أعلن أمين عام الأمم المتحدة
أنطونيو جوتيريش، مساء اليوم الخميس، من جامعة جنيف ما أطلق عليه "أجندة
الأمين العام لنزع السلاح"، والتي يركز فيها على الخطوات والسياسة التى ينتوى
انتهاجها مع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن فى المرحلة المقبلة فى
ما يتعلق بقضايا منع الانتشار النووى وحظر الأسلحة النووية، وكذلك قضايا الأمن
العالمى والأسلحة الكيميائية والبيولوجية، إضافة إلى بحث إمكانيات إرساء قواعد
وآليات لمواجهة جديد الأسلحة التكنولوجية ومنتجات الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال،
وحروب الفضاء الإلكترونى وغيرها.
وأعرب أمين عام الأمم
المتحدة، في كلمته بجامعة جنيف التى تحدث فيها عن برنامجه لنزع السلاح، عن أمله في
انعقاد اللقاء المقرر في سنغافورة بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس
الكورى الشمالى، وقال جوتيريش إن هذا اللقاء يمكن أن يكون تاريخيا وأن يشكل خطوة
هامة نحو نزع السلاح النووى يمكن التحقق منه فى شبه الجزيرة الكورية.
وقال الأمين العام إنه
يرحب بجميع الإجراءات من قبل الاتحاد الأوروبى وغيره للعمل مع ايران للحفاظ على
خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووى)، وإن مثل تلك الاتفاقيات بين الدول
ومجموعات البلدان ضرورية للأمن والسلم العالميين.
وأضاف جوتيريش أن الأسلحة القاتلة تضع
الجميع الآن فى خطر، وإن على القادة تحمل مسؤولية تقليل هذه الأخطار، وشدد على أن
المفارقة هى فى أن كل دولة باتت تسعى إلى أمنها دون اعتبار لأمن الآخرين وبما خلق
انعداما عالميا للأمن أصبح يهدد الجميع.
وتابع أمين عام الأمم المتحدة بأن أجندته أو برنامج عمله
لنزع السلاح الذى أطلقه من جنيف اليوم إنما يشتمل على قضايا الحد من التسلح ومنع
الانتشار والحظر والتقييد وبناء الثقة والتخلص من الأسلحة عند الضرورة، وإن هذه
جميعا أدوات أساسية لتأمين العالم والمستقبل.
وحذر أمين عام الأمم
المتحدة من أن العالم يعيش الآن أوقاتا خطرة وأن توترات الحرب الباردة عادت، ولكن
فى ظل عالم أصبح أكثر تعقيدا، وأشار إلى أن العلاقات العالمية كذلك أصبحت أكثر
تعقيدا وغير متوقعة، كما أن آليات الحوار التى نجحت فى زمن سابق فى نزع فتيل
التوتر ومنعت من أن حادثة واحدة لم تتحول الى حريق كبير، فى إشارة إلى ما تعرف
بأزمة خليج الخنازير بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى والتى كادت أن تؤدى
إلى صدام نووى.
وقال الأمين العام إن
آليات الحوار تلك تآكلت، وتغيرت طبيعة الحرب وأصبحت الصراعات أكثر تكرارا وأطول
وأكثر تدميرا للمدنيين، كما أصبحت الحروب الأهلية مترابطة مع المنافسات الاقليمية
والدولية، وقد تنطوى على وجود المتطرفين العنيفين والارهابيين وأيضا الميليشيات
المنظمة والعناصر الاجرامية.
وحذر من أن تلك المجموعات
أصبحت مجهزة بمجموعة واسعة من الأسلحة، من البنادق الى الطائرات بدون طيار الى
الصواريخ الباليستية، ويبحثون عن المزيد .
وقال جوتيريش إن الإنفاق
العسكرى يتزايد وكذلك تنافس الأسلحة وبخاصة أخطرها، ولفت الى أنه فى العام الماضى
تم انفاق أكثر من 1700 مليار دولار على الأسلحة والجيوش، وهو أعلى مستوى منذ سقوط
حائط برلين، كما يمثل هذا الانفاق حوالى 80 ضعفا للمبلغ المطلوب للمساعدات
الانسانية العالمية.
ونوه في تناوله لأهمية
وجود أجندة عالمية لنزع السلاح اليوم وخطورة استخدام الأسلحة حاليا الى أن الأسلحة
الكيميائية قد عادت مرة أخرى وأن الانقسام فى المجتمع الدولى منع اتخاذ اجراءات ضد
استخدام هذه النوعية من الأسلحة القاتلة، وإن المتفجرات شديدة الانفجار التى صممت
لتستخدم فى ميادين المعارك أصبحت تستخدم فى المدن، وإن عالم الذكاء الاصطناعى
والأنظمة المستقلة للأسلحة الجديدة أصبحت تتحدى القوانين والاتفاقيات القائمة وبما
أصبح يمثل تحديات هائلة أمام قواعد نزع السلاح .
وأعلن جوتيريش أن برنامج
أو أجندته لنزع السلاح ترتكز الى ثلاث أولويات تشمل نزع السلاح لانقاذ البشرية
ونزع السلاح لانقاذ الأرواح ثم نزع السلاح من أجل الأجيال القادمة.
وقال إن القضاء التام على
الأسلحة النووية موجود فى الحمض النووى للأمم المتحدة وإنه كان موضوع القرار الأول
الذى اعتمدته الجمعية العامة فى عام 1946، وشدد على أن هذا الأمر يبقى أولوية وأنه
ملتزم بها ويؤكد عليها.
وحذر جوتيريش من أن
الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف تواجه أزمة شديدة وأن العالم يتراجع، وأنه بعد
الحرب الباردة مباشرة أسفرت المفاوضات الصعبة عن اتفاقات لخفض الترسانات وحظر
الاختبارات النووية وتفكيك فئات كاملة من الصواريخ، كما عززت قنوات الاتصال
الشفافية وبناء الثقة وتقليل المخاطر.
ولفت الى أن قادة العالم
حينها كانوا يجيدون لغة ومنطق الحد من التسلح، وفهموا أن ذلك جزء لا يتجزأ من
الأمن، وحذر جوتيريش من أن اتفاقيات تلك الحقبة مهددة الآن وأكثر من أى وقت مضى،
وقال إن الحوار الاستراتيجى بين الدول النووية لايزال محدودا وأنه لا توجد مفاوضات
ثنائية جارية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن تخفيضات الأسلحة النووية.
وحذر أمين عام الأمم
المتحدة من أن الحكومات اليوم تصب الموارد لتحديث أنظمة الأسلحة القديمة وتطوير
أنظمة جديدة والدخول فى ما يعتبره الكثيرون سباقا جديدا للتسلح يعتمد على الجودة
بدلا عن الكم .
وقال جوتيريش أنه مازال
هناك فى عالم اليوم حوالى 15 ألف سلاح نووى مخزن وأن المئات منها على استعداد لتنطلق
فى دقائق، وأن العالم على بعد خطأ واحد من الأخطاء الميكانيكية أو الإلكترونية أو
البشرية ليجد نفسه أمام كارثة يمكن أن تمحو مدنا بأكملها من الخارطة، وإن الجميع
يتفق على أن معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية مركزية للحفاظ على السلام والأمن
الدوليين.
وأضاف أن هذه المعاهدة
التاريخية التى يبلغ عمرها حوالى 50 عاما نجحت فى الحد من عدد الدول التى تمتلك
أسلحة نووية الى أقل من عشرة، كما أن نظام الضمانات بها يوفر ضمانا للطبيعة
السلمية حصريا للبرامج النووية المدنية، وأكد على أن عدم الانتشار ونزع السلاح
وجهان لعملة واحدة وأنهما معا يمثلان ترتيبات قانونية متبادلة بين الدول النووية
والدول غير النووية.
وطالب جوتيريش جميع الدول
النووية وغير النووية للعمل معا من أجل سد الفجوة التى تفصل بينهم، وقال إن ما
يميزه البعض فى الاختلافات تلك كخيار بين المخاوف الانسانية والأمنية هو انقسام
كاذب، وشدد على أن الأمن البشرى والأمن القومى والأمن العالمى غير قابل للتجزئة،
وطالب الدول التى تمتلك الأسلحة النووية بأن تتحمل المسؤولية الأساسية فى منع استخدام
الأسلحة النووية والحد من خطر الحرب النووية وقيادة الجهود نحو منع الانتشار ونزع
السلاح.
ناشد كلا من روسيا
والولايات المتحدة الأمريكية التوصل الى تسوية على المدى المتوسط، ومن أجل تمديد
معاهدة ستارت الجديدة فى ما يخص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التى تنتهى
صلاحيتها خلال 3 سنوات فقط، ودعا الى اتخاذ خطوات جديدة نحو خفض المخزونات النووية.
وطالب الدول الأخرى التى
تمتلك أسلحة نووية بتجديد جهودها على وجه السرعة نحو الحد من الأخطار التى تشكلها
هذه الأسلحة ومن خلال اجراءات ملموسة فى مجالات تشمل تخفيضات فى المخزونات الكلية
لجميع أنواع الأسلحة النووية وضمان عدم استخدام هذه النوعية من الأسلحة وكذلك الحد
من دور وأهمية الأسلحة النووية فى المفاهيم والمذاهب والسياسات العسكرية، إضافة
إلى التخفيضات فى الاستعداد العملياتى للأسلحة النووية ووضع قيود على تطوير أنواع
جديدة متقدمة من الأسلحة النووية، وزيادة الشفافية فى برامج الأسلحة النووية
وتدابير بناء الثقة.
وقال الأمين العام إنه
سيذل كل الجهود لدعم هذا الاتجاه، وإن على كل حكومة العمل لضمان أن ممارسة 72 عاما
فى منع استخدام الأسلحة النووية سوف تستمر وإلى أجل غير مسمى، وأن مفهوم تحريم هذا
الاستخدام سيبقى مبدأ أساسيا عالميا وقاعدة.
وأضاف أن الأمر ذاته
ينطبق على التجارب النووية، وأن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية تضع مكابح
على سباق التسلح، ولفت الى أن باستثناء كوريا الشمالية فإن جميع الحكومات أيدت
الوقف الإختيارى للتجارب النووية خلال العقدين الماضيين، وأنه منذ عام 1996 عندما
فتحت المعاهدة للتوقيع فان المجتمع الدولى استجاب للتعامل مع أى انتهاك لهذة
القاعدة، كما اعتمد مجلس الأمن قرارا لدعم المعاهدة فى 2016 .
وناشد جوتيريش الدول التى
لم تنضم بعد إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية الى أن تفعل ذلك وبدون تأخير،
وقال إن العالم بحاجة الى الحفاظ على المكاسب القيمة التى حققها حتى وهو بصدد
تفاهمات جديدة واتفاقات، وشدد على أن الحوار والمفاوضات هما السبيل الوحيد للتقدم
وانه سيعمل مباشرة مع الدول الأعضاء بالمنظمة لتسهيل الحوار بين الحكومات بما فى
ذلك من خلال انشاء منصات غير رسمية لاستكشاف طرق وتدابير جديدة للحد من المخاطر
وبناء الثقة.
وقال إنه سيضاعف العمل
كذلك مع الخبراء على المستوى الفنى لوضع تدابير عملية لتمهيد الطريق نحو عالم خال
من الأسلحة النووية، وأن هذه التدابير ينبغى أن تشمل تدابير أخرى جزئية لنزع
السلاح وتعزيز المناطق الخالية من الأسلحة النووية وإنهاء إنتاج المواد النووية
والحد من أنظمة التسليم النووى الاستراتيجى والاتفاق على نهج التحقق.
على صعيد متواصل، وفى
كلمته فى جنيف، قال أمين عام الأمم المتحدة إن أسلحة الدمار الشامل الأخرى وخاصة
الأسلحة الكيميائية ومنذ عام 2014 وبعثة تقصى الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة
الكيميائية قامت بالتحقيق فى 83 حاثة تتعلق باستخدام مزعوم للأسلحة الكيميائية فى
سوريا.
وأضاف أن المحققين قالوا
إن هذه الأسلحة استخدمت بشكل أكثر احتمالا فى 14 حادثة حتى الآن، وشدد على أن كل
استخدام لهذا النوع من الأسلحة جريمة بموجب القانون الدولى وأن استخدامها على نطاق
واسع قد يشكل أيضا جريمة ضد الانسانية.
وقال إن مجلس الأمن فشل
فى الوفاء بمسؤولياته ازاء التعامل مع هذه المسألة وضمان المساءلة، وأنه يعمل مع
أعضاء المجلس لبناء قيادة ووحدة جديدة لاستعادة الشراكة وضمان احترام الحظر
العالمى على الأسلحة الكيميائية.
وأضاف أن ذلك يجب أن
يتضمن انشاء آلية جديدة محايدة لتحديد من استخدموا هذه الأسلحة وأن لا يمكن السماح
باستمرار الإفلات من العقاب فى سوريا أو فى أى مكان آخر.