الجمعة 3 مايو 2024

ذكرى رحيل موليير الشرق "أبو السعود الإبياري"

18-3-2017 | 20:58


كتب خليل زيدان:
48 عاماً مرت على رحيل مبدع السينما المصرية وباعث الكوميديا النظيفة الكاتب والسيناريت أبو السعود الإبياري الذي لُقب بموليير الشرق ، نظراً لغزارة إنتاجه في والسينما والمسرح طيلة أربعين عاماً.
هل انتهى العصر الذهبي للسينما والمسرح الكوميدي برحيل أبو السعود الإبياري؟ هل تلاشت الروايات الهادفة وانتهى عصر المنولوج عندما توارى الإبيارى عن عالمنا؟.. نعم ، فكل المؤشرات تؤكد ذلك.. فالعمل السينمائي أو المسرحي في بدايته يكون مجرد فكرة،  يصيغها المؤلف ويضع بها الحبكة والتوليفة التي تسعد قلوب الجماهير، ولكن رحل صاحب الأفكار ونهر العطاء المسرحي والسينمائي أبو السعود الإبياري، ولم يسعدنا الدهر بمثله، واليوم نشعر بقيمته ونتمنى أن يظهر لنا أبو السعود آخر ليعيد للسينما مكانتها وللمسرح عصره الذهبي.
بدأ أبو السعود الإبياري مشواره بصالة ومسرح بديعة مصابني في تأليف الروايات ذات الفصل الواحد والاستكتشات الفكاهية وأيضاً تأليف المونولوجات الغنائية، وكان أول منولوج له "بوريه من الستات"، وقد أداه المنولوجست سيد سليمان الذي تعلم منه إسماعيل يس عند التحاقه بكازينو بديعة فن أداء المنولوج.. ويحدث التناغم بين الإبياري وإسماعيل يس عند بديعة ويجد الإبياري ضالته في إسماعيل يس صاحب الصوت الجميل والأداء الرائع، فيغمره الإبياري بسيل من المنولوجات التي تناقش وتعالج قضايا المجتمع، منها تقويم الزوجات وعلاقة الأزواج بالحموات، ويبرع إسماعيل في الأداء ليتغنى بعد ذلك جموع الشعب بكلمات الإبياري.
استمد الإبياري كتاباته من قضايا المجتمع ومشاكله، فطرحها في شكل اسكتشات ومنولوجات وأفلام سينمائية تعالج تلك القضايا وتوجد الحلول وتنذر بالمخاطر.. وهذا هو السر في خلود الإبياري الذي لم يجد كازينو ومسرح بديعة متسعاً لأفكاره وطموحاته، فكانت بديعة تحصره في مساحة محددة لا يقدر أبو السعود أن يتعداها، لذا بدأ في البحث عن متنفس آخر يضع به فيض إبداعاته.. ولجأ الإبياري إلى السينما عام 1942 ليبدأ أول عطاء له بالسينما من خلال سيناريو وحوار فيلم "لو كنت غني"، الذي يدور مضمونه حول الحكمة الإلهية في توزيع الرزق، لو أغدق الله الرزق على كل العباد لتكاسل الجميع عن أداء أعمالهم، وتدور أحداث الفيلم عن متسول يموت ويكتشف أقاربه أنه كان يكتنز ثروة من المال وتتبدل حالتهم من الفقر إلى الثراء والبذخ ويتركون أعمالهم.. وفي عام 1944 يتحف السينما بأروع أفلامها وهو فيلم شارع محمد علي " تأليف وحوار" بطولة عبد الغنى السيد وحورية محمد، ووضع كلمات استعراض وله يا وله الشهير وميزان الحرارة.. ووضع الألحان السنباطي ومحمود الشريف ومحمد فوزي، من اللحظات الأولى في الفيلم تشعر بإبداع الإبيارى وذلك من خلال لافتات أسماء عوالم وفناني شارع محمد علي، مثل عنايات كهربا، راقصة ومطربة، والبلدي يوكل إدارة الحاج إبراهيم شنكل، وجابر صابر مطرب العنابر.. حتى تلك التفاصيل الصغيرة صاغها الإبياري في جمل منظومة تدل على براعته، وفي نفس العام أيضاً يشارك في قصة وسيناريو وحوار فيلم طاقية الإخفاء مع عباس كامل وعزيزة أمير ومحمود ذو الفقار، وفي عام 1945 يشارك أبو السعود الإبياري في 11 فيلماً مرة واحدة أشهرها البني آدم وتاكسي حنطور ورجاء والحب الأول وأحب البلدي والفلوس وراوية.
بلغت أعمال الإبياري السينمائية 142 فيلماً تعد جميعها من روائع السينما العربية، منها فيلم المليونير لإسماعيل يس الذي يظهر إعجاز الإبياري في صياغة القصة والحوار وأيضاً الاسكتشات الفكاهية منها اسكتش العقلاء الشهير الذي يبهج الجماهير حتى الآن، ولو قلنا أبهر الجماهير وأعجز الكتاب من بعده فيكون هذا أقل من حقه، فمن يرى اسكتش العقلاء يجد أن الإبياري مزج بين اللغة العربية والفرنسية ببراعة وحافظ على الوزن الشعري عندما استحضر قادة العالم ومشاهيرها في عنبر العقلاء، وعلى سبيل المثال في مقطع حضور نيرون يقول: نيرون شرف نيرون، دا واد جد وستري بون.. وعند حضور عنتره بن شداد يقول: عنتر، أوعى يهينك عنتر، هو المجدع هو السنتر عنتر، وينطق "عنتر" سراج منير بكلمات الإبيارى فيقول: طبعاً فشر مليون فشر مين زيي غامق في البشر، وآدي عبلتي محبوبتي ستريه جوليه ستريه قمر، وأيضاً اسكتش عاوز أروح واسكتش الأتراك اللذان أداهما إسماعيل يس وسعاد مكاوي وتجعلنا في ذهول أمام المعين الذي استمد منه أبو السعود الإبياري أفكاره وكلماته.
وكما حرص أبو السعود الإبياري على الجانب الفكاهي في أفلامه مثل مجموعة أفلام إسماعيل يس التي حملت اسمه، كتب الأفلام الغنائية الاستعراضية والمليودرامية منها ، فيلم ياسمين وحبيب الروح لـ ليلى مراد متقولش لحد لفريد الأطرش ويا حلاوة الحب لمحمد فوزي ومسمار جحا وبنات حواء وعزيزة لنعيمة عاكف واشهدوا يا ناس وأنا وحدي وشرف البنت وليالي الحب لعبد الحليم حافظ وأيضا فتى أحلامي وفاطمة وماريكا وراشيل وسكر هانم وملك البترول وصغيرة على الحب والزوجة 13 وبنت الأكابر وهو أيضاً كاتب كلمات أغنيتها الشهيرة في الفيلم "يا رايحين للنبي الغالي".
وعن رصيده المسرحي فقد كتب الإبيارى قرابة الـ 64 مسرحية لمسرحه هو وإسماعيل يس وأيضاً لمسرح الريحاني ولفرق مسرحية أخرى، أشهرها خميس الحادي عشر وأنا عايزة مليونير وكل الرجالة كده وعقول الستات والست عايزة كده ومنافق للإيجار وسيدتي العبيطة وسنة تانية جواز والرجالة ما يعرفوش يكدبوا .. ويرحل أبو السعود الإبياري تاركاً تلك الإبداعات الفنية التي تبهج الجماهير حتى الآن، ومن الغريب ألا يتلقى الإبياري أي تكريم من الدولة على كل تلك الإبداعات غير تكريم يتيم من وزارة الثقافة عن فيلم الزودة الـ 13 لم يوفِه حقه ولم يسعده كما أسعد جماهير العرب بفيض وروائع إبداعاته.     


 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa