الأحد 28 ابريل 2024

العقاد يقول لمحسن سرحان: أنا أول من شاهد السينما فى مص

20-3-2017 | 09:43

أنابت "الكواكب" هذا الأسبوع النجم محسن سرحان لعمل تحقيق فني مع الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد. فكتب يقول..

- كان اليوم الذى ذهبت فيه لمقابلة الأستاذ عباس العقاد هو يوم الجمعة، ويوم الجمعة هو يوم الندوة الاسبوعية التى يعقدها الأستاذ الكبير، وفيها يستقبل قراءه ومحبيه، وتوجه إليه آلاف الأسئلة فى مختلف الشئون والعلوم، وطرقت الباب واستقبلنى الخادم وقادنى إلى حيث يجلس الاستاذ عباس وقد التف حوله لفيف كبير من مختلف الأعمار والثقافات، فمن طالب إلى مدرس إلى دكتور إلى محام إلي مهندس إلى صحفى.

واستقبلنى الأستاذ الكبير بابتسامته المعروفة وعاد إلى جلسته مرة أخرى وتابع حديثه الذى كان قد قطعه.. وبعد دقائق التفت إلى وقال:

- أهلا وسهلا بالصحفى الفنان... أى خدمة؟

فقلت:

- أريد أن "أدردش" مع سيادتكم عن السينما، فابتسم سيادته وقال:

- هات ما عندك من أسئلة..

واعتدلت فى جلستى ووجهت إلى سيادته السؤال الأول:

هل تترددون سيادتكم على دور السينما؟

فأجاب سيادته:

- الحق أننى اليوم أصبحت قليل التردد علي دور السينما، وقد يرجع ذلك إلى ظروفى الصحية، ولكن يحدث فى بعض الأوقات أن أذهب لمشاهدة أحد الأفلام هنا فى مصر الجديدة، فمن روتين حياتى اليومية، أن أقضى ساعة فى التريض، عصر كل يوم، ويتصادف أثناء تجوالى أن أجد نفسى أمام احدى دور السينما، فتعود بى الذاكرة إلى السنوات الماضية أيام أن كنت من أكبر هواة الأفلام، فأجدنى مدفوعا لدخول السينما.

وقديما كانت لى خطة لا أثور عليها مطلقا، فقد كنت أحجز كرسيين فى كل دار للسينما أسبوعيا، وكنت أحاول أن يكون الكرسيان بعيدين عن تيار الهواء، والحكمة فى حجزى للكرسيين أننى لا أحب أن يجلس بجوارى أحد أثناء مشاهدتى للفيلم، حتى يمكننى أن أتتبعه تماما وأستوعب كل ما يعرضه.

"ومن المفارقات التى لا أنساها، أننى كنت أرسل خادمى لحجز الكرسيين، فكان يعود ومعه التذكرتان المطلوبتان فى المكان الذى حددته له، ولكن فى سينما غير التى أخبرته عنها..!"

ومنذ متى وأنت تشاهد الأفلام السينمائية؟

- قد لا تصدق أننى من أوائل الذين شاهدوا السينما، حتى قبل أن تدخل صناعتها إلى مصر، فقد شاهدت السينما فى 1903 فقد كان يحدث عندما كنا تلامذة أطفال فى أسوان، أن كان يحضر لزيارة مدرستنا كثير من السائحين الذين يقضون فترة الشتاء فى أسوان، وكان من أهم أسباب التسلية لهؤلاء السائحين، عرض الأفلام السينمائية عليهم، وكان ناظر المدرسة كلما حان عرض أحد الأفلام، يدعو أربعة من تلاميذ المدرسة المتفوقين، لمشاهدة هذه الأفلام، وكنت دائما من المتقدمين، ولذا كنت باستمرار أحضر عرض هذه الأفلام، وعلى هذا تجدنى من الاوائل الذين شاهدوا الأفلام السينمائية.

ما هى فى رأيك أهم أهداف صناعة السينما؟

- أنا أعتقد أن السينما أهم أداة لنشر الثقافة والوعى، كما أنها وسيلة فعالة للتسلية، فالسينما أقوى من الصحافة فى هذا المجال، فالصحافة مرهونة بأوقاتها واشتراكاتها، وعلى ذلك فالسينما يمكنها أن تؤدى خدمات جليلة، وأن تعطى معلومات يشترك فيها المطلع وغير المطلع، كما لا أنسى دورها الرئيسى فى الدعاية لنهضة الأمم والشعوب..

وأى نوع من الأفلام تفضل مشاهدته؟

- إننى أفضل دائما الأفلام التى يشترك فيها ممثلون وممثلات ومؤلفون مهمون، سمعت عنهم، وقرأت لهم. ولا يهمنى بعد ذلك إن كان الفيلم فكاهيا أو تاريخيا. فكل ما أهتم به قصة الفيلم ومؤلفها، والممثل أو الممثلة التى تضطلع بالدور الرئيسى، وكل الأفلام التى كتبها تولستوى أو ايفانيز حضرتها.

ما رأيك فى الفيلم المصري؟

- إننى مع الأسف لم أشاهد الأفلام المصرية منذ فترة طويلة، ولا يرجع ذلك إلى عدم ثقتى بها أو فى الفن، بل لضيق وقتى، ولذا فلا يمكننى أن أكون حكما صادقا. وأذكر أن دعتنا احدى الممثلات يوما لمشاهدة فيلم لها. فسألتها: من مؤلف هذا الفيلم! فقالت: أنا، وعدت أسألها: ومن مخرجه؟. فقالت: أنا. وسألتها: ومن منتجه؟.. فقالت: أنا.. فقلت لها: أنا أخشى أن تكونى أنت المتفرجة الوحيدة..

"ولقد سقت هذا المثل لأدلل على بعض العيوب فى أفلامنا، فإننى لا أهضم أن يكون الممثل، مخرجا ومؤلفا ومنتجا ومصورا فى نفس الوقت، فالممثل للتمثيل، والمؤلف للتأليف، والمخرج للاخراج، كل يجاهد فى الميدان الذى يتقنه، حتى نجنى ثمرة طيبة.

وكثيرا ما كنت أدعى لمشاهدة تصوير بعض أفلام مصرية، وكنت ألاحظ عليها كثيرا من الاخطاء. ولقد شاهدت تصوير فيلم "لست ملاكا" للموسيقار عبدالوهاب، وكان المنظر الذى يصور هو مهرجان القمح الذى غنى فيه عبدالوهاب أغنية "القمح الليلة" وشاهدت المخرج يحاول أن يغطى بعض الممثلات "بالبطاطين" فقلت له: إن القمح يجمع فى الصيف ولا يجوز وضع هذه البطاطين. وشاهدت أحد أفلام يوسف وهبى وكان المنظر لامرأة شاردة ذاهلة فقيرة، تريد أن تتخلص من وليدها فى الحرام بإلقائه فى الماء، ولكنى ذهلت عندما وجدتها تغنى وهى تحاول إلقاء ابنها. فهل الغناء يتفق مع جلال الموقف الذى تقف فيه؟

وكنت أحاول أن أكون نزيها فى نقدى، صريحا فى رأىى، وقد كان البعض يتقبل مثل هذا النقد والبعض الآخر يثور..

"ولكننى أسمع فى هذه الأيام أن الفيلم المصرى يسير بخطى سريعة نحو الكمال، وأنه شق طريقه إلى الأسواق الخارجية، وأن المسئولين فى طريقهم إلى إنتاج الأفلام الملونة بالسينما سكوب، وهذا مما لاشك تقدم ظاهر. وأتمنى أن أعود لمشاهدة الأفلام المصرية لأرى هذه النهضة الكبيرة».

من هم نجومك المفضلون فى السينما الأجنبية والمصرية؟

- أنا معجب بالممثل العالمى شارلى شابلن، وفردريك مارش. كما كانت تعجبنى مارى بيكفورد، وجريتا جاربو.

" أما فى السينما المصرية، فإننى لا أستطيع - كما قلت - أن أكون حكما صادقا على ممثل أو ممثلة إلا بعد مشاهدته أربع أو خمس مرات على الأقل، لذلك فأنا لا أستطيع أن أعين أحدهم أو احداهن فى هذا الوقت. انما كنت معجبا بالمرحوم الريحانى، وحضرت جميع مسرحياته ورواياته السينمائية، كذلك الممثل الكبير يوسف وهبى. والظريف فى كل منهما أنه كان يتقبل النقد بكل ارتياح دون تبرم أو تكبر.

"ولكنى لا أجحد حق ممثلينا وممثلاتنا هذه الأيام، فعندى فكرة أن ملامح أبطالنا وبطلاتنا، أجمل وأقوى تعبيرا من الأجانب. وهذا فخر لفنانينا وفناناتنا".

لماذا لم تكتب للسينما حتى اليوم!

- لذلك ثلاثة أسباب: أولها: أننى أكره الكتابة باللغة العامية مهما كانت الظروف..

وثانيها: أننى لا أقبل، لو كتبت، أن يتحكم المخرج فى كتابتى وروايتى، فيحذف ويضيف. وقد يكون له العذر فى ذلك من الناحية الفنية أو التجارية، انما أنا شخصيا لا أقبل على كتابتى ذلك..

والسبب الثالث: وهو الأهم، أننى لم أحاول بصفة خاصة أن أكتب للسينما ولم أفكر قط فى ذلك، فأنا أعتقد أن الذى يشتغل بالأدب السينمائى لابد أن يتفرغ له كل التفرغ، وأن يعطيه كل وقته أو أكبر جزء من وقته، فهو عمل أساسى لا مجرد عمل وينتهى، وأنا لا يمكننى أن أتفرغ لمثل ذلك العمل ، فحياتى رسمت على ما أنا عليه وكتاباتى وموضوعاتى وكتبى عرفها جمهورى ولا يمكن أن يستغنى عن هذا اللون، كما لا يمكننى أن أخرج  عنه.

"انما أنا على استعداد أن أنزل إلى ميدان السينما كناقد فنى صريح نزيه، وأعدكم بذلك، إن السينما طريق لتوصيل الثقافة إلى كافة الناس ويسرنى أن يكون لى دور فيها".

قلت إنك تكره الكتابة باللغة العامية، وعلى هذا تكره الكتابة للسينما، ولكن ألا يمكنك أن تكتب قصصا بلغتك العربية الفصحي، كما كتب الدكتور طه حسين قصة فيلم "ظهور الاسلام"؟

- ان كتبى التى وضعتها عن الاسلام والخلفاء، موجودة، فعلي من يرغب في اخراجها للسينما، أن يتقدم لي ونتشاور في الامر إذا كان من الممكن اخراجها على الشاشة.

لو فرض وكتبت باللغة العامية للسينما، فما هي القصة التي تختارها، وفي أي لون تكتب؟

- إذا فرض وحدث ذلك، فإننى لن أتقيد بأى موضوع  أو أى لون، ولكنى سأفضل أن أكتب عن أدوار  البطولة فى جميع ميادينها، البطولة فى الجهاد من أجل الله، البطولة في الجهاد من أجل الوطن، البطولة في الحب، البطولة في أي مكان اينما كانت. وأدوار البطولة خالدة وكثيرة، ولن أتقيد إذا كانت البطولة يتخللها الضعف. فخالد بن الوليد مثلا كتبت عنه دورا كبيرا في البطولة من أجل الله والاسلام، بالرغم من ضعفه في نواح أخرى، وكتبت عن بطولة عمر رغم أن في حياته ضعفا. سأكتب عن البطولة في التاريخ، عن البطولة في الانسانية.

ولماذا لا تكتب للمسرح!

