الأربعاء 5 يونيو 2024

الإخوان وخطط صنع الأزمات

15-3-2017 | 13:39

بقلم –  ثروت الخرباوى

أنا من الذين يقولون إننا يجب إلا نُعلِّق كل فشل فى الدولة على جماعة الإخوان الإرهابية، ولكننى أيضا من الذين يقولون أن الإخوان يخططون ويسعون منذ زمن بعيد لإفشال الدولة، سواء كانت هذه الدولة يقودها عبدالناصر أو السادات أو مبارك أو السيسي، والغريب أنهم بأنفسهم عندما وصلوا إلى الحكم أفشلوا أنفسهم من حيث يظنون أنهم يُحسنون، وهؤلاء الفاشلون لا يزالون يعملون على إفشال الدولة!.

نعلم أن المسئولية ثقيلة، وأن البلاد كانت قد وصلت قبل ثورة يناير إلى هوة سحيقة من الفشل، لذلك قامت الثورة، وإن لم تكن قد قامت فى يناير كانت ستقوم حتما فى أى تاريخ آخر، فالبيت المصرى الذى كان آيلا للسقوط لم يعمل أحد على ترميمه، أو مواجهة تصدعاته، كل ما فى الأمر أن الحاكم كان بين الحين والحين يقوم بطلاء البيت من الخارج لإخفاء الشقوق والتصدعات، فيزيد الأمر سوءً، فيقترض النظام من هنا أو هناك ليقوم بإطعام الشعب حتى لا يشعر بهول الكارثة، أو يقوم عن طريق الخبراء بترحيل نسبة كبيرة من العجز فى الموازنة لأعوام مقبلة، فتتفاقم المشكلة فى المستقبل، وكان أبرع من قام بهذا الدور هو الوزير الأسبق يوسف بطرس غالي، وحينما كانت الخزانة العامة على وشك أن تفرغ كانت الدولة تسعى إلى بيع أصولها بمبالغ زهيدة، وهى فى الأصل تساوى مبالغ طائلة، فتم بيع الشركات والمصانع والمؤسسات ليدخل ثمنها فى خزينة الدولة تسد به رمق الجائعين، وهو أمر يشابه قيام صاحب البيت ببيع أثاث منزله الواحد تلو الآخر لينفق على أسرته، وعندما كانت المشاكل تتفاقم والرغبة فى إخفائها جارفة كانت الدولة تبيع أراضيها للمواطنين بالمزاد العلنى بمبالغ مبالغ فى قيمتها، ولكبار رجال الأعمال بالتخصيص بثمن زهيد، المهم أن يعمل وزير الإسكان على إدخال ما يستطيعه من دخل لخزينة الدولة، كل ذلك كان يتم دون أن يفكر أحد فى مواجهة المشاكل بشكل جذرى، وحينما تزيد المشاكل كان من الحتمى أن ينكشف المستور، وحينما انكشف تماما أصبح النظام ظهره للحائط، فقامت الثورة عليه.

لم تقم الثورة لذلك فقط، ولكن كانت هناك دولة تشكلت ونشأت ونمت فى مصر، هى دولة الفساد، ففى ظل بيت على وشك الانهيار كان يجب أن يتغلب المثل القائل:»إن خرب بيت أبوك خد منه قالب» وقد تغلبت دولة الفساد على الدولة المصرية الحقيقية، وأصبح من يريد أن يستثمر يجنى من مصر ما يشاء ثم يذهب بما جناه إلى دبى أو قطر أو تركيا أو إنجلترا ليستثمر فيها، ويدخل المستثمر الأجنبى فيشترى مصانع القطاع العام بأبخس الأثمان، وليته سدد الثمن من ماله هو، ولكنه كان يسدد الثمن من قروض كان يأخذها من البنوك المصرية، ثم يعاود بعد ذلك بيع ذات المصنع لمستثمر آخر، ثم يحمل ما جناه من مكاسب ويخرج به من البلاد منعما مكرما!.

