الأربعاء 26 يونيو 2024

هذا الافتراء على عبد الناصر.. لماذا؟!

22-3-2017 | 13:19

بقلم: د. صفوت حاتم

لم تتوقف حملة الهجوم على عبد الناصر وعصره لأكثر من أربعين عاما على رحيله الصاعق. 

وقد يكون مفهوما أن يهاجم الذين أضيروا من إجراءات الثورة كالإصلاح الزراعى أو التأميم إنجازات ثورة يوليو الاجتماعية .

لكن ما يثير الدهشة.. والغثيان.. أن يكون عبد الناصر هدفا لهجوم البعض ممن لا ينتمون لعائلات إقطاعية أو رأسمالية.. ومنهم وزراء وسفراء ولواءات وأساتذة جامعات.. نشأوا وتربوا وتعلموا ووصلوا إلى أعلى المناصب..بفضل مبدأ «تكافؤ الفرص «.. الذى أرست قواعده ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر.

ومن يعود للدراسة المهمة التى أنجزها الدكتور«نزيه نصيف الأيوبى» عن تطور النخبة الإدارية العليا فى مصر خلال الستينيات.. سيكتشف كيف تغيرت الطبيعة الطبقية للبيروقراطية المصرية العليا من قادة القطاع العام وأعضاء مجالس إدارة الشركات والبنوك والكوادر العليا فى الحكومة، فبعد أن كانت السيطرة للمحامين الذين كان أغلبهم من أبناء الطبقات الراقية من الباشوات والبكوات..حل محلهم المهندسون والعلميون والتقنيون وخريجو كليات التجارة والاقتصاد، والذين بلغت نسبتهم النصف تقريبا فى قمة جدول الكوادر العليا فى الحكومة والقطاع العام والسلك الدبلوماسى.

لكن الأمر المثير للدهشة..أن معظم هؤلاء..صاروا يتنكرون لأصولهم الاجتماعية المتواضعة.. ويتصرفون باعتبارهم من طبقة «الحكام» والنبلاء!!.

وهذا السلوك يحتاج إلى تحليل نفسى - اجتماعى لاستكشاف سبب ما يحمله هؤلاء من كراهية لعصر استفادوا من إنجازاته فى التعليم بمختلف درجاته المجانية، وقد ساعدت سياسة التوسع فى «البعثات » الخارجية فى حصول كثير من الشباب المتفوق فى الحصول على درجة الدكتوراه وأعلى الشهادات فى كل التخصصات.. من المسرح والسينما حتى مجالات الطب والعلوم التطبيقية.. مرورا بالتخصصات فى العلوم الإنسانية وبالذات الاقتصاد والتخطيط. 

وهكذا نجحت سياسة «تكافؤ الفرص» فى بلوغ الآلاف لأرفع المناصب فى الدولة بعد أن كانت حكرا على أبناء الباشوات والباكوات .

لماذا التنكر؟؟!! 

وكأى ظاهرة متكررة.. يمكن تفسير ظاهرة الإنكار والتنكر التى يمارسها البعض لأسباب ودوافع «فردية» تخص كل شخص. 

لكن علم النفس الاجتماعى قد يفتح نافذة جديدة لتحليل تلك الظاهرة.

واعتقادى أن السبب الحقيقى وراء هذه الحملة المستمرة والمتجددة منذ منتصف السبعينيات.. هو نشوء طبقة رأسمالية «رثة «..أنتجتها سياسة الانفتاح الاقتصادى. 

وكأى طبقة اجتماعية.. فهى تشيد قيمها وثقافتها وسلوكها فى المجتمع الذى تعيش فيه. 

ومن الطبيعى أن يلتحق بتلك الطبقة «الرأسمالية» الجديدة و «الهجين»: أفراد وشخصيات وافدة من أسفل..سواء من قاع الهرم الاجتماعى.. أو من الشرائح الوسطى فيه. 

ولقد برع الأدب المصرى المعاصر فى تصوير هذه الشخصيات «المنخلعة» والكارهة لأصولها الاجتماعية «المتواضعة». 

وقد برع أديبنا الكبير «نجيب محفوظ» فى رسم هذا النوع من الشخصيات: محجوب عبد الدايم فى القاهرة ٣٠.. ورءوف علوان فى اللص والكلاب..وسرحان البحيرى فى ميرامار.. مثلا.

محاكمة الرأسمالية المصرية  

ورغم مرور ٤٧ سنة على وفاة عبد الناصر.. و٤٥ سنة على بدء تجربة الاقتصاد الرأسمالى عام ١٩٧٤.. فلازال الهجوم على الفترة الناصرية فى كل المجالات: التعليم والصحة والإسكان والتصنيع والتأميمات والتوظيف والعمالة ودعم السلع الأساسية.. وغيرها.

وقد تعودنا خلال ما يقرب من نصف قرن على كل «الحيل» الدعائية التى تستخدمها الطبقة الرأسمالية الجديدة لإخفاء فشلها وإخفاقها فى عمل تنمية حقيقية خلال ما يزيد على أربعين عاما.. مقارنة بعشر سنوات من تجربة التنمية الاشتراكية التى تمت فى الفترة ١٩٦٠ - ١٩٧٠. 

وهناك أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات جادة ومسئولة حتى لا تضيع معنا الأجيال القادمة: 

أولا: لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن تطوير الصناعة المصرية وجعلها صناعة متطورة ومعتمدة على المكونات المحلية.. بدلا من سياسة التصنيع «بتجميع «الأجزاء من الخارج..دون جهد فى البحث العلمى والاعتماد على الذات؟؟!!

ثانيا: لماذا شكل مجال العقار والإسكان الفاخر الشكل الرئيسى لنشاط الرأسمالية المصرية.. ولم يحتل قطاع الصناعة الوطنية ما كان مأمولا منه فى منافسة المنتجات المستوردة من بلدان بدأت معنا