الأربعاء 26 يونيو 2024

مُبدع أجمل أغاني الحج.. دموع السنباطي بين الحجيج

25-8-2018 | 21:40

من المؤكد أن للإنسان مشاعر، قد تتأثر بحدث أو يؤثر فيها الخيال، فأحيانا تهفو روحك لزيارة مكان جسده لك الخيال من خلال وصف أحدهم أو من خلال كلمات أغنية، وهذا بالطبع ما حدث للموسيقار الكبير رياض السنباطي الذي لحن أشهر أغنية تصف شعائر الحج ومعالم الأراضي المقدسة ، حتى أصبحت تلك الأغنية الدينية وسيلة ليطوف بها كل مشتاق مع الحجيج وهو في مكانه.

 

عهدت أم كلثوم إلى السنباطي بتلحين كلمات أغنية عن الحج تسلمتها من بيرم التونسي ، فعكف السنباطي كعادته في صومعته منهمكاً في التلحين منبهاَ على أولاده بعدم مقاطعته إلا بعد انتهاء خلوته ، ولم يكن يسمح بدخول صومعته إثناء التلحين وبين الفواصل إلا لزوجته لتمده بكوب ماء أو فنجان قهوة ، وكانت عادة تجلس في الصالة على مقعد بالقرب من باب الصومعة لتلتقط أذنيها نغمات اللحن الجديد، رغم أنها كانت أول من يستمع إلى اللحن كاملاً عند ولادته ، فقد كان يسعد برأيها وتعبيرات وجهها إثناء السماع.

 

في منتصف إحدى الليالي وأنغام السنباطي تنبعث من صومعته وتملأ أرجاء الشقة، خرجت زوجته من حجرتها لتسمع تلك الأنغام المصاحبة لصوته الممزوج بانفعالات شعرت بتأثره الشديد الذي وصل إلى حد البكاء ، فما كان منها إلا أن طرقت الباب مستأذنة في الدخول، وجلست بجانبه تسأله عن تلك الكلمات التي تأثر بها وأبكته .. وطلبت منه أن يسمعها جزءا من الكلمات باللحن ، فبدأ السنباطي الغناء على عوده يسمع زوجته مقطع من الأغنية : دعاني لبيته .. لحد باب بيته .. واما تجلالي بالدمع ناجيته .. سعدت الزوجة بتلك الكلمات الجميلة التي كتبها التونسي وطلبت من السنباطي أن يسمعها المذهب ، فغنى لها " القلب يعشق كل جميل .. وياما شوفتي جمال يا عين" .. ولتخفف عنه حالته سألته عن سر تأثره الذي أبكاه ، فقال لها،  لقد سرحت بخيالي بتلك الكلمات بين معالم الأراضي المقدسة وتمنيت أن أطوف بها حقيقة وأزور قبر الرسول  وأصلي في الروضة الشريفة، وطمأنته الزوجة بأن الله سيحقق له أمنيته .

 

بعد أسبوع دق جرس التليفون  في بيت السنباطي وكانت أم كلثوم تسأل عن أخبار اللحن الجديد ، وبشرها السنباطي بأنه انتهى من التلحين فسعدت بالخبر واتفقت معه على بدء البروفات التي استغرقت أسبوعين ، لتغنيها أم كلثوم لأول مرة بدار سينما قصر النيل في 4 فبراير 1971 وألهبت الأغنية قلوب الجماهير التي طالبت بإعادة الكوبليهات أكثر من مرة .. وتحققت أمنية السنباطي وكتب الله له زيارة الأراضي المقدسة وأداء فريضة الحج ، وما أن بدأ مناسك الحج إلا وبدأت عيناه تفيض بالدموع أثناء الطواف بالكعبة ، حيث شعر بأنه رأى تلك الأماكن من قبل عندما صورها في لحنه : مكة وفيها جبال النور .. طلة على البيت المعمور .. وطابقت كلمات التونسي ماشاهده السنباطي في الروضة الشريفة : جينا على روضة هلة من الجنة ، فيها الأحبة تنول كل اللي تتمنى وفيها نور على نور وكاس محبة يدور ، واللي شرب غنى ، وازادات سعادة السنباطي عند تنقله مع الحجيج من مكة إلى المدينة ثم إلى عرفات وقد سمع جماعات منهم يغنون " القلب يعشق كل جميل" .. فقد حرصت الشركة التي سجلت الأسطوانة على طرح الآلاف منها في السعودية في موسم الحج ذلك العام ليتسابق الحجيج على شرائها وسماعها ليسعدوا بها ويرددوا كلماتها دون أن يعرفوا أن مبدع اللحن تفيض عيناه بالدمع بينهم .

 

 


   

    الاكثر قراءة