السبت 4 مايو 2024

رسول محمد رسول لـ"الهلال اليوم": الموت يلاحق المرأة العراقية من رحم أمها إلى دهليز قبرها

تحقيقات25-5-2018 | 21:35

 (أنثى غجرية) عنوان الرواية الثانية للكاتب والروائي العراقي د.رسول محمد رسول، التي صدرت أخيرا عن دار مداد، الرواية الأولى (يحدُث في بغداد) صدرت عن الدار المصرية اللبنانية في طبعتين سنة 2014. وفي كلا الروايتين يبقى الموضوع العراقي سيد السرد الحكائي، ففي الرواية الأولى كان الحدث يدور داخل بغداد، لكنه هذه المرة، وفي (أنثى غجرية)، سيدور خارج العراق، لكن العراق هو الحاضر فيهما معا. بطلة الرواية "أسماء يوسُف" عراقية من مدينة البصرة، شابة معاقة جسدياً منذ ولادتها، يتيمة الأبوين، طالها جوع الحصار الاقتصادي وخراب الحروب المتتالية. حملت أسماء يوسف كُل همومها ووطنها لترحل عن البصرة يحدوها البحث عن الأمان فتسافر تاركة خراب البصرة إلى مدن عربية عدّة حتى تقرر اللجوء إلى أوروبا عبر إقامتها المؤقتة في المغرب العربي لكن الشخص الذي هرّبها سيغتصبها في عرض البحر لتهرب منه ومن البحر خائبة فتعود إلى اليابسة مرّة أخرى؛ والأمل الذي كان يراودها بالهجرة إلى أوروبا بحثاً عن الأمان والاستقرار ضاع في قرارة الشر الذي حاق بها لتبقى رفقة صديقات مغربيات لها منحنها بعض دفء إنساني، لكنها تعود إلى جزيرة العرب لتستقر في أبوظبي، وفيها ستبدأ حياة جديدة لها رغم عوقها الجسدي، لتتاح لها الفرصة ثانية بالذهاب إلى باريس ليس تهريباً، هذه المرة، إنما للعمل الذي راق لها.

 

وفي هذا الحوار يؤكد د.رسول محمد رسول أن الفن الروائي عنصر مقاومة لكل التدميريات السائدة، وأن الرواية بنت الإنسانية جمعاء، ورأى أن بطلته "أسماء يوسُف"أنثى تراها بمحنتها في كلّ الأوطان، مؤكدا أن الموت يلاحق المرأة العراقية من رحم أمها إلى دهليز قبرها.

 

** نبارك لكَ دكتور رسول محمد رسول روايتكم الثانية (أنثى غجرية)، التي نشرتها بعد أربع سنوات مرت على صدور روايتك الأولى (يحدث في بغداد)، ولكن هل تعتقد أنكَ ستنشر كُل أربع سنوات رواية؟

** كلامك صحيح، لقد نشرت روايتي الأولى (يحدث في بغداد) سنة 2014، التي صدرت في العام ذاته (2014) بطبعتين، لكن لا أستطيع أتحكّم بذلك من الناحية الزمنية رغم أنني أعتقد أن مدة أربع سنوات كافية بين رواية وأخرى وربما يحتاجها القارئ والروائي معاً، ولست مع الروائيين الذين ينشرون في كل سنة رواية أو أكثر، فعلنا أن نحذر من سيولة الكتابة السردية.

** أين كتبت هذه الرواية؟

** كتبت (أنثى غجرية) بين بغداد وأبوظبي، أخذت مني كتابتها الفعلية مدة ثلاث عشرة شهراً متقطعة، فختمتها مع مراجعتها في نهاية سنة 2016، وتأخر نشرها لأن النص غفا عند ثلاث ناشرين عرب في القاهرة، والمغرب،وودبي. لكنها في النهاية ولدت في دار نشر أخرى (دار مداد) متخصّصة بالسرد في دبي أيضاً، وكان هذا مهماً للرواية بوصفها من بنات السرد.