- وأين هو المسرح الذى أكتب له. وهل يقبل المسرح رواياتى التى أكتبها باللغة العربية الفصحى. أرجوك ابتعد بى بعيدا عن أمر الكتابة للمسرح أو للسينما.. إننى على استعداد للمساهمة في الميدان، وعلى استعداد أن أعود إلى أيامى الخوالى فأشاهد الأفلام المصرية، وروايات المسرح التى مثلت حتى اليوم أكثر من مائة مرة، وأن أكتب التعليقات وأنقد ما أجد أنه يستحق النقد. وغير ذلك فوقتى لا يتسع.

هل نستطيع أن نصل بفيلمنا إلى العالمية، كالافلام الأمريكية والإيطالية مثلا؟

- ولم لا ؟ .. أينقصنا الفنيون أو الممثلون؟ أبدا.. انما ينقصنا الاتحاد والتكتل حتي ننتج الفيلم المصرى الكامل، لتتحد بعض الشركات الكبيرة وتؤلف منها شركة واحدة، تدفع بكل أموالها ورجالها إلى انتاج فيلم تفخر به الصناعة المصرية، وفيلم واحد ناجح خير من عشرة "نص نص". يقول السينمائيون والمهتمون بصناعة السينما والعاملون فيها، إنه يلزمنا الامكانيات حتى نصل إلى العالمية، ما هى هذه الامكانيات ألا تشترى بالنقود، ذللوا لأنفسكم العقبات وبأنفسكم، وستصلون إلى الكمال إن شاء الله.

فى رأيكم ، ما هي القصة التي يجب أن تخرج على الشاشة في هذا الوقت لرفع روح العرب المعنوية؟

- ان حياة الأمة العربية كفاح في كفاح، وصراع يتبعه صراع من أجل الحق والحرية من قديم الأزل، فمنذ فجر الاسلام، والعرب يجاهدون. وفي تاريخ الشرق أدوار كثيرة من أدوار البطولة وقصص الكفاح من الممكن أن تقتبس وتخرج على العالم أجمع ليعرف نهضة العرب وقوتهم، هناك أدوار لرجال كافحوا وآمنوا بعروبتهم، وشعوب جاهدت لنصرة الحق ورفع شأنها. لنكتب عن حوادث اليوم. لنكتب عن حوادث القناة، لنكتب عن العلاقات بين الشرق والغرب. إن الحروب الصليبية مثلا وما قام به صلاح الدين الايوبي لهى أروع مثل لكفاح الشعوب العربية. لنكتب ولنخرج حياة أبطال الاسلام مثل خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب وغيرهما..

وكان سؤالى الاخير:

هل من المكن أن تستفيد النهضة العربية الحديثة من صناعة السينما؟

فأجاب:

- طبعا . إن السينما من أكثر الرسائل وأسرعها تقريبا بين الشعوب وبعضها. إننى مثلا لا أعرف شيئا عن العراق أو عن الحجاز، فلو قدمت إلى السينما صورة صادقة لما يدور في العراق أو الحجاز، ونواحى النهضة بهما لعرفت ما هما.

ثانيا: ان السينما كما قلت وسيلة للدعاية، لنروى للعالم كله قصص كفاحنا وجهادنا عن طريقة الافلام السينمائية إنه من العار أن تنتج أمريكا أفلاماً تروى حياتنا - وهى قطعا تغالط وتدعى لمصلحتها الشخصية - ونحن أصحاب القصص والتاريخ نقف مكتوفي الايدى، إن لنا من تاريخنا ونهضتنا ما يبهر العالم كله. وقد آن الأوان ليهتم المسئولون عن السينما إلى هذه الناحية.

...

ولاحظت أننى أخذت من وقت الاستاذ الاديب الكبير وقتاً أكثر من اللازم حرم محبيه وحاضرى الندوة من توجيه الاسئلة إلى سيادته فاستأذنت منه بعد أن أكد لى سيادته أنه عند وعده فى النزول إلى ميدان الفن عن طريق النقد والتعليق.

محسن سرحان

العدد 268 الكواكب 18 سبتمبر 1956

    Dr.Randa
    Dr.Radwa