تقرير: نهال الشريف
مع اقتراب موعد عقد الاستفتاء على تعديلات الدستور التركى فى منتصف أبريل المقبل ومع عقد الانتخابات البرلمانية فى هولندا اليوم الأربعاء اشتعلت أزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة وامستردام. هولندا تصف الأزمة بأنها الأسوأ منذ سنوات فى تاريخها الدبلوماسى وتركيا تهدد هولندا بقطع العلاقات ودفع ثمن كبير والأهم أن العلاقة بين الطرفين التى ترجع إلى ٤ قرون مضت فى سلام أصبحت معرضة للخطر الكبير..
إلى جانب هولندا انضمت دول أوربية فى موقف واضح يرد على الابتزاز التركى وفرض رغبة أنقرة نفسها ونقل مشكلاتها الداخلية للبحث عن حلول على أراضى أوربا التى تسعى تركيا للانضمام إليها والحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى.
سويسرا والنمسا والدنمارك والسويد وقبلها ألمانيا منعت عقد تجمعات على أراضيها وعقد لقاءات لمسئولين أتراك بارزين مع أبناء الجالية التركية لحثهم على التصويت لصالح التعديلات الدستورية التركية فى الاستفتاء المزمع عقده فى السادس عشر من الشهر المقبل. وسبق هذه الدول إلغاء ألمانيا لخمسة لقاءات مماثلة أعدت أنقرة لعقدها فى خمس مدن ألمانية ولنفس الغرض فى الأسبوع الماضى فيها لقاء كان من المقرر أن يحضره أردوجان شخصيا، أردوجان الذى يعمل على الفوز بـ “نعم” فى الاستفتاء يسعى لتوسيع صلاحياته الرئاسية والاستمرار فى حكم البلاد حتى عام ٢٠٢٩ .
فى هولندا يعيش نصف مليون تركى من المهاجرين وأبنائهم ممن يحملون الجنسية المزدوجة ولذلك كان من المهم عقد اللقاءات معهم. ولكن الحكومة الهولندية منعت هبوط طائرة وزير الخارجية التركى فى مدينة روتردام لأسباب ذكرت أنها أمنية، ثم فيما بعد أوقفت وزيرة الأسرة فاطمة بتول صيان من الوصول إلى روتردام التى دخلت أراضى هولندا برا ودون إعلان مسبق ولذلك تم ترحيلها.
عمدة روتردام أحمد أبو طالب وهو مسلم وعضو فى حزب العمل الهولندى وعمدة للمدينة منذ ٢٠٠٩ ووزير سابق للشئون الاجتماعية عقد مؤتمرا صحفيا قال إنه طلب من الوزيرة فاطمة صيان المغادرة بعد أن أعطاه القنصل التركى معلومات غير صحيحة وأكد له أن الوزيرة لن تذهب لمبنى القنصلية. وأضاف العمدة أن القنصل قد كذب ودعا الأتراك للذهاب للقنصلية والاستماع لكلمة الوزيرة.
حتى اللحظة لا يوجد ما يشير لقرب انفراج الأزمة رغم تصريح رئيس وزراء هولندا مارك روته بأنه يسعى لعدم التصعيد. فقد كانت التصريحات على الجانب التركى ملتهبة وغاضبة أردوجان من جانبه اتهم هولندا بالفاشية، ووزير خارجية جاويش أوغلو أكد أن تركيا ستستمر فى تصرفاتها حتى تعتذر هولندا. الأمر الذى وصفه روته بالغريب وغير المقبول أو المسئول وفى إطار التصعيد التركى طلبت أنقرة عدم عودة السفير الهولندى من إجازته إلى أنقرة وحاصر المحتجون الأتراك السفارة والقنصلية الهولندية وأغلقت السلطات التركية المقار الدبلوماسية الهولندية، جريت أن هذا الإجراء يرجع لأسباب أمنية. وهددت أنقرة بقطع علاقاتها مع أمستردام.
ونظراً لدقة التوقيت الذى اندلعت فيه الأزمة سعى المرشح اليمينى فى الانتخابات الهولندية جيرت فيلدرز للاستفادة من الموقف، وقال إن هولندا مارست حقوقها لأن التجمعات التركية تشكل خطرا على النظام العام فى الدولة.
وقام ببث كلمته مصورة بالفيديو بالإنجليزية مصحوبة بترجمة تركية اتهم فيها الحكومة التركية بخداع مواطنيها وجعلهم يظنون أنهم يوما ما سيصحبون أعضاء فى الاتحاد الأوربى. وقال عليكم نسيان هذا الموضوع لستم أوربيين ولن تكونوا . ومن المتوقع أن يكون للأزمة المشتعلة الآن أثرها على نتائج الانتخابات الهولندية والتى يتبنى فيها اليمين بقيادة جيرت فيلدرز أفكاراً معادية للمهاجرين والمسلمين. كما أنها ستكون ذات تأثير على الانتخابات التى ستجرى أيضا فى كل من فرنسا وألمانيا .
من جانب آخر يمكن تفسير التصاعد الحاد للأزمة بين هولندا وتركيا بوجود شعور بالقلق فى تركيا إزاء نتائج الاستفتاء المزمع حيث تؤكد استطلاعات الرأى أن الآراء تكاد تكون منقسمة بالتساوى بين “نعم” و “لا” أو أنها تميل قليلا لصالح رفض التعديلات. ولذلك يسعى أردوجان بكل وسيلة للوصول لأصوات أبناء الجالية التركية فى الخارج حيث يعيش ٥.٥ مليون تركى فى دول أوربية مختلفة ويحق لنسبة كبيرة منهم المشاركة فى الاستفتاء .
وقد دعا السكرتير العام لحلف الناتو أعضاء الحلف لإظهار الاحترام المتبادل والتركيز على المخاطر المشتركة مثل داعش .. وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوربى إن تصريحات تركيا تزيد من الموقف سوءاً.
الأمر المؤكد أيضا أن أردوجان يدرك جيدا أن لديه أوراقاً تمكنه من مساومة شركائه الأوربيين من أعضاء حلف الناتو. فهو شريك لا غنى عن دوره فى القتال الدائر فى سوريا. كما أنه بإمكانه أن ينفذ تهديده بإغراق أوربا بموجة جديدة من اللاجئين الفارين من ويلات الحرب فى سوريا والعراق عن طريق فتح بوابات العبور أمامهم من تركيا إلى باقى أوربا .