 

** ما المشترك بين (يحدث في بغداد) و(أنثى غجرية)؟

** الإنسان هو المشترك العام، والمرأة في هذه الرواية هي المشترك الإنساني، والعراق هو وطن الرواية، من الداخل في الرواية الأولى، ومن الخارج في الرواية الثانية، ما أريد قوله أن الرجل أو المرأة في العراق، كلاهما،تنويع لمأساة واحدة هي مأساة الإنسان في وطن يتمزق منذ عقود وقد نالت منه الحروب والتجويع والدكتاتوريات والإرهاب، والفساد في ظل دولة استعمارية تحكمه الآن. هكذا تجد الإنسان العراقي في قهر شامل وهزيمة مهولة متواصلة؛ لماذا مات "شاكر المرهون" برواية (يحدث في بغداد)؟ لأنه كان محاطاً بالخيانة والإرهاب والوطن وخلل نفسي فادح لدى المرأة (زوجته نهى)، وفي كل هذه العوامل كان الشرخ الشامل الذي أحاطه.

لماذا ولدت "أسماء يوسُف" معاقة وماتت والدتها فور الولادة؟ لأن تداعيات الحرب العراقية الإيرانية الكيمياوية، غير المنظورة للناس،عشعشت في رحيم "أم" أسماء يوسُفليس لأنها أنجبت ابنتها المعاقة، بل هي الأخرى ماتت! إن الموت يلاحق الأنثى العراقية ابتداءً من رحم أمها حتى دهليز قبرها!

 

** لماذا جعلت "أسماء يوسُف" لا تحب استخدام مصطلح "النساء" أو النسوية"، هل توجد علاقة بعنوان الرواية (أنثى غجرية)؟

** ربما أنني بثثتُ في ذهنية "أسماء يوسُف" أن تختار مصطلح "أنثى" خلال حوارها مع الصحافي الفرنسي، أعترف بذلك بلا تردد؛ إذ يبدو لي أن مصطلح "النسوية" حركي سياسي سطحي لا يلامس جوهر المرأة، بينما مصطلح "أنثى" يلامس جوهرها، فالجوهر العميق لأية امرأة هو أنوثتها، الأنوثة قد تعني دلال المرأة، لكن هذا مجرد مظهر ربما فيزيائي له خطابه الشهوي من الناحية الشبقية، بالنسبة لي الأنوثة هي كل المرأة؛ تفكيرها، وتناولها للطعام، غضبها، حبها، عشقها، مشيتها، لسانها. كل ذلك تحمله المرأة بوصفه تجلياً لأنوثتهاوليس لنسويتها بوصفها من النساء.

 

** عندما قرأت الرواية بدت لي أنها شخصيتها الأنثوية معاقة، فهي يمت ذلك بعلاقة مع أدب العوق الجمسي أو الجسدي، هل قصدك أنت تسريد حالة العوق الجسمي؟

كان هذا من أهدافي في كتابة الرواية؛ فأدب العوق الجسمي أو الجسدي، خصوصاً لدى النساء،  لا يولى اهتماماً من جانب الروائيين العرب كثيراً. ومع ذلك، تبدو هذه الرواية أوسع من مجرّد تصوير لحالة العوق لدى أنثى وهي "أسماء يوسُف"، لكون العوق عامل في البناء الحكائي لهذه الرواية، ويبدو لي أن هذا العامل يجد قبولاً لدى قارئ الرواية.

 

**تم توزيع روايتك (أنثى غجرية) في معرض أبوظبي الدولي للكتاب خلال شهر نيسان/ أبريل الفائت (2017)، ولكن سرعان ما تلقفتها بعض القراءات. كيف وجدت هذه القراءات؟

تمنحني هكذا قراءات سعادة أحتاجها ويحتاجها أي روائي عربي؛ بل عالمي. وفي هذا السياق كانت الدكتورة فوزية ضيف الله من تونس، وهي متخصصة بالفلسفة الحديثة، قد بادرت بقراءة الرواية بعد أن أرسلتُ لها الرواية ورقياً إلى تونس، فقرأتها بمنهج تأويلي سيتخذه تالياً الناقد العراقي عدنان حسين أحمد، الذي كتب عن الرواية في جريدة "الشرق الأوسط" طريقاً له مع فارق الرؤية؛ فهو اختار المنهج الثقافي.