لم تكن دولة الفساد وحدها هى التى تعمل على إفشال مصر وقتئذ، ولكن كان هناك جماعة تشكلت ونمت حتى أصبحت دولة داخل الدولة، أو قل دولة موازية للدولة، هى دولة الإخوان، تلك الدولة التى لها تاريخها، ورجالها، ورموزها، وثقافتها، وفنونها، وأغانيها، وأناشيدها، وأشعارها، ومسارحها، كل أولئك لا يمكن أن نعتبرهم نحن شعب مصر رموزا لنا، أو فنا، أو ثقافة، أو فكرا، كما أن تاريخهم بالتأكيد ليس تاريخنا، ومن أجل أن يجعلوا رموزهم هم فقط الصفوة النقية المقدسة لذلك كتبوا عن البنا الشهيد، نصف النبي، الأسطورة، وكتبوا عن سيد قطب الذى «شهيدوه» وجعلوا من موته رحلة انطلاق لأفكارهم المتعسفة، والقرضاوى هو فقيه الأمة وإمامها، أما رجال مصر عندهم فهم طغمة فاسدة، سعد زغلول سكير ومقامر وعدو للإسلام، طه حسين مرتد، أو متنصر، على عبد الرازق مرتد، توفيق الحكيم عربيد، مصطفى النحاس والنقراشى وأحمد ماهر عملاء للإنجليز، عبد الناصر عميل وأمه يهودية، وزوجته شيعية فارسية، السادات يتبع المخابرات الأمريكية، البابا شنودة يقود مخططا لتنصير مصر والقضاء على هويتها، وهكذا دواليك.

وهنا مربط الفرس، أو السؤال الأهم فى تلك المقالة، ما هى مخططات الإخوان لإفشال الدولة كلها، ولإسقاطها، يحضرنى فى هذا المقام موقف لا أنساه أبدا، كان ذلك فى غضون عام ٢٠٠٠ حينما ذهبت مجموعة من شباب الإخوان لمأمون الهضيبى نائب المرشد وقتها تشكو من انهيار الخدمات فى منطقة عزبة الهجانة بشرق القاهرة، وهى منطقة عشوائية كانت لفترة طويلة شديدة الفقر، تسكن فيها كل الآفات، مع قدر كبير من الجهل، وطلب هؤلاء الشباب من مأمون الهضيبى أن يوجه جزءًا من أموال الإخوان لتنمية تلك المنطقة، إلا أنه باغتهم قائلا: «هل مشكلة عزبة الهجانة هى مشكلة الإخوان، أم مشكلة النظام؟» سكت الشباب، فاستمر الهضيبى قائلا: هذه مشكلة الحكومة وهى أولى بحل مشاكلها ولكننا لا يجب أن نساهم فى حل مشاكل الحكومة بل ينبغى أن نقوم بتصدير أكبر كم من المشاكل للدولة حتى تعجز، فإذا عجزت سقطت، وإذا سقطت استلمنا نحن الحكم».

ما قاله الهضيبى لشباب الإخوان هو فلسفة الإخوان التى تسير عليها من أجل إسقاط الدولة، وهو يبرر لنفسه كل مساعيهم بأنها ستقودهم للحكم، وبعد ذلك بعشر سنوات أو تزيد سقطت الدولة من خلال ثورة يناير، واستطاع الإخوان استلام الحكم، ولكن القاعدة الذهبية تقول: «كما تدين تدان» حيث فشل الإخوان فى إدارة الدولة فسقطوا، ولكن هل يقفون موقف المتفرج بعد أن ضاع الحكم من بين أيديهم ولديهم ذلك الرصيد الضخم، والخبرات المتراكمة من خطط الإفشال، ساذج من ظن أن الإخوان رفعوا الراية البيضاء واستسلموا، ولكنهم فكروا ودبروا وخططوا، ثم انطلقوا فى تنفيذ خططهم، ومن أوراق جماعة الإخوان نقرأ لكم.

الفكرة والخطة وضعها محمد كمال الذى قُتل فى مواجهة مع الشرطة منذ ثلاثة أشهر تقريبا، وهو أحد القيادات الكبيرة للإخوان وكان المسئول الأعلى عن كل اللجان النوعية التى تم تشكيلها عقب سقوط الإخوان، ومن الأوراق التى وقعت فى يد الشرطة بعد مقتل كمال وثيقة تحت عنوان: «لجان صُنع الأزمات» وهى عبارة عن عدة لجان مختلفة وضع لها محمد كمال خطط حركة، ومن هذه اللجان:

لجنة تأزيم المرور: على كل مجموعة من الإخوان فى كل منطقة العمل على تأزيم الأزمات المرورية عن طريق التوقف بسياراتهم فى الطرق وقت الاختناق المروري، والادعاء بأن السيارات بها عطل، ولمن لا يملك سيارة يجب أن يقوم باستئجار سيارة لتنفيذ التأزيم، ويفضل التواجد معا بشكل مكثف فى مداخل محطات البنزين التى تطل على شوارع ضيقة لاصطناع عدة أزمات، منها أزمة مرور، ومنها العمل على نشر شائعة بنقص البنزين أو زيادة سعره، ويستحسن أن يكون هذا التأزيم فى الأيام من الاثنين للخميس، وقت الصباح الباكر، وعند الظهر.

لجنة تأزيم الخدمات: وهى خدمات الكهرباء والمياه والغاز، فعلى كل فرد من الإخوان الامتناع عن سداد فواتير تلك الخدمات والتحايل فى هذا الأمر بشتى الطرق، ولا يسدد الأخ إلا إذا كان مرغما، وعلى المهندسين والفنيين المتخصصين الذين يعملون فى تلك الجهات العمل على تعطيل المحابس الرئيسية للغاز فى المناطق التابعة لهم وتعطيل الكهرباء والمياه، ومن الأفضل إحداث أضرار كبيرة فى مواسير المياه والصرف الصحي، وكابلات الكهرباء والاستيلاء على ما يستطيعه الأخ الفنى منها.

لجنة تأزيم الخدمات الشرطية: ينبغى وضع الشرطة فى حالة إنهاك تام عن طريق تقديم بلاغات وهمية عن قنابل مفخخة فى المحاكم أو المصالح الحكومية، كما يجب أن يتم الإبلاغ عن وجود إخوان وخاصة القيادات المختفية، فى أحد بيوت شخصية من الشخصيات المحبوبة فى المنطقة، فإذا جاءت الشرطة واقتحمت المكان لن تجد الإخوان ولكنها ستصطحب صاحب الدار للتحقيق معه وهذا الأمر سيصنع أزمات بين المواطنين والشرطة ويعيد للأذهان قصة زائر الفجر.

أما الأهم من ذلك كله فهو أمر ينبغى أن نشرحه بالتفصيل ولا نكتفى بالإشارة إليه، وهو تأزيم الاقتصاد، وقد نصت الوثيقة على أن تأزيم الاقتصاد هو أهم عنصر من عناصر التأزيم وبه تسقط دول، ولكن لهذا الأمر تاريخ من الخبرات التى اكتسبها الإخوان خلال سنوات طويلة، يبدأ هذا الأمر من خطة السيطرة على الاقتصاد، لأنك لو سيطرت على اقتصاد دولة فإنك تستطيع أن تصنع لها ما تشاء من أزمات، وتدخلها فى إخفاقات.

ولكن كيف سيسيطر الإخوان على اقتصاد البلاد؟ كان ذلك عام ١٩٨٩ حيث فكر الإخوان وأعدوا الدراسات وقرأوا الخريطة الاقتصادية لمصر، وانتهت دراساتهم التى اشترك فيها «مجموعتهم الاقتصادية» تحت رئاسة الشاطر وعضوية حسن مالك وعبد الحميد الغزالى وحسين شحاتة، أقول انتهت إلى أن مصر ليست دولة منتجة، إنتاجها ضعيف للغاية، وتعتمد على السياحة ودخل قناة السويس لزيادة مواردها بالعملة الأجنبية، فى حين أن ثروتها العقارية هى الثروة الوحيدة القابلة للتضخم والزيادة بشكل مضطرد، ومن هنا كانت فكرتهم الرئيسية هى السيطرة على السوق الدولارية والسوق العقارية، ومن خلال هذين السوقين يمكن للإخوان التلاعب بسعر الجنيه مقارنة بالدولار، كما يمكن لهم السيطرة على أسعار الأبنية والشقق وكل ما يتعلق بسوق البناء والمعمار.

كان بعض الإخوان قد اكتسبوا خبرة فى التعامل مع الدولار فى السوق السوداء، فخيرت الشاطر وحسن مالك سبق وأن تعلموا «لعبة الدولار» على يد أسطورة السوق الدولارية السوداء سامى على حسن الذى قبضت عليه الحكومة فى أوائل الثمانينيات وقدمته للمحاكمة أمام «محكمة القيم» ولسبب أو لآخر أفلت الشاطر ومالك من هذه القضية، والآن يضع الإخوان خططهم الاقتصادية مستهدفين «شل الاقتصاد» المصري، فضرب السياحة من الممكن أن يتم ببساطة عن طريق توجيه ضربات إرهابية، وهو الأمر الذى حدث ويحدث وسيحدث، ثم استخدام هذه الضربات إعلاميا فى تخويف السياح والدول وإبعادهم عن زيارة مصر، ولجانهم النوعية التى تدربت جيدا فى قطاع غزة تستطيع القيام بهذا الأمر باحترافية، ثم استخدام كافة وسائلهم الإعلامية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى للهجوم على قناة السويس ومشاريعها التوسعية.

ثم يأتى السوق العقارى الذى أقول بيقين إنه أصبح تحت طوع بنان جماعة الإخوان، ولكى يسيطر الإخوان على هذا السوق يجب أن تكون لديهم أولا ميزانية ضخمة، فما هى ميزانية تلك الجماعة وما هى مصادر دخلهم؟.

رغما عنا يجب أن نتحدث بلغة الأرقام، فالمقال الذى يتحدث عن تأزيم الاقتصاد يجب أن يقوم على الحقائق، وحقائق الاقتصاد هى الأرقام.

يقول قادة الإخوان فى كل المناسبات: إن أموال الإخوان من جيوبهم.. وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، فاللائحة تلزم كل أخ بسداد اشتراك شهرى يدفعه قربى لله وعبادة له يرفع بها شأن جماعته التى تسعى فى ظنه المتوهم إلى « تطبيق الإسلام «واستعادة «أستاذية العالم» كما أن الأخ يقوم طواعية بسداد زكاة المال لجماعته لتصريفها فى الوجه الشرعى الذى تراه الجماعة، وإذا كانت جماعة الإخوان وستظل تخفى «حجم ميزانيتها وتطور العضوية فيها « حتى إن معظم بل غالبية أفراد الإخوان لا يعلمون شيئا عن أموالها، فإننا سنضطر إلى الحديث بشكل تقريبي، ولكنه التقريب الذى هو أقرب ما يكون إلى الحقيقة.

تبلغ حجم اشتراكات أعضاء الجماعة - وهو البند الأول فى ميزانية الجماعة - ما يقرب من مليار جنيه سنويًا على وجه التقريب، يدفعها ٤٠٠ ألف عضو عامل منتظم وفقا لآخر إحصاء داخلى بالجماعة لسنة ٢٠٠٨، حيث تصل قيمة الاشتراك الشهرى الذى تحدده لائحة الجماعة إلى ٨ ٪ من إجمالى الدخل الشهرى للعضو يقوم بسدادها أول كل شهر، وبالتالى ونظرا لتفاوت الدخول بين أعضاء الجماعة وبعضها فإن قيمة هذه الاشتراكات الشهرية دائما ما تأتى متفاوتة، حتى الفرد نفسه فأحيانا ما يسدد قيمة معينة وأحيانا أخرى يسدد قيمة مختلفة.

ولكن بحسبة بسيطة نجد أن متوسط الاشتراك الشهرى لعضو الجماعة يصل فى الغالب إلى مائتى جنيه، فإذا ما قمنا باستبعاد الطلبة والفقراء يكون دخل الجماعة الشهرى قيمته ٨٠ مليون جنيه تقريبا، أى مليار جنيه سنويا كدخل ثابت للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط.

وإذا كانت الجماعة قد دخلت إلى سوق المال الدولى وأصبحت تستثمر جزءا كبيرا من أموالها فى الخارج ـ وفقا للدراسات التى أعدها بعض رجال الاقتصاد ـ فقد بات حتميا على حسب هذه الدراسات أن تحصل الجماعة على ثلاثة أرباع مليار دولار سنويا تقريبا نسبة عائد على استثماراتها فى تركيا وقطر وهونج كونج وألمانيا وبريطانيا، فعبر سنوات طويلة ظلت الجماعة تجنى مواردها ثم تقوم باستثمارها مما كوَّن لها رصيدا معتبرا.

وحين قررت الجماعة توجيه استثماراتها إلى السوق العقارى أسندت الأمر فى المقام الأول لابنها البار حسن مالك، ومن بعده خيرت الشاطر، وكان المسار الاستثمارى الذى وجه فيه مالك أموال الإخوان هو شراء الأراضى فى المدن العمرانية الجديدة بحسب أن هذه الأراضى هى مستقبل مصر الحقيقي، ومن أجل تحقيق أهدافه استخدم حسن مالك ومعه خيرت الشاطر أدوات إخوانية لهم كى لا يظهر اسم أحدهما فى هذه المضاربات، وكان هؤلاء الإخوان من الثقاة الذين يعملون فى شركاتهما ويدينون لهما بالطاعة العمياء والثقة المطلقة، فضلا عن بضعة قروش يستفيدون منها من جرَّاء استخدام أسمائهم فى شراء هذه الأراضي.

وبالتالى ظل شراء الإخوان لعدد كبير من الأراضى فى المدن العمرانية الجديدة حينما كانت المسألة تخضع للعرض والطلب لا للقرعة، فامتلك الإخوان مئات الأراضى فى مدن بدر وأكتوبر والشيخ زايد والقاهرة الجديدة والعبور والشروق وغير ذلك فى محافظات مصر، وحينما اشترطت إدارة تلك المدن أن يقوم أصحاب الأراضى بالبناء عليها أقام الإخوان عقارات هيكلية تبدو من الخارج أنها معدة للسكن ولكنها مدخرة لوقت الحاجة حيث يتم استكمال بنائها، ومن هذه الأراضى أقام قادة الإخوان قصورا وفيلات، وأشهرهم حسن مالك وخيرت الشاطر ومهدى عاكف وممدوح الحسينى وأحمد شوشة وهشام المحمدى وأسعد الشيخة وغير هؤلاء كثير من القيادات الكبرى فى الجماعة.

واستمر الأمر لسنوات إلى أن تطلبت وزارة الإسكان إجراء قرعة، وكانت القرعة فى البداية عقبة أمام الإخوان، إلا أنهم استطاعوا التغلب عليها عن طريق التقدم بآلاف الطلبات للشراء، ووفقا للنسب الإحصائية فإنه كان من المقدر أن تصيب القرعة عددا معقولا منهم، وحققت هذه الطريقة مستهدفها فى البداية إلا أنها كانت ملفتة للنظر فخافت الجماعة من انكشاف أمر خطتها فكان أن أقام الإخوان علاقات مشبوهة مع بعض المسئولين المختصين بإجراء هذه القرعة.

وإن طالعنا أنباء آخر قرعة تمت منذ شهور قليلة سنجد أن الشبهات طالتها، والشكاوى بشأنها تعددت، وتناقلت الصحف أخبار الغضب الذى أصاب المتقدمين حتى كاد أن يتحول إلى ثورة أمام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وبنك الإسكان والتعمير بسبب التلاعب فى هذه القرعة، وكان أغرب ما طالعته أنا شخصيا هو أن شخص يدعى عبد السلام بشندى وهو أحد قيادات الإخوان، وكان متهما فى أحداث كرداسة، وكان قبلها عضوا بمجلس الشعب عن الإخوان، تقدم حينما كان بالسجن! هو وأخوته وأخواته وأبناء أعمامه فى قرعة بنك التعمير والإسكان، والغريب أنه فاز هو وكل أقاربه! وحينما ضج الناس بالشكوى قال وزير الإسكان إن القرعة كانت عادلة ولم يكن بها أى تلاعب!

كان هذا بعضا من كل، فما خفى كان أعظم، ومن الذى خفى اشتراك قيادات للإخوان فى بناء «كومبوندات» سكنية بالشيخ زايد والتجمع الخامس، وقد دخلوا أيضا عن طريق حلفائهم الذين يطلقون عليهم «حصان طروادة» إلى مدينة المستقبل المتاخمة للعاصمة الإدارية الجديدة، وشاركوا بعض أباطرة «الكومبوندات» سرا فى معسكراتهم السكنية، ثم خرجوا إلى الساحل الشمالى والعين السخنة ورأس سدر بغية السيطرة على قراها السياحية، وإذا أردت أن تعرف مدى تغلغلهم فى تلك القرى وهذه الكومبوندات فانظر إلى أسماء أصحابها الكبار، من ذا الذى كان منهم بوابة للإخوان فى أحد الأندية ثم أصبح رئيسا مباشرا لخيرت الشاطر فى مؤسسة اقتصادية حكومية؟ ومن ذا الذى كان منهم فى جمعية ابدأ، لا تهتم كثيرا بكل من كانوا فى تلك الجمعية الإخوانية الاقتصادية فكثير منهم دخلوها نفاقا ومن أجل الحفاظ على ثرواتهم، ولكن انظر للذين دخلوا شركاء لحسن مالك وخيرت الشاطر فى شركاتهم، أو انظر للذين دخل الشاطر ومالك كشركاء معهم فى مؤسساتهم، وانظر أيضا لهؤلاء الذين شاركوا بأموالهم ورجالهم فى اعتصام رابعة، واستعلم قليلا عن الذين سافروا مع محمد مرسى إلى الصين حينما كان رئيسا، ومن ذا الذى جهَّزَ طائرة رجال الأعمال وحملهم على بساط الريح ليحققوا أهداف الإخوان، حينئذ سنعرف جميعا إلى أى مدى وصلت إمبراطورية الإخوان الاقتصادية، وإلى أى مدى استطاعوا التحكم فى سوق العقارات، وسوق الدولارات.

ولذلك يبدو أن مقولة البعض بأن الإخوان استطاعوا السيطرة على الاقتصاد فى مصر، ومن ثم العمل على تأزيمه من خلال السوق الدولارى والسوق العقارى لم يكن مبالغا فيه، فكثير من شركات الصرافة اتضح أنها إخوانية، وملايين الدولارات فى قبضة يمينهم، والتلاعب بالجنيه وتخفيض قيمته أمام الدولار هى اللعبة التى قادها الإخوان فى العامين الماضيين، صحيح أن الدولة قامت بالتحفظ على بعض هذه الشركات، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى معظم هذه الشركات بعد، كما أنها وضعت بعض القيود على شركات الصرافة وأعملت رقابتها عليها، ولكن يد الدولة التى كانت قد اشتدت عادت وارتخت مرة أخرى وتركت الحبل على الغارب، وصحيح أن الجهات الأمنية قامت بملاحقة ولا تزال تلاحق قيادات الإخوان التى تتلاعب بالدولار بدليل ضبط الشرطة مؤخرا لثلاثة من الإخوان وهم يخبئون ثلاثة أرباع مليون دولار، وتم مصادرة هذه الأموال وتقديم المتهمين للنيابة التى أمرت بحبسهم، إلا أن ملايين أخرى لا تزال طليقة فى خزائن حديدية مصنوعة بحرفية شديدة فى فيلات خاصة بالمدن العمرانية الجديدة، وصحيح أن أزمة الخبز الأخيرة كانت ناتجة عن القرارات المفاجأة التى اتخذها وزير التموين القديم الجديد، إلا أن الإخوان استغلوها وحاولوا تحويلها لثورة جياع، ولكن الله سلَّم وفشلوا، وصحيح أن قضية بورسعيد التى صدر فيها الحكم النهائى من محكمة النقض مؤخرا أثارت مدينة بورسعيد، ورغم أنها فى الحقيقة من تخطيط الإخوان من رأسها لأخمص قدمها، إلا أن الإخوان حاولوا استغلالها إعلاميا لتثوير المدينة الباسلة ووضعها فى موضع المواجهة مع الدولة، وصحيح أن أزمة أقباط العريش هى فى الحقيقة من صنع الجماعات الإرهابية التابعة للإخوان، إلا أن غياب الحماية الأمنية عن الأقباط، بل قل عن كل المواطنين فى العريش، ساعد الإخوان على تفعيل أزمة بين الأقباط والدولة، ولا تزال الدولة حيرى فى أمرها لا تستطيع أن تجد حلا لكيفية حماية المدنيين فى مدينة يختبأ فيها الإرهابيون ويحاربون الجيش المصرى فيها حرب العصابات، أو حرب المدن، وهى من أصعب الحروب التى من الممكن أن تواجه جيشا، لكل ذلك فإن الدولة تواجه حربا من الإخوان تستهدف إفشالها، وعلى وجه الخصوص إفشال رئيسها، وهم فى سبيل ذلك على استعداد لعمل أى شيء من الممكن تصوره، أو أى شيء لا يمكن تصوره، والدولة التى انفتحت عليها كل الشلالات دفقة واحدة تحاول، ولن تنجح إلا إذا وقف الشعب معها.