بقلم : الأب وليم سيدهم اليسوعى – رئيس اللجنة المصرية للعدالة والسلام
بدعوة كريمة من الأستاذة ماجدة محمود رئيسةتحرير مجلة حواء الغراء.
أتشرف بالتوجه إلى كل حواء في مصرنا وشرقنا العربي بالتهنئة الحارة لملايين النساء الأمهات والأخوات والعمات والخالات والصديقات في عام المرأة.
نعم.. لن ينسينا الداعشيون والداعشيات في زمننا الحاضرما آلإليه اختزال النساء إلى مجرد متاع للأنانية المفرطة والحيوانية فهذه مجرد لحظة شيطانية تنسينا المجد الذى وصلت إليه المرأة من رفعة وكرامة واحترام.
فمن إيزيس وحتشبسوت إلى كليوباترا وزنوبيا إلى ملكة سبأ في الماضي.. إلى حاضر تبوأت فيه المرأة أرفع المناصب في مصر من وزيرة إلى فيلسوفة إلى باحثة إلى سيدة أعمال ناجحة إلى فنانة قديرة إلى أم فاضلة تربي أجيالاتستقر بهم الأوطان.
يرجع الفضل إلى الكنيسة الإنجيلية في كنيسة طرابلس لبنان إلى رسم القسيسة رولا سليمان كأول سيدة في شرقنا تتبوأ مكانة دينية متساوية مع الرجال القساوسة الإنجيليين.
بدأت القسيسة رولا سليمان طريقها الكهنوتى في دراسة اللاهوت، حصلت فيما بعد على شهادة الوعظ عام 2008 ثم عينت راعية لكنيسة طرابلس, قامت بمهام الكاهن في ذلك الحين ماعدا تأدية خدمة سرّى الكنيسة الإنجيلية وهما المعمودية وسر العشاء الربانى, وتشرح القسيسة "سليمان" أن القرار برسامتها قسيسة لم يفرض من فوق, بل جاء بعد استفتاء على رعايتها للكنيسة كانت نتيجته قبولا تاماً, كما أن الرعية كتبت طلبا خطيا بتكريسها كاهنة منذ تسع سنوات رفعته الرعية في طرابلس إلى السينودس الإنجيلى الوطنى في سوريا ولبنان صاحب القرارالنهائى في التكريس.
ونحن إذ نهنئ القسيسة رولا سليمان بدورها الجديد ونهنئ الكنيسة الإنجيلية في سوريا ولبنان,ونعتقد أن أهمية هذا الحدث كما قال الأب المستنير جورج مسوح الأرثوذكسي في أنه سيفتح "نافذة على العقل و التفكير" في كثير من التقاليد والثوابت في حياتنا الدينية والروحية لغربلتها في ضوء متطلبات عصرنا وإعادة النظر في إطلاق الطاقات المعطلة لإثراء وإنعاش علاقتنا مع الله وإخوتنا البشر بعيداعن أى شبهة للتربح والاستغلال.
وإن كان الشيء بالشيء يذكر, فإن مواقف الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية من رسامة المرأة قسيسة تتراوح بين الرفض المطلق والتام لأسباب لاهوتية أو أسباب تاريخية أو إيمانية, وهنا أحدد كلامى فيما يخص الكنيسة الكاثوليكية فإن مكانة المرأة محفوظة ومُصانة, ولا شك أن دور العذراء مريم في الكتاب المقدس يفوق كل دور فهى تلقب بأعظم الألقاب "أم الله" ولها مكانة فوق كل نساء العالمين, كما وصفها القرآن الكريم.
وكما ذكرنا في بداية كلامنا عن المرأة بصفة عامة في تاريخنا الشرقي فإن المرأة الكاثوليكية "المكرسة" تتمتع منذ قرون بمكانة عالية, فهى تدير المستشفيات والمدارس والعيادات والمؤسسات الخيرية للعجزة والأيتام.. الخ، وتتمتع بإدارة ذاتية مستقلة وعدد هؤلاء النساء يربو عن المليون ونصف امرأة في العالم يجمعون بين التعبد وممارسة الصلاة والتأمل وخدمة الناس, وفي مصر لدينا أكثر من خمسين رهبانية مكرسة تخدم في طول البلاد وعرضها الجميع بلا استثناء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: مدارس نوتردام والميردي ديو والدليفراند وسان جوزيف والساكير كور والراهبات المصريات.
كل هذه المدارس والمؤسسات تديرها أخوات مكرسات وهى مشهورة بانفتاحها على المجتمع وبقدرتها على التربية وتميزها في مناهجها التعليمية وفتح أبوابها لكل المصريين والمصريات.
أما الجدل حول رسامة المرأة قسيسة فهو حديث متجدد وقد حاولنا أن نرصد موقف الباباوات الكاثوليك من هذه المسألة فوجدنا أن هناك تيارين أولهما يرفض تماماً الحوار حول هذا الموضوع وكان يمثله البابا يوحنا بولس الثانى وكانت حجته المتكررة غالباً من أن السيد المسيح اختار اثنى عشر حوارياً في حياتهلم يختر امرأة واحدة على الرغم من أن موقفه من المرأة كان متحرراً جداً كما نراه على صفحات الإنجيل, وهنا "الاقتداء بالمسيح" مؤسس الكنيسة واجب عقائدى لا يمكن التزحزح عنه خاصة وأننا ذكرنا سابقا أن ماعدا سر الإفخارستيا إقامة القداس، فالمكرسة لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات.
إذن اعتبار يسوع المعلم الأول الذى وضع أسس الكنيسة لم يختر امرأة ولكنه كرم المرأة "وولد من امرأة" فإذن لا مجال للانتقاص من دور المرأة, فالعبرة ليس في المرتبة الكهنوتية بل في نوعية الخدمة, ولكل مجال خدمته وحتى في الخدمة الكهنوتية هناك من يصيبون ومن يخطئون, فالكهنوت ليس صكا يهب صاحبه مميزات الدخول إلى الملكوت, بل هو خدمة لا تطلب من طبقة معينة بل دعوة مجانية لخدمة الله والآخرين.
أما التيار الثانى فهو أقرب إلى موقف البابا فرنسيس وهو مع الإصلاح وابتكار طرق جديدة وإبداع مناهج تجعل من الدين يسرا لا عسرا, وقد استطاع تجاوز الكثير من العقبات القائمة على ثقافات متعالية غريبة مثلا أو تقاليد الاتيكيت والبيروقراطية والطقسية. كل ما كان يقيم الحواجز تحت مسميات لاهوتية وتراكمات ثقافية لا تخدم روح الإنجيل وتقف حاجزا مثل اعتبار الرتب الكنيسة رتب تمجيد للرتب على حساب تمجيد الله للكاهن والأسقف والبطريرك والبابا.. الخ، فبقدر ما كان صاحب الرتبة خادماً عاشقاً لله بقدر ما كان التمجيد مرتبطا بنوع الخدمة وليس نوع الرتبة.
وقبل أن ننهى هذا المقال نود أن نذكر أن الكنيسة الإنجيلية خرجت من رحم الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، فالبروتستانت نشأوا على يد راهب دومنيكانى كاثوليكى اسمه "مارتن لوثر" وجه نقداً حاداً للكنيسة الكاثوليكية في لحظة تردى وانفصل عنهاوحسنا فعل.
وليسنقدا للكنيسة الإنجيلية ولكن احتراما لتاريخها المجيد فإنها بانفصالها ورفضها لكثير من المفاهيم اللاهوتية لأسرار الكنيسة الكاثوليكية السبعة أخذت طريقاً جديداً لنفسها ورسمت قساوسة وأساقفة من سلطتها ذاتها وبالتالى فقدت تاريخيا انتماءها لما يسمى لاهوتيا "بالتسلسل الرسولى" الذى بدأ مع اختيار المسيح لحوارييه (الرسل) الاثنى عشر الذين سلموا جيلا بعد جيل حتى الآن قيادة الكنيسة من الوجهة التاريخية وليس فقط الإيمانية, وهنا تشترك الكنيسة الأرثوذكسية مع الكاثوليكية في أنهما كنيستان "رسوليتان" بهذا المفهوم, والفرق بين انفصال الكنيسة الأرثوذكسية والبروتستانتينية هو أن الانفصال الأرثوذكسي كان على رؤساء الكنيسة وقد سلمهم سلطة وضع اليد منذ عهد الرسل, بينما مارتن لوثر كان كاهناً عادياً ليس له سلطة وضع اليد.
ورجوعا إلى إمكانية تغيير موقف الكنيسة الكاثوليكية فإن التاريخ يبين أن بابا روما بحسب قوة التقليد لم يكن يترك كرسيه إلا بالموت, إلا أنه لأول مرة في التاريخ يتنازل بابا روما عن منصبه وهو حى على يد البابا بندكتوس السابق للبابا فرنسيس على الرغم من كونه محافظا ويمينيا وهذا يعنى أنه مهما كانت قوة التقليد إلا أن التطورات التاريخية المتلاحقة قد تفاجئنا بما كنا نتصور صعوبة جدوته.
وإلى أن نرى ذلك وفي ظل محاولة التجديد في الخطاب الدينى نتمنى للمرأة المصرية سواء صارت قسيسة أم شيخة أزهر أم وزيرة أن ترتقي سلم المجد لتصل الحاضر بالماضى وتجدد شباب حضارتنا العربية المسيحية الإسلامية.