بدت لي مقالة فوزية ضيف الله وعنوانها (أنثى غجرية.... أنثى لكلّ الأوطان) المنشور في جريدة (القدس العربي) تأويلية لكونها وقفت عند معان فلسفية في الرواية بدت لها واضحة لكنها أجلتها بمنهجية تأويلية، فما جرى لأسماء يوسُف هو انكسار تصدّت له بإرادة اقتدار أنثوية صلبة رغم تعرضها لاغتصاب من جانب مهربها في عرض البحر، كذلك وجدت الدكتورة فوزية تتأمل مفهوم "الغياب"، لكنها مالت أكثر إلى مفهوم "الأنوثة" الذي احتل عنوان الرواية، وكذلك مفهوم "الرقص للوجع" أو "الرقص على سطح الوجع"، ومفهوم "الوجع الذي تكتبه أسماء يوسُف"، وهي معان فلسفية وجودية قرأت بها فوزية ضيف الله حالة الأنوثة العراقية المسرودة في مأساتها الوجودية.ويبدو لي أن منحى القراءات التأويلية هو الذي يهيمن على قراءة الرواية حتى الآن، بحسب رسائل القراء والقارئات التي تصلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي،وهو ما نجده لدى قراءة الصديق الناقد عدنان حسين أحمد.

 

** نعم، في مقالته (رواية تمجّد الأنوثة وتقتل المؤلِّف) وصفَ الناقد عدنان حسين في جريدة الشرق الأوسط روايتك (أنثى غجرية) أنها "رواية ثقافية"؛ فهل لأنها تذكر أسماء عدد لا بأس به من المثقفين والمثقفات في عالمنا العربي؟

** لا أعتقد ذلك، لأنه يقصد غير ذلك، فهو القائل: "يمكن اعتبار أنثى غجرية رواية ثقافية بامتياز، تقوم على التسامح بين الأديان، فلا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي". وهذا نقد ثقافي،هكذا افهمه؛ بل اسميه "تأويل ثقافي" اعتز به وقد تنبّه له الناقد عدنان حسين بقراءة ذكية راقت لي كثيراً لأنني من الناحية الفكرية والفلسفية من المؤمنين بحوار الثقافات والحضارات، لا سيما عندما يتخذ أنطولوجيا تواصلية إنسانية تجري رحاها إن لم تكن في الواقع - الواقعي، ففي الواقع - المتخيّل الذي يسرّب الواقع شاء ذلك أم رفض.

** بهذه المناسبة، بماذا تفسر وجود أسماء واقعيةأو من "الواقع – الواقعي"،كما تسميه، وقدارتقت، هذه الأسماء، إلى الواقع – المتخيّل فيرواية (أنثى غجرية)؟

** لدي ولع بالتناص مع الواقع الواقعي، أميل إلى الشراكة التواصلية والتشارك الإنساني، كلاهما منحى تواصلي جرّبته شخصياً في روايتي الأولى (يحدث في بغداد). وأعتقد أنني نجحت في هذه الطريق، فأنا من المؤمنين بأن السرد المتخيل يسرّب الواقع مهما تعالى السرد على حراك الواقع - الواقعي.

كما أنني أحاول، قدر إمكاني، الاستفادة من تجاربي الناجحة في الكتابة. بعض الأسماء إعلاميات مثل الصديقة المغربية "نزهة صادق" وهي إنسانة بدا حضورها في المبنى الحكائي ضرورياً من وجهة نظري بحسب أحد مدارات الحكي حتى وجدتها مع الحدث. وكذلك الأمر مع الصديقة المغربية "سعيدة شريف" التي كانت تتجاور مع نزهة صادق في مدار إنساني تعاطف مع بطلبة الرواية "أسماء يوسُف"، فكان الجمع بين الواقعي والمتخيّل. ولعلي توفقت باختيار إسماء إبداعية أخرى مثل الروائية والقاصة "لطفية الدليمي" من العراق، والشاعرة "هدى الدغاري" من تونس، والشاعرة والروائية "فاتحة مرشيد" من المغرب، والروائية والقاصة "ميس خالد العثمان" من الكويت، والشاعر الكبير "بدر شاكر السياب"، وأخرين وأخريات كانوا رفقة الرواية التي تدور أحداثها في أبوظبي بعد الأردن والمغرب، وقبل ذلك العراق.

