بدأ ضيوف الرحمن التوجه إلي الأراضى الحجازية لأداء مناسك الحج هذا العام ، والحج فى الإسلام هو الركن الخامس من أركانه التى بنى عليها ويوصف بالركن الأعظم ، حين يشد المسلمون الذين دعاهم الله لأداء هذه الفريضة رحالهم إلى مكة بالمملكة العربية السعودية حيث يقبع بيت الله العتيق وذلك في وقت محدد من العام الهجرى فى كل عام يعرف "بموسم الحج"٠
وللحج شعائر معينة تسمى " المناسك " ، وهو واجب لمرة واحدة في العمر لكل بالغ قادر من المسلمين ، و فرض عين على كل مسلم بالغ كما جاء فى نص القرآن الكريم ٠ وتبدأ مناسكه في الثامن من شهر ذي الحجة بأن يقوم الحاج بالإحرام من مواقيت الحج المحددة، ثم التوجه إلى مكة ليقوم بطواف القدوم، ثم التوجه إلى منى لقضاء يوم التروية ثم التوجه إلى عرفة لقضاء يوم عرفة، بعد ذلك يرمي الحاج الجمرات في جمرة العقبة الكبرى، ويعود إلى مكة ليقوم بـطواف الإفاضة، ثم يعود إلى منى لقضاء أيام التشريق، ويعود الحاج مرة أخرى إلى مكة ليقوم بطواف الوداع ومغادرة الأماكن المقدسة.
الحج طقس ديني موجود من قبل الإسلام، ويعتقد المسلمون أنه شعيرة فرضها الله على أمم سابقة مثل الحنيفية أتباع ملة سيدنا إبراهيم، حيث كان الناس يؤدونها أيامه ومن بعده، لكنهم خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها، وذلك حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية على يد عمرو بن لحي.
وقد قام النبي محمد صلي الله عليه وسلم بالحج مرة واحدة فقط هي حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة ، وفيها أدي مناسك الحج الصحيحة، قائلا " خذوا عني مناسككم " ، و ألقى خطبته الشهيرة التي أتم فيها قواعد وأساسات الدين الإسلامي ، ويجب على المسلم أن يحج مرة واحدة في عمره إذا كان مستطيعا ، فإن حج بعد ذلك مرة أو مرات كان ذلك تطوعا منه، و للحج خمسة شروط ، وهى الإسلام بمعنى أنه لا يجوز لغير المسلمين أداء مناسك الحج ، والشرط الثاني العقل فلا حج على مجنون حتى يشفى من مرضه، الشرط الثالث البلوغ فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم ، والشرط الرابع الحرية فلا يجب الحج على المملوك حتى يعتق ، أما الشرط الخامس الاستطاعة بمعنى ان الحج يجب على كل شخص مسلم قادر ومستطيع.
يؤمن المسلمون أن للحج منافع روحية كثيرة وفضل كبير، والطوائف الإسلامية المختلفة، من سنة وشيعة، تؤدي مناسك الحج بنفس الطريقة، ولكن يختلف الشيعة عن أهل السنة من ناحية استحباب زيارة قبور الأئمة المعصومين وفق المعتقد الشيعي، وأضرحة وقبور أهل البيت ، وبعض الصحابة الذين يجلونهم.
ويرجع تاريخ الحج في الإسلام إلى فترة سابقة على بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم بآلاف السنين، وبالتحديد إلى عهد النبي إبراهيم الخليل ، وتنص المصادر الإسلامية إلى أن إبراهيم كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من جاريته هاجر إسماعيل، أمره الله أن يخرج بإسماعيل وأمه إلى مكة حيث حرمه وأمنيه وأول بقعة خلقها ، ولما نزلوا في ذلك المكان القت هاجر على الشجر كساء كان معها استظلت تحته وانصرف عنها إبراهيم إلى سارة فقالت هاجر "لم تدعنا في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟"، رد قائلا : "ربي الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان"، ثم انصرف عنهم فلما بلغ ( كدى ) ، وهو جبل بذي طوى التفت إليهم إبراهيم فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" ، ثم مضى وبقيت هاجر.
ولما ارتفع النهار عطش إسماعيل، فقامت هاجر في الوادي حتى صارت في موضع المسعى فنادت: "هل في الوادي من أنيس" فغاب عنها إسماعيل، فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا وهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت إلى إسماعيل، حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كانت في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعدت حتى جمعت حوله رملا وكان سائلا فزمته بما جعلت حوله فلذلك سميت زمزم .
