تحقيق: بسمة أبو العزم
هل تبتلع الحكومة الأزمة وتصمت؟.. هل تمتلك الحكومة من الأساس أية آليات يمكن حال اللجوء إليها أن تحصل على رضا ولو قطاع بسيط من المصريين الذين بدأوا يعلنون تذمرهم من الوضع القائم؟.. هل تدرك الحكومة من الأساس خطورة اللحظة الراهنة أم أنها تتعامل معها بمنطق «دعه يغضب.. دعه يمر»؟.. كافة المؤشرات الحالية تشير إلى أن الإجابة تميل ناحية «لا»، غير أن هذا لا يمنع من وجود آليات وقرارات عدة، حال اتجاه الحكومة لاتخاذها من الممكن أن تتراجع معدلات السخط الشعبى، وتخفت «نبرة الغضب» التى بدأت تعلو فى الأفق.
الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أعلن مؤخرا فى أحدث تقاريره ارتفاع معدلات التضخم السنوى إلى ٣١,٧ ٪مقارنة بشهر فبراير من عام ٢٠١٦, وبالطبع ارتفاع مستويات التضخم، وفقا لأبسط قواعد الاقتصاد يترتب عليه زيادة فى الأسعار يتبعها بالقطع حالة من السخط الشعبى التى من الممكن أن تؤدى لكوارث لا تحمد عقباها.
ومع كل زيادة فى الأسعار تتراجع معدلات الرضا الشعبى، الأمر الذى فرض على حكومة المهندس شريف إسماعيل، عدة أمور للهروب من فخ «غضب المصريين»، من بينها - وفقا لنصائح خبراء- العمل على اتخاذ مجموعة إجراءات سريعة وعاجلة لضبط منظومة التجارة الداخلية لتنخفض الأسعار، وتعاود مؤشرات الرضا الشعبى صعودها.
من جهتها قالت سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك: كافة الدول بحكوماتها تستهدف رضا شعوبها عن أدائها الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والخدمى, فالوصول إلى رضا المواطنين بكافة فئاتهم حلم صعب تحقيقه لأنه جزء من سعادة الفرد، كما أنه أمر نسبى, لكن هذا لا يمنع من أن هناك قضايا عامة إذا نجحت الحكومة فى السيطرة عليها ستنال درجة كبيرة من الرضا، وأهمها قضية الأسعار والتى للأسف يمكن القول أن معدلات الرضا الشعبى عنها منعدمة, فدخل المواطن مع تعويم الجنيه يعد متدنيا، وأضبح لا يجارى الزيادات الكبيرة فى الأسعار، وللأسف الموازنة العامة للدولة مثقلة بالأعباء ومن الصعب زيادة الرواتب لمواكبة الغلاء, فكل رب أسرة عليه أعباء مضاعفة، ولمواجهة تلك المشكلة وخلق درجة من الرضا الشعبى.
وأكملت: هناك مسئوليات على كل من الحكومة والتجار والمواطنين، بالنسبة للحكومة عليها الحفاظ على توافر السلع خاصة الأساسية، والعمل على القضاء على كافة الاختناقات، فليس من المنطقى أن يحلم ٩٠ مليون مصرى على مدار عدة أشهر بالحصول على كيس سكر، فتصريحات المسئولين بالحكومة تؤكد أن أزمة السكر بسبب توقف المستوردين عن استيراده بسبب ارتفاع أسعاره العالمية، وبالتالى كان يجب على الحكومة استيراد السكر مباشرة بدلا من القطاع الخاص لضمان توافر السلعة بالأسواق، ونفس الأمر ينطبق على بقية السلع، أيضا يجب التواصل مع كافة المنتجين للسلع لعمل تسعيرة ودية إذا كان من الصعب تطبيق الجبرية, إلى جانب وجوب إلزام المنتجين بكتابة أسعار السلع على العبوات وإذا أراد أحد المنتجين رفع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج فيمكن أن يحصل على موافقة، وبالتالى نقضى على ظاهرة مضاربة المحال على أسعار السلع.
وأضافت: على الحكومة أن تدرك أيضا أن انخفاض أسعار السلع الأساسية يمكن أن يتم بإلغاء الجمارك على السلع الغذائية الأساسية المستوردة، فنحن نستود ٩٥ ٪ من الزيوت، وبالتالى إلغاء الجمارك يخفض أسعارها التى ارتفعت بشكل جنونى ليقترب قيمة الدعم السلعى من سعر لتر الزيت والمقدر بـ ٢١ جنيها.
وتساءلت، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، كيف يشعر المواطن بالرضا فى ظل تصدير دولته للسلع الغذائية ذات الجودة العالية مع استيراد نفس الأصناف ولكن الرديئة منها؟؟.. فمثلا نحن دولة ننتج أفضل أنواع الأرز على مستوى العالم، وللأسف كانت الحكومة تسمح بتصديره ولتوفير احتياجات بطاقات التموين يتم استيراد الأرز الهندى الأرخص الذى لايتناسب وذوق المصريين, أيضا يتم تصدير الأسماك ذات القيمة الغذائية المرتفعة، ونستورد أردأ أسماك العالم، والأمر يتكرر فى مئات السلع، وبالتالى على الحكومة منع تصدير السلع الغذائية إلا التى يوجد بها فائض عن احتياجاتنا فقط، فالمصرى أولى بمنتجات أرضه المميزة عالميا مع تشجيع الحكومة على زيادة الإنتاج وعمل حوافز للمنتجين، فنحن فى ظروف اقتصادية صعبة، فهناك زيادة سكانية بنحو مليونى مواطن سنويا فيجب زيادة الإنتاج وجودته.
وشددت على أن وزارة الزراعة يقع عليها عبء كبير، حيث قالت: يجب أن تعلن عن وضع استراتيجية للزراعة فى مصر، والتركيز على السلع الأساسية والتى تقدم قيمة مضافة، فمشروع المليون ونصف المليون فدان رائع لكن نتائجه ستظهر على مدى أبعد، لكننا فى الوقت الحالى نحتاج لاستخدام ما نمتلكه بشكل رشيد ومفعل, فنحن لدينا مشكلة فى اللحوم ويعانى أغلب الشعب من نقص البروتين الحيوانى وحلم محدودى الدخل وقمة شعورهم بالرضا إذا حصلوا على وجبة لحوم بشكل منتظم، ولكن فى ظل استمرار استيرادنا للفاكسينات الطبية من الخارج والأعلاف، لن تنخفض أسعار اللحوم والدواجن، والحل الوحيد إصدار قرار بعمل الفاكسينات فى مراكز الأبحاث المصرية، إلى جانب التوسع فى زراعة الذرة الصفراء والفول الصويا، الأمر الذى سيترتب عليه حدوث انخفاض فى أسعار اللحوم والألبان والجبن، أيضا وزارة التموين يجب أن تهتم بقطاع التجارة الداخلية الذى يسيطر عليه التجار والمستوردون فى ظل اقتصار دور الوزارة على الدعم السلعى فقط.
وناشدت، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك جميع التجار بأن يكون لديهم حس وطنى حقيقى، وأضافت: جميعنا فى مركب واحد ويجب عدم استغلال الفرص برفع الأسعار، وإذا كان الجشع هو المسيطر فعلى الحكومة تفعيل دورها الرقابى، وإلزام التجار بتخفيض هوامش أرباحهم المبالغ فيها، فهم يتحججون بأن السوق عرض وطلب، وللأسف دائما المعروض أقل وبالتالى تكون هناك مضاربات باستمرار على الأسعار.
وفيما يتعلق بالمواطن، والحديث لا يزال لـ»سعاد الديب»- أرى أنه عليه عدم الاستجابة لابتزاز التاجر، أو التكالب على السلع التى بها نقص، ويجب الترشيد من استهلاكنا ومقاطعة المحتكرين لإجبارهم على تخفيض الأسعار، خاصة أن القانون لايجرم الاحتكار لكنه يجرم الممارسات الاحتكارية التى يصعب إثباتها.
من جهته قال د. محمد أبو شادى، وزير التموين الأسبق: المواطن لن يشعر بالرضا إلا إذا وقفت الدولة بقوة فى وجه المحتكرين، ويمكن إثبات ذلك بقرار غير مكلف وذلك بتفعيل المادة «١٠» من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والتى تجيز لمجلس الوزراء تسعير سلعة أو مجموعة من السلع لمدد محددة لضبط السوق، علما بأنه منذ ٢٠٠٥ وحتى الآن لم يتم تفعيل تلك المادة , كما أن ما قام به وزير التموين والتجارة الداخلية فى تسعير السكر وفقا لصلاحياته يجب تعميمه على السلع الأساسية, فلا يوجد نظام اقتصادى على مستوى العالم يرى أن التسعير ضد حرية السوق إلا التجار فى مصر، ففى أمريكا وأوربا هناك تسعير تحت مسمى تحديد هوامش ربح, والمواطن لن يشعر بالرضا فى ظل فوضى الأسواق فيجب أن يكون للدولة دور إيجابى, فللأسف «سلمت وزارة التموين المستهلكين للتجار تسليم مفتاح» خلال الفترة الماضية حتى بقال التموين كان يشترى السلع كما يشاء ويبيعها للمواطنين بأى سعر دون رقيب.
الوزير الأسبق، طالب الحكومة أيضا بالقيام بدورها التوجيهى فى ظل نظام السوق الحر وتحديد أدوار قطاعات الأعمال والإنتاج فى المجتمع, حيث قال: يجب أن يجتمع وزراء المجموعة الاقتصادية مع اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية وممثلى روابط منتجى وتجار السلع، لتحديد الأدوار المطلوبة وهوامش الربح المناسبة لحلقات التداول، وعمل ضوابط توافقية لتحديد الأسعار بعيدا عن المغالاة والجشع، كما يجب زيادة المنافذ الثابتة والمتحركة التابعة للدولة والتى توفر سلعا بأسعار مخفضة خاصة بالقرى والمناطق النائية حتى يشعر المواطن أن يد الحكومة ممدودة للفقراء, ويمكن تفعيل دور التعاونيات الاستهلاكية المقدر عددها بنحو ٣ آلاف منفذ فى قرى مصر، كما أن الدستور ينص على التوسع فيها والاستعانة بالتعاون الإنتاجى لتوفير سلع بأسعار مخفضة.
د. محمد أبو شادى، أنهى حديثه بالتشديد على أهمية تفعيل دور أجهزة الرقابة وإلزام كافة التجار والمنتجين بالإعلان عن أسعار البيع حتى تاجر الطماطم, مشيرا أيضا إلى أهمية مراجعة فواتير بيع وشراء السلع.
رغم تأكيد على شكرى، نائب رئيس غرفة القاهرة التجارية، أن حالة عدم الرضا الشعبى على الحكومة، ناجمة عن حالة الغلاء وانتشار الاحتكارات فى بعض السلع إلا أنه اعترض على الأصوات المطالبة بتسعير السلع، وقال: مطالبات خبراء الاقتصاد المستمرة بوضع التسعيرة الجبرية للسلع مجرد دغدغة لمشاعر محدودى الدخل، وللأسف هى مجرد مضيعة للوقت، فمرحلة التسعير انتهت منذ سنوات والزمان لا يعود للخلف، وعلينا أن ندرك أن الصدق أقصر طريق للحصول على رضا الشعب، فللأسف لايتحدث المسئولون بصدق مع الشعب فالرئيس عبد الفتاح السيسى الوحيد الصادق مع الشعب, أضف إلى ذلك أن محاربة ارتفاع الأسعار مسئولية الحكومة بالدرجة الأولى، ولديها أدوات للدفاع عن المستهلك يجب تفعيلها، فهناك مئات المجمعات الاستهلاكية والمنافذ التى تسمح ببيع السلع بهوامش ربح منخفضة، ووفقا لآلية العرض والطلب ينخفض السعر فيرضى الشعب لكن للأسف تنعش السلاسل التجارية الكبرى بتركها لآليات ضبط السوق، فيمكن عمل أسواق الخميس والجمعة بالتعاون مع المحافظات، كذا يمكن تنظيم معارض سلعية بأسعار مخفضة، فنحن كتجار أقمنا العام الماضى معرض أهلا رمضان ونجحنا بتقديم أسعار جيدة وكانت نظرة الرضا فى عيون الزبائن واضحة للجميع.
نائب رئيس غرفة القاهرة التجارية، واصل حديثه قائلا: للأسف وزارة التموين لم يعد لها علاقة بالأسواق، وأصبح يقتصر دورها على الزيت والخبز، حتى السكر فشلت فى إدارة ملفه، وأصبحت تعتمد على الملاحقات الأمنية عبر تشغيل مباحث التموين فقط, رغم أنه من الواجب أن تصبح وزارة التموين والتجارة الداخلية رمانة الميزان بين التاجر والمواطن، وأن تعمل على ضبط الأسواق بآلياتها، فالمجمعات الاستهلاكية يجب أن تنافس لجذب الزبائن، لكن للأسف طريقة عرض البضائع بها رديئة وبها بضائع قاربت على انتهاء الصلاحية، كذلك أغلب فروعها رائحتها سيئة وبالتالى المنافسة لها شروط فيجب تحديث المجمعات وتقديم أفضل بضائع بتخفيضات حقيقية فى الأسعار.
وفيما يتعلق بالحديث حول أن الاحتكار يعتبر واحدا من الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار، الذى ترتبت عليه حالة الغضب لدى المواطنين، عقب «شكرى» على الأمر بقوله: القضاء على الاحتكار يرضى المواطن البسيط، لكن للأسف الحكومة تسمح به فهناك عشرات الآليات لضرب المحتكرين فى مقتل، وأبسط مثال حينما وصل سعر طن الحديد فى عهد الوزير الأسبق رشيد محمد رشيد ١٠ آلاف جنيه بسبب الاحتكار، فتح باب الاستيراد دون جمارك فانخفض مباشرة أربعة آلاف جنيه، كذلك حينما ارتفعت أسعار السيارات فى عهده فتح باب الاستيراد من غير بلد المنشأ فانخفضت أسعار السيارات ٣٠ ألف جنيه, لكن للأسف الحكومة تشجع الاحتكار، بدليل أن قانون تسجيل المصانع الخاص بالاستيراد عمق هذا المفهوم بدليل موافقة وزير الصناعة والتجارة الخارجية على مصنع واحد خاص بسلعة معينة رغم تقدم نحو ٢٠ مصنعا واستيفاء كافة الشروط، والتجار على استعداد للتعاون مع الدولة لإرضاء الشعب لكننا لا نجد تعاونا مع وزيرى التموين والصناعة فكيف نضبط الأسواق وكل طرف يعمل فى جزيرة منعزلة.