يترقب العالم لحظة مصافحة الرئيس الامريكى دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون بسنغافورة 13 يونيو الجاري ، والتى ستدشن أول قمة من نوعها بين رئيس أمريكي في منصبه وزعيم كوري شمالي من أسرة "كيم" التي تحكم البلاد بقبضة حديدية منذ توقف الحرب في شبه الجزيرة الكورية في عام 1953 ، حيث ستكون واحدة من اللقطات التاريخية٠
قمة جاءت بعد مخاض عسير ومساع دبلوماسية ووساطة صينية امتدت لعام كامل، إلى أن باتت وشيكة الانعقاد ، بعدما حدث تطور في طبيعة العلاقة بين واشنطن وبيونج يانج رغم الخلافات والصراع العميق بينهما، فانتقلت العلاقة من التراشق المتبادل والتصريحات النارية والتهديد بضربة نووية مدمرة إلى الترحيب بعقد قمة ، واستعدادات تجرى على قدم وساق من الجانبين للتجهيز للقاء يجمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون على طاولة الحوار فى سنغافورة.
ويرجع سببا اختيار سنغافورة إلي شهرتها بسياساتها المحايدة والمستقلة تجاه مختلف القضايا الدولية والإقليمية ، وعلاقاتها الاستراتيجية المتميزة مع الولايات المتحدة ، إلى جانب ما تتمتع به من قدرة في التأمين والنظام والانضباط والثقة فى أجهزتها الأمنية٠
قمة المصالحة والحوار بين واشنطن وبيونج يانج ، هي فى واقع الأمر مباراة في الدهاء بين أعداء الأمس، وربما سيكونون أصدقاء الغد ، ففيها سيجلس ترامب حديث العهد بالدبلوماسية مدعما بصقور الإدارة الأمريكية ، و كيم الذي أثبت أنه يجيد فن الصفقات وجها لوجه على رقعة الشطرنج السنغافورية ليمارسوا لعبة عقلية استراتيجية من العيار الثقيل ، قواعدها الهجوم والدفاع والاستسلام الطوعي للخصم عند الخسارة، وقد تنتهي المباراة بالتعادل بطريقة مختلفة ، هكذا فإن الترقب هو سيد الموقف فى تلك القمة٠
إجادة الزعيم كيم للصفقات برهن عليها ما أقدم عليه قبل 9 شهور تقريبا، حين وجه دعوة للحوار للرئيس الأمريكي، الذى أعلن بدوره قبولها ، مؤكدا أن اتفاقا مع كوريا الشمالية يجرى إعداده فعليا ، وإذا أنجز سيكون جيدا للعالم ، وطلب مساعدة نظيره الصيني شى جين بينج لإبقاء الضغط الذى تشكله العقوبات على كوريا الشمالية ، حيث تعتقد واشنطن أن سياسة عزل بيونج يانج أتت بثمارها ، وأن العقوبات المفروضة عليها ستظل سارية حتى تتخذ إجراءات ملموسة ودائمة يمكن التحقق منها من أجل وضع حد لبرنامجها النووي.
ورغم الإعلانات الإيجابية من قبل الأطراف المعنية بشأن اللقاء المرتقب بين ترامب و كيم ، إلا إن ترامب أكد أنه لن يلتقى وزعيم كوريا الشمالية، إلا إذا اتخذت بيونج يانج خطوات ملموسة تجاه تفكيك برنامجها النووي الذي أدخلها النادي النووي العالمي في عام ٢٠٠٦ ، وفى مناورة كلامية أعلن ترامب قبل أسبوعين إلغاء القمة ثم عاد وتراجع عن قراره.
حقيقة أن الجانبين لم يطرحا شروطا مسبقة لعقد القمة ، لكن أحاديا ومن جانبه ، أعلن النظام الكوري الشمالي طوعا تعهده بوقف إجراء تجارب نووية أو إطلاق صواريخ باليستية ، وإغلاق موقع ( بونجى-رى) للبرهنة على حسن النوايا ، ذلك الموقع الذي أجرى من خلاله 6 تجارب كان آخرها في شهر سبتمبر الماضي ، وأحدث انفجارا يفوق انفجار قنبلة هيروشيما 15 مرة ، فيما يمثل إما تحولا استراتيجيا أو مناورة تكتيكية.
ويمنح هذا القرار لبيونج يانج مزايا ثلاث قبل بدء مفاوضاتها مع واشنطن ، أولا: أن الكرة باتت في ملعب إدارة ترامب ، ففي ظل هذه الأجواء بات من الصعب على أمريكا القيام بضربة استباقية كما كانت تهدد دائما ، وثانيا: نفى كيم مسبقا مسئولية فشل القمة ، وثالثا: التأكيد على أن كيم هو سيد الموقف، وأنه لم يتنازل عن برنامجه النووي نتيجة ضغوط خارجية ، إلى جانب أن هذا القرار يتيح لزعيم كوريا الشمالية ارتداء عباءة السلام قبل مفاوضاته المهمة مع واشنطن.
ويربط الخبراء نجاح تلك القمة بتقديم الدولتين تنازلات فيما يخص تخفيف العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية، بالإضافة إلى إيقاف البرنامج النووي الكوري الشمالي وضبط التسليح بها ، وتخفيف الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، لاسيما وقف المناورات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسيول وهو الموضوع الذي نفى ترامب أنه مدرج على جدول أعمال القمة.
قمة سنغافورة ستكون فرصة ذهبية لتحقيق السلام والاستقرار فى شبه الجزيرة الكورية ، والفائز الأوفر حظا فيها سيكون الصين التى كللت جهودها بالنجاح ، والتى تعتبرها بيونج يانج " الأخ الكبير " لها ، غير أن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق بمجرد إبداء الرغبة فى نزع السلاح النووى ، لكنه يتطلب جهدا كبيرا ، وخريطة طريق واضحة من أجل إنجاح عملية السلام ، التى ستوفر التنمية الاقتصادية المنشودة لشطرى شبه الجزيرة الكورية ، فى ظل استقرار الأسواق وتحريرها من مخاوف الحرب النووية، وفتح أسواق جديدة أمام التجارة المتبادلة ، ولم شمل الأسر المشتتة بين الكوريتين لأول مرة٠