع إلى التالى، وليس العكس، لعدم إحساس المواطن بمواجهة المشكلات كما يجب فى مختلف القطاعات كالصحة والتعليم أو على مستوى الملفات الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، والأمر ينعكس على الرئيس السيسى الذى يخسر من شعبيته بسبب سوء إدارة الحكومة.

فى البداية .. ما تقييمك لمستوى الرضاء الشعبى فى الفترة الأخيرة كمتخصص فى علم الاجتماع السياسى؟

أعتقد أنه قبل التركيز على هذه الفترة الزمنية لابد من توضيح أن الرضاء الشعبى لم يكن فى أحسن حالته قبل ثورة ٢٥ يناير، ووجود حالة من الاعتراض، والغضب دفعت المواطنين للمطالبة بالتغيير، وللأسف لم يحدث التحسن المطلوب فخرج الناس ثائرين للميادين مرة ثانية فى ٣٠ يونيه، وهذا يعنى لافتقاد حالة الرضاء، وللأسف فشلت الحكومات المتعاقبة فى تحقيق مطالب المصريين مما دفع مؤشر القبول للتراجع أيضا حتى الآن.

عفوا، هل هذا مجرد تحليل شخصى أم هناك مؤشرات، وأرقام تدعمه؟

بعيدا من الكلام النظرى نجد أن استطلاعات مركز بصيرة للرأى تؤكد أن الرضاء على الحكومة ممثلا فى رئيسها أيا كان اسمه ينخفض من استطلاع إلى التالى، وليس العكس، وآخر هذه الاستطلاعات ما تم الكشف عنه فى الشهر الماضى أن ٢٢٪ من المصريين يرون أن أداء رئيس الوزراء جيد، و٢٥٪ يرون أن أداءه متوسط، و١٨٪ يرونه سيئا بينما ما يقرب من ثلث المصريين لا يستطيعون تقييم أدائه، ويبدو أن الأمر يرجع لعدم إحساس المواطن بمواجهة المشكلات كما يجب فى مختلف القطاعات كالصحة والتعليم والصناعة والاستثمار أو على مستوى الملفات الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، وبالطبع ينعكس ذلك على الرئيس السيسى الذى يخسر من شعبيته بسبب سوء إدارة الحكومة.

بالمناسبة، هناك من يحاول النفخ فى حالة عدم الرضاء الحالية من أجل تهيئة الموقف لما يسمونه الثورة الثالثة.. ما رأيك؟

يبدو أن من يسعون لهذا التصعيد يتناسون أن المواطنين تعلموا الدرس جيدا، فالثورة لمرتين لم تحقق الأحلام العريضة التى عاشوا فيها، ولن ينساقوا وراء أية دعوات تحرضهم من تلك الزاوية، وهناك من يريد العودة للماضى بشرط تعديل بعض الأخطاء، وعلى رأسها ظاهرة الفساد التى مازالت تضرب بجذورها فى كافة مؤسسات الدولة بنسبة تتراوح من ٧٠٪ إلى ٨٠ ٪، وأنا شخصيا اعتبرها مثل “الغول” الذى يلتهم دوافع الرضاء الشعبى فى مصر على مدى سنوات طويلة خاصة بعد ثورة ٣٠ يونيه مع تصاعد المطالبات بالضرب بيد من حديد على يد الفاسدين، ولو نجحت الدولة فى القضاء على الفساد ستخلق أجواء جيدة للرضاء الشعبى، نتيجة للظلم الواقع على غالبية المواطنين من تبعات الفساد فى مختلف المجالات بداية من دخول المستشفى للعلاج، وسيطرة أسلوب المحسوبية والوساطة حتى فى التعامل مع المرضى فى المستشفيات الحكومية للهروب من استنزاف المستشفيات الخاصة مرورا بإتاحة فرصة فى المدارس ذات المصاريف المقبولة؛ لأن المدارس الحكومية أصبحت خارج الخدمة مثل مدارس النيل أو حتى المدارس التجريبية أو القومية وصولا إلى خدمات السجل المدنى، واستخراج تراخيص القيادة والأحوال المدنية وفى الأحياء، وهذا يخلق نوعا من التأقلم مع أساليب الفساد، ثم الإحباط من تغير الحال للأحسن، أما عن فساد بعض رجال الأعمال، فحدث ولا حرج لأنه بالميارات.

لكن هناك العديد من الإنجازات والمشروعات القومية التى قامت بها الدولة لكنها لم تصل إلى المواطنين، ولم تؤثر بالشكل المطلوب على رضائهم.. فما تفسيرك؟

من الواضح أن الدولة فى مختلف الهيئات سواء الرسمية أو الأهلية تفتقد إلى وجود مستشارين فى علم الاجتماع السياسي وفن العلاقات العامة والإعلام يستطيعون التواصل مع الرأى العام، وتبصيره بمعدلات الإنجاز مع توضيح أسباب منطقية للإخفاق تجعله مستعدا للتحمل، والصبر طالما هناك رؤية ومخططات واضحة للتغلب على المشكلات وفقا لجداول زمنية مدروسة، وهذا يفسر حالة عدم الرضاء بداية من الحكومة، فلا يجد الناس من يشرح لهم السياسة العامة، ودوافع قراراتها، ويمهد لها إعلاميا لجس نبض المواطنين، وتأهيلهم لتوابعها، والمثال الواضح هنا قضية جزيرتى “ تيران وصنافير” فهى تعد نموذجا لعملية صنع قرار سيئ، لأن المسئولين عنها تجاهلوا الرأى العام، وتركوا فراغا فى المعلومات، فأسرعت بعض التيارات لاستغلاله، وملء فضائه، فدخلت المسألة فى وضع مأساوى، ولم تسلم من هذا المرض السلطة التشريعية أو القضائية أو حتى المجتمع المدنى، فالأخير مثلا تثار حوله شائعات التمويل الأجنبى عمال على بطال دون أن يخرج من يوضح أن ذلك مرتبط بمئات فقط من المنظمات والجمعيات العاملة فى المجال الحقوقى، بينما لدينا أكثر من ٢٨ ألف جمعية ومنظمة أخرى تعمل فى قطاعات تنموية لا نسمع عنها شيئا، ومن المؤكد أن غياب المعلومات، وتراكم الأخطاء يدفع المواطنين إلى حالة من الرفض.

هذا يدفعنى للسؤال عن تأثير قرارات الإصلاح الاقتصادى على حالة رضاء المصريين.. وما أسباب تقبل الناس لها، وعدم الخروج فى احتجاجات رغم محاولات التسخين من بعض الجماعات والتيارات؟

فى قناعتى الشخصية أن تقبل المصريين للقرارات الاقتصادية الصعبة من رفع سعر الوقود إلى تعويم الجنيه ثم تنقية بطاقات الدعم يعودة بالدرجة الأولى إلى صراحة الرئيس عبد الفتاح السيسى، والشفافية التى اتبعها قبل اتخاذها بفترة مقبولة، فهو أكد أن الظروف الاقتصادية تجعل من الضرورى القيام ببعض الخطوات المؤلمة لإنقاذ الاقتصاد أى أن صانع القرار سبقه بنوع من التمهيد والتأهيل لتقبل التبعات، وبالتالى باءت محاولات إشعال الغضب الشعبى بالفشل.

هل هذا يفسر احتجاجات العيش المدعم مؤخرا فى بعض المناطق اعتراضا على قرار وزير التموين د.على مصيلحى بخفض حصة الكارت الذهبى لأصحاب البطاقات الورقية؟

نعم، هذا بالفعل نتيجة طبيعية للقرارات المفاجئة للمسئولين لدينا، وخطورة على الرضاء الشعبى كبيرة جدا؛ لأن شعور المواطن المتضرر من القرار بالتجاهل، والدونية يجعله يتخذ رد فعل مبالغا فيه من أجل لفت الأنظار، وإجبار المسئول على التراجع، صحيح أن هناك أصحاب مصلحة على رأسهم ملاك المخابز، دفعوا أصحاب البطاقات الورقية للتصعيد مع نشر شائعات تخفيض حصة الفرد من العيش المدعم يوميا من ٥ إلى ٣ أرغفة ليكون معدل الغضب أكثر، لكن الأصل فى الموضوع توقيت القرار الخاطئ، وعدم التمهيد له، كما أن الوقفات المحدودة فى بعض الأماكن فى ٤ محافظات فقط يؤكد تحليلنا السابق أن المواطنين لا يفكرون فى مزاعم الثورة الثالثة، وأن الداعين لها واهمون، مع التأكيد أن غياب التنسيق بين أجهزة الدولة كارثة لابد من التغلب عليها لتجنب تفجير أزمات لا داعى لها، فالمصريون يريدون ثورة إدارية لإصلاح الحال فى كل المواقع.

ماذا تقصد بالثورة الإدارية.. وما تقديرك لطرق الإدارة الذكية للحكومة التى تتباهى بها على مدى قرابة ١٠ سنوات؟

فى تصورى أن دافع المصريين فى ثورتى يناير ويونيه لم يكن سياسيا بحتا إلا لنسبة محدودة فقط إنما الغالبية كانت تريد تطوير الجهاز الإدارى المترهل الذى انعكس على مستوى تقديم الخدمات بكافة أنواعها، وللأسف مازال هذا الجهاز محلك سر فلا ميكنية أو تحويل أنظمة الحصول على الخدمة إليكترونيا للفصل بين طالبها ومقدمها لتوفير الوقت والجهد، ومحاربة الفساد على غرار معظم دول العالم، ومنها الدول العربية والإفريقية وليس ما يسمى بالعالم المتقدم، ومن هنا فإن معدلات الرضا فى تدهور، أما مزاعم الحكومة الذكية فهى سراب، لدرجة أن لدينا مافيا السطو على أموال الراغبين فى قضاء أى مصلحة أو خدمة فى كل مؤسسات الدولة بحجة الإكراميات أو الرشاوى دون حياء أو خجل، والحقيقة أن المواطنين أكثر ذكاء من حكومتهم بدليل الانتشار الواسع للتكنولوجيا بين معظم الفئات، واستخدام تطبيقات المحمول خاصة الشباب، بينما الوزارات لا تقوم بالدور المطلوب، ويكفى الإشارة لبعض القضايا منها التأحير الغريب فى إنجاز قانون الاستثمار رغم أهميته لجذب الاستثمارات الجديدة، وفشل وزارة السياحة فى الترويج للمعالم المصرية فنجد أن دبى يأتى إليها ١٥ مليون سائح سنويا مقبل ٣ أو ٤ ملايين لمصر كلها بشواطئها وآثارها، إلى جانب المشكلة السكانية رغم تعدد الجهات المعنية، ويصل معدل الزيادة إلى ٢.٦ مليون نسمة فى حين أن لبنان ٤.٥ مليون نسمة، وتونس ١١ مليون نسمة.

ما هى آليات ووسائل رفع معدل الرضا الشعبى بين المواطنين؟

المسألة ليست كمياء كما يقولون، وفى الوقت نفسه الشعارات وحدها لن تحقق شيئا ملموسا بل نحتاج لعدة معايير فى مقدمتها تأكيد مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين فى كل المواقف من خلال تفعيل القانون على الجميع، وضمان كل فرد فى الحصول على حقه بغض النظر عن وظيفته أو معارفه، ثم وضع خطة استراتيجية للقضاء على البيروقراطية والروتين وفق نظم إلكترونية خاصة فى القطاعات الخدمية لقطع الطريق على المتربحين من الفساد سواء كان موظفا صغيرا أو كبيرا، إلى جانب وضع جداول زمنية مدروسة ومعلن عنها أمام الناس لتطوير قطاعات الصحة والتعليم وغيرهما لإعطاء المواطن أملا فى المستقبل، والتصدى لسيطرة الثقافة الاستهلاكية فى المجتمع التى رفعت سقف الطموحات، وفرقت الشعب إلى عدة طوائف كل منها تحقد على الأخرى مما يزيد حالة الإحباط.

وماذ يجب على الرئيس السيسى خاصة أن لم يتبقَ سوى ١٥ شهر العام على نهاية ولايته الأولى لرفع شعبيته، ودفع الناس للالتفاف حوله كما كان الحال قبل الانتخابات الرئاسية السابقة؟

مطلوب من الرئيس السيسى أن يعكف بالتنسيق مع كل الجهات والوزارات المعنية على عمل برنامج شامل ومتكامل للتغلب على المشكلات الحالية فى كل المجالات من واقع خبرته على مدى الثلاث سنوات ونصف الماضية فى قيادة الدولة، ويفضل أن يعجل بتنفيذ هذه البرامج سعيا لزيادة مساحة التوافق الشعبى، وزيادة ثقة المواطنين فى تحركاته خلال المرحلة المقبلة، ومشاركة الحكومة له حتمية لتكون التصورات واضحة، وتستند إلى معلومات وبيانات واقعية، وليست وعودا فقط، ولنأخد مثالا بملف الحرب على الإرهاب، الأمر يتطلب دراسة ما حدث من نجاحات وإخفاقات لعلاجها، وتكليف كل وزارة بوضع سيناريو جديد، فوزارتا التربية والتعليم والتعليم العالى عليهما أن يحدثا مناهجهما لتنقية المواد الدراسية من مسببات الفكر المتطرف، وتطرح حلولا لمواجهته على مستوى المدارس والجامعات، ووزارة العدل تقوم بسن تشريعات تضمن سرعة محاكمة المتورطين فى العمليات الإرهابية، والداخلية تضع استراتيجية لاستخدام التكنولوجيات الحديثة فى اكتشاف الخلايا الإرهابية، والتصدى لها، أما الأوقاف والأزهر والكنيسة عليهم جميعا تجديد الخطاب الدينى، ونفس الموقف بالنسبة للبرلمان عليه رقابة كل الجهات المسئولة ومحاسبتها على اى تقصير أو إهمال مع سرعة إقرار القوانين اللازمة.