جاءت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران - والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من يوم أمس الثلاثاء - في إطار تضييق الخناق على إيران كي تغير سلوكها السياسي في منطقة الشرق الأوسط وملفاته السياسية المعقدة.
ومما يزيد من وطأة تأثير هذه العقوبات، أنها تأتي متزامنة مع تصاعد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في شوارع مدن إيران وميادينها، إذ تشمل الرزمة الأولى من العقوبات ، وقف التعاملات المالية واستيراد المواد الأولية، إضافة إلى إجراءات تشمل المشتريات في قطاعي السيارات والطيران التجاري، وتعقبها تدابير تطال قطاعي النفط والغاز إضافة الى البنك المركزي الايراني.
بدء سريان العقوبات
واعتباراً من هذا الأسبوع يسري مفعول الحظر الذي فرضته "واشنطن - دونالد ترامب" على الحكومات والشركات لجهة التعامل مع إيران بالدولار الأمريكي، ووقف كل التحويلات المصرفية بهذه العملة، بجانب منع المصارف من إقراض إيران، والمصارف الأمريكية من التعامل مع مصارف إيران، ووقف التعامل بالريال (العملة الإيرانية).
فضلا عن ذلك ثمة جملة من الإجراءات العقابية التي تشمل وقف الاتجار بالعديد من السلع مع إيران، من الحديد والذهب والسجاد والمأكولات، ثم في غضون ثلاثة أشهر يدخل قائمة العقوبات النفط والمنتجات البتروكيماوية.
وفي هذا السياق أكد مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية أن إعادة فرض العقوبات ضد طهران ستستمر حتى تغير نهجها بشكل جذرى، واصفا هذه الخطوة بأنها "جزء مهم من جهودنا للتصدى للنشاط الإيرانى الخبيث، مضيفاً : أن واشنطن تريد "أن يكون للشعب الإيرانى صوت قوى فى تحديد قيادته، وأن الشعب الإيرانى غير سعيد، ليس مع الأمريكيين وإنما مع قيادته."
كان الرئيس الأمريكي ترامب قد دعا إيران إلى مفاوضات مباشرة بدون شروط مسبقة في 30 يوليو 2018 ، ورغم أن إيران أبدت رفضها أكثر من مرة للتفاوض بشكل ثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لا يبدو أنه نهاية المطاف، إذ ربما يمكن القول إن مشكلة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لا تكمن في طبيعة القضايا التي ستكون محورها، وإنما تكمن في توقيتها، أى في الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي ستعقد في إطارها وبناءً على معطياتها.
ولذلك يربط الكثير من المحللين بين المبادرة التي طرحها ترامب للتفاوض مع إيران وبين فرض العقوبات الاقتصادية عليها، ومن هنا، فإن شروط التفاوض تبقى لها الأولوية والأهمية الأكبر حتى من فكرة التفاوض في حد ذاتها، باعتبار أن كل طرف سوف يسعى قبل أن يتم تفعيل هذا الخيار إلى تحسين موقعه التفاوضي سواء بهدف الحصول على أكبر قدر من المكاسب أو من أجل تقديم أقل مستوى من التنازلات.
غليان في الداخل
استبقت السلطات الإيرانية فرض واشنطن حزمة أولى من العقوبات عليها، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، باعتقال مساعد محافظ المصرف المركزي لشؤون العملات الصعبة، وإعلان خطة لتخفيف قواعد الصرف الأجنبي.
ويحاول النظام في إيران مواجهة استياء شعبي متفاقم، وتظاهرات مستمرة في مدن بينها طهران وكرج وأصفهان وشيراز ومشهد، احتجاجاً على انهيار الريال وتدهور الوضع المعيشي.
وللتخفيف من حدة غضب الشارع الإيراني، وجه روحاني رسالة الى رئيس مجلس الشورى (البرلمان) علي لاريجاني يبدي فيها استعداده للمثول امام البرلمان لما أسماه "الإفصاح عن حقائق للشعب الإيراني العزيز".
تتركز التساؤلات الموجهة للرئيس روحاني على عدة محاور هي: عدم السيطرة على تهريب السلع والعملة الصعبة واستمرار الحظر المصرفي، عدم قيام الحكومة بإجراءات مناسبة لخفض البطالة، الركود الاقتصادى الشديد خلال الأعوام الأخيرة، الزيادة المتسارعة لأسعار العملات الاجنبية والانخفاض الشديد لسعر العملة الوطنية.
ووفقا للمادة 213 من النظام الداخلى لمجلس الشورى الإيراني يجب على رئيس الجمهورية الحضور أمامه فى غضون شهر للرد على التساؤلات المطروحة.
وكان لافتاً خروج الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي عن صمته، قائلاً: "الإيرانيون قلقون وسبل عيشهم في خطر ولديهم مطالب محقة. علينا جميعاً أن نستمع اليهم بدل قمعهم". وأضاف: "ما دامت حركة الإصلاح ناشطة، لا مجال للذين يريدون إطاحة النظام".
وقد أعلنت إيران أنها تستعد لأوقات صعبة، حيث نشرت قوات مكافحة الشغب تحسبا لاستمرار المظاهرات المناهضة لتردى الأوضاع الاقتصادية، وكشفت الحكومة الإيرانية عن سياسات جديدة تتعلق بصرف العملات الأجنبية وتسمح باستيراد غير محدود ودون ضرائب للعملات والذهب وإعادة فتح مكاتب صرف العملات.
وعلى ما يبدو أن إيران تحاول اتخاذ تدبير جديدة لنجدة عملتها من الهلاك، حيث أعلنت عن خطة لتخفيف قواعد الصرف الأجنبي، في الوقت الذي تسعى فيه لمواجهة آثار هبوط عملتها وتستعد لمواجهة العقوبات الأمريكية الجديدة.
ولكن قد لا تجدي الخطط الإيرانية نفعا، خاصة بعد إعلان 10 شركات كبرى الإنسحاب من طهران رغم الأرباح الخيالية التي تحققها تلك الشركات، بسبب العقوبات الأمريكية على إيران.
وإثر قرار الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية على طهران، بعد انسحابها من الاتفاق النووي، سارعت بعض الشركات الأجنبية الكبرى إلى الإعلان عن استجابتها للقرار الأمريكي بعدم التعامل اقتصاديا مع طهران. ورغم أن هذه الشركات تحقق عوائد وأرباح بعشرات ملايين الدولارات، فإنها قررت التوقف عن ممارسة الأعمال التجارية مع طهران، حتى لا تكون عرضة للعقوبات الأمريكية.
يبقى القول أن بيئة العلاقات الأمريكية الإيرانية قد تكون مناسبة الآن للتوصل إلى تفاهمات محددة بشأن إمكانية تغيير السلوك السياسي الإيراني في مناطق النفوذ الممتدة في الشرق الأوسط وتحديداً في ملفات الأزمات السورية واليمنية والعراقية واللبنانية، فضلاً عن تقليص تمدد نفوذ طهران في القضايا ذات الصبغة العالمية.