الخميس 27 يونيو 2024

يطالبون بتأمين صحى ونقابة تحميهم عمال التراحيل: «هوِّنها علينا يا رب»

15-3-2017 | 13:24

تقرير : سما الشافعى

عدسة : مصطفى سمك

عمال التراحيل.. المشهد لا يتغير كثيرا.. الوجوه تكاد تكون متطابقة.. العيون مرهقة، متبعة، لكنها رغم هذا متيقظة، تنتظر لحظة قدوم «مقاول الأنفار»، أو مرور مواطن عادى يطلب أحدهم لإتمام ما.. وبعد أن يقع الاختيار على عدد منهم، يذهب الذين حصلوا على فرصة عمل للانتهاء من أعمالهم، بعد أن منحهم القدر فرصة جديدة لـ»الستر»، أما الذين لم يصبهم «دور الشغل» فينتظرون فى أماكنهم، يحافظون على النظرة ذاتها، لكن يبدأ القلق يتسرب إلى نفوسهم، فهاهو يوم جديد لا عمل.

الحديث مع «الفواعلية»، رغم بساطته إلا أنه حديث فى معظم الأحيان موجع، من أول حرف، حتى آخر كلمة، يدركون جيدا أنهم يعيشون على هامش الحياة، لا ينتظرون سوى «لحظة حظ»، بعدما أصبحوا على يقين أن الحكومة لن تنظر إليها إلا لتبعدهم عن الطريق، الذى يحتلونه مع ساعات النهار الأولى، فى انتظار الفرج.

محمد العجمى، أحد عمال التراحيل، بدأ حديثه بقوله: «رأس مالى صحتى، وولادى بسبب شغلى فى الفاعل اتحولوا لمشردين، ومش عاوز من الحكومة غير شغلانة توفر لى دخلا ثابتا».

بجوار «العجمى» يجلس «مغازى» الذى يناديه بقية العمال بـ»عم مغازى»، فور أن بدأ الحديث، كانت دموعه تسبق كلماته، ووسط الدموع تلك قال: « تركت محافظة أسيوط وجئت إلى القاهرة لأعمل فى الفاعل بعد ما ضاع عمرى فى الفلاحة، والأرض بقيت «بايرة» بسبب مية الصرف الصحى، ودلوقتى أنا أعمل يوم وباقى الأسبوع مفيش شغل، بسبب أعداد العمال اللى بتزيد كل يوم، والناس اللى بتطلبنا للشغل بتختار الشباب وتسيبنا إحنا عشان كبار فى السن».

مقابل دموع «عم مغازى»، كانت ابتسامة جارة الخمسينى، حاضرة فى المشهد، وقال: «نحن مغتربون فى سوق العبيد، يأتى لنا العميل بسيارته الفارهة، لينتقى مايروق له شكلا، وكأنه يشتريه مثل الجوارى فى سوق العبيد ويترك بقيتنا بحسرة ينتظرون غيره وإما يأتى أو لايأتى، لنصبح عبيدا أسفل كبارى المحروسة، على مرأى ومسمع من الجميع».

رضا.. عامل تراحيل، التقط طرف الحديث من جاره، وقال: «بأشتعل فى التراحيل من ٧ سنين، حاملا روحى على كفى، خاصة وأن مهنة « الفواعلى» مهنة شاقة وتحتوى على نسبة خطر عالية وعندما نصاب بجروح نتيجة عملنا بآلات حادة لايلتفت لنا أصحاب العمل، بل يتركوننا غارقين فى دمائنا ويطالبوننا بإكمال العمل للنهاية دون إنسانية».

أما «فوزى» العامل النحيف الجسد، فلم يطلب من الحكومة سوى النظر إلى عمال التراحيل بعين الرحمة والإنسانية، ومعاملتهم كمواطنين يعملون فى الدولة مثلهم مثل عامل النظافة، وتوفير نقابة تجمعهم وتضمن لهم تأمينا صحيا، ورواتب تضمن لهم عيشة كريمة .

بينما اختلف معهم الشاب الثلاثينى « طارق» فى طريقة التفكير فى حلمه حيث قال: «كل حلمى ان الشرطة تسيبنى فحالى، أنا مش بأسرق ولا بأتسول، أنا بأدور على رزقى فى الشارع، ولو ليا طلب عند الحكومة هيكون إنها تسيبنى فحالى».

أما «إبراهيم» الذى ترك إحدى قرى محافظة الشرقية، ونزح إلى قاهرة المعز، حالما بتحقيق الثراء، لا يطلب من الحكومة سوى توفير الأمان وتقنين عمله والاعتراف به كمواطن يعمل فى الدولة، مثل عامل النظافة .

وعلى ذات الرصيف يجلس بجوار «إبراهيم» عامل آخر يدعى « شلبى « صاحب وجه شاحب، تكسوه التجاعيد، التى تمنحه فوق سنوات الأربعين سنوات عدة، «شلبى» يجلس مبتسما وخائفا من الغد الذى لايعلم عنه شيئا، بجوار زملائه منذ اللحظات الأولى، فى صباح كل يوم، ينتظر ساعات طويلة إلى أن يلتفتت إليه « زبون»، وإذا تباطأت سيارة، بالقرب منه جرى عليها هو وزملاؤه ليزدحموا على « الزبون» على حد تعبيره، الذى قد يختار منهم مايروق له دون أن يخطره بما سيفعله، وقال: « أشعر بأننى أباع وأشترى فى سوق « الفواعلية» دون أى رقابة فنصبح عرضة لأى نصاب أو بلطجى أو حتى رجل شاذ يتعامل معنا كـ « كلاب الشوارع» التى لا مأوى لها، وما أطلبه من الحكومة تقنين أوضاع عمال التراحيل، واحترام الشقاء والجهد فينا .

المكان ذاته يضم الطفل « محمود» الذى يبلغ من العمر ١١ عاما، الذى تخلى عن طفولته وارتدى جلباب والده، واستبدل أدوات المدرسة بآلات حديدية ثقيلة ليمارس عمل « فواعلى» فيستغله المقاولون الذين لا يرحمون طفولته، ليعمل لديهم « صبى مقاول» بأبخس الأسعار، وعن عمله قال :» خرجت من المدرسة وأنا فى الصف الثالث المرحلة الابتدائية، بعد أن توفى والدى وبقيت أنا كبير عائلتى، ووالدتى تبيع خضارا، لتوفر لى ولأشقائى حياة كريمة، ولهذا لبست أنا جلباب والدى اللى وقع من فوق «سقالة» وهو بيشتغل فى المعمار، وأعمل فى اليوم بـ ٢٠، أصرفها على أشقائى، ومش عاوز من الحكومة غير إنها توظف والدتى عشان يكون عندنا مرتب ثابت نعرف نعيش بيه.