وكانت قبيلة جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطيور والوحوش على الماء فنظرت جرهم إلى الطير وهي تعكف على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع مستظلين بشجرة وقد ظهر لهم الماء فقال لهم كبير جرهم: "من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟"، قالت: "أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه أمره الله أن ينزلنا ها هنا"، فقالوا لها: "أتأذنين أن نكون بالقرب منكما " فقالت: "حتى أسأل إبراهيم"، فزارهما إبراهيم يوم الثالث فاستأذنته هاجر ببقاء قبيلة جرهم، فقبل بذلك، فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم وأنست هاجر وإسماعيل بهم، فلما زارهم إبراهيم في المرة الثانية ونظر إلى كثرة الناس حولهم سر بذلك.
عاش إسماعيل وأمه مع قبيلة جرهم إلى أن بلغ مبلغ الرجال، فأمر الله إبراهيم أن يبني البيت الحرام في البقعة حيث أنزلت على آدم القبة، فلم يدر إبراهيم في أي مكان يبني البيت كون قبة آدم استمرت قائمة حتى أيام الطوفان في زمان نوح فلما غرقت الدنيا رفعها الله، وفق المعتقد الإسلامي، فبعث الله جبريل فخط لإبراهيم موضع البيت وأنزل عليه القواعد من الجنة، فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر الأسود، فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه حاليا وجعل له بابين ، بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب٠
فالباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار، ثم ألقى عليه الشيح والأذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها فكانوا يحتمون تحته، فلما بناه وفرغ حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبريل يوم التروية لثمان خلت من ذي الحجة، فقال: "يا إبراهيم قم فارتو من الماء"، لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك، ثم أخرجه إلى منى فبات بها ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: ﴿رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير﴾.
وأخذ المؤمنون برسالة إبراهيم وإسماعيل ومن خلفهما من الأنبياء يحجون إلى الكعبة سنويا، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى انتشرت الوثنية بين العرب أيام سيد مكة "عمرو بن لحي الخزاعي "، الذي يعتبر أول من أدخل عبادة الأصنام إلى شبه الجزيرة العربية، وغير دين الناس الحنيفي ، وقام العرب مع مرور الزمن بنصب الأصنام والأوثان الممثلة لآلهتهم حول الكعبة، وأخذت بعض قبائل مكة تتاجر بها، فسمحت لأي قبيلة أو جماعة أخرى بغض النظر عن دينها أو آلهتها أن تحج إلى البيت العتيق. استمر بعض الأحناف والمسيحيون يحجون إلى الكعبة بعد انتشار الوثنية.
وبعد بعثة محمد بتسع سنوات أو عشر، فرض الحج على من آمن بدعوته ورسالته، وذلك في سورة آل عمران ، حيث لم يحج المسلمون إلى مكة قبل عام 631، أي سنة فتحها على يد رسول الاسلام سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، الذي دمر كافة الأصنام والأوثان، وطاف بالكعبة هو ومن معه وأدوا كافة المناسك الأخرى التي استقرت منذ ذلك الحين على هذا النحو.
وجاء فى فضل أداء مناسك الحج وثوابه العديد من الأحاديث النبوية التى أكدت أنه والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ، وقد وضعه الرسول صلي الله عليه وسلم فى المرتبة الثالثة فى أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله ، الجهاد قي سبيل الله ، مؤكدا أن جهاد المرأة حجها.
وزيارة قبر الرسول فى المدينة المنورة والوقوف عنده والدعاء من المستحبات المؤكدة خلال رحلة الحج والعمرة ، ومما ورد عن استحباب زيارة قبر النبي والأئمة " جاء على لسان أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "من أتى مكة حاجا ولم يزرني جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجرا إلى الله عز وجل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر٠
وتدير المملكة العربية السعودية عملية الحج عبر وزارة الحج السعودية بالتنسيق والأشراف على تنظيم قدوم الحجاج عبر البعثات الرسمية للدول والشركات والوكالات السياحية ومنح التأشيرات للمسلمين القادمين لأداء فريضة الحج أو العمرة في مكة والمدينة بالإضافة إلى الحجاج من داخل المملكة السعودية، وتعنى بتأمين وتسهيل انتقال الحجيج والمعتمرين بالإضافة إلى الخدمات الميدانية الأخرى .