لقد مررت على جميعهن، واستأذنتهن على شراكتهن لي في الرواية من باب أخلاقي، فوافقن، ودخلن فضاء الرواية بصدور رحبة، وتراني أعتبر كل ذلك تواصلية إنسية أحرص عليها ربما في رواياتي القادمة؛ فنحن أفراد في كوننا الإنساني يمكن لنا أن نتجاور في لحظة خلق الإبداع لكون هذا الأخير يخاطب الإنسان في حضوره التشاركي لحظة البناء الجمالي،ومهما تمادى حضور ما هو فردي بوصفه هوية وشرطاً وجودياً للإبداع يبقى متاحاً عبر التناص جماليًا.

 

** لماذا استخدم الناقد عدنان حسين أحمد مصطلح "موت المؤلِّف"، هل لديك قناعة بذلك؟

** نعم أراه محقاً؛ فذلك من بنات المتن الحكائي عندما تعاملت "أسماء يوسُف" - بطلة الرواية - مع "الراوي" في الرواية التي بدت أنها تطالبه بالرحيل عنها، وهو الذي لازمها منذ بداية الحكي،تطالبه بالرحيل عنها لكونها أصبحت هي نفسها روايتها فما جدوى "الراوي"؟مع التأكيد على أن "أسماء يوسُف" لا تعتقد ذلك من باب إلغاء الآخر، بل هو اعتقادهاأن مقاومة الخراب من أجل نجاة الذات الإنسانية لا يحتاج إلى أشكال تنوب عنها في ظل كل الخراب الذي اجتاح الذات العربية، وهذا قرار أنثوي وجودي أرجو ألا يتم فهمه بأنه كراهية ما للفن الروائي ولا للآخر النظير.

هنا ترتقي القراءة التأويلية لعدنان حسين إلى مستوى أحببته كثيراً فهو يحفر في عمق جماليات المنحى السردي في هذه الرواية، لا أؤمن برواية بلا منحى سردي يخص أسلوبية البناء السردي، وهو أمر فعلته في الرواية الأولى (يحدث في بغدد).وتراني أقول بإلحاح إن الرواية عندي هي حكاية لكنها أيضاً هي أسلوب سردي، وهذا ما أقصده بالمبنى الحكائي والمبنى السردي، ولكل منهما مساره لكنهما معاً يصنعان رواية.

 

** أنت فيلسوف، ومفكّر، وناقد. هل تجد نفسك دخيلاً أو نزيلاً على الرواية؟

** أبداً، هذا كلام الحسّاد والمنافقين،فليس للرواية أب حتى استأذنهلأتزوج ابنته، ليست للرواية سوى القدرة الإبداعية، قدرة الكاتب وقدرة القارء. وليس للرواية بيت له أبواب يتطلب للدخول عبرها استئذان أحد سوى القدرة الإبداعية على الإطلاق التي هي جواز مرورك. الرواية بنت الإنسانية جمعاء والشخص المبدع الذي يتمكّن منها هو ضيفها المقرب إلى نفسها، قد تمارس عليه القسوةلكنها الرواية تبقى أنثى حنونة.

أحببت الفن الروائي كجنس أدبي. وما لا أتمكّن من التعبير عنه فلسفياً أجده في الرواية رحباً للتعبير عنه، لا توجد سُلطة تمنعني أو تحول دوني والرواية مثلما لا يحدّني مانع من الدخول بأفكاري الفلسفية إلى بيت الجنس الروائي.

 

** هل تعتقد أن الرواية العربية تراجعت في هذه السنوات؟

** كلا، لا أرى ذلك، الرواية العربية في تقدّم نسبي مستمر دون تراجع جذري، ولكن في سنة 2017 عاشت المنطقة العربية تدهوراً اقتصادياً، فضلاً عن التدهور الأمني والعسكري، ومن ثم السياسي، وصرنا نجد تأثير ذلك في معارض الكتب السنوية، وأرى أن هذه مرحلة لغربلة القيمة الإبداعية في العالم العربي الذي يكتب الرواية بحثاً عن صمود الرواية بوجه كُل الخراب الذي يحدث في العالم، فالفن الروائي كإبداع هوعنصر مقاومة لكل ما هو تدميري؛ بل لكل التدميريات التي تسحق الذات الإنسية ومنجزاتها الحضارية، وهو عنصر لا بد أن يسود المشهد العربي والعالمي.وفي مقابل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الرواية العربية المعاصرة لا بد أن تقف أيضاً بوجه استرخاص الكتابة السردية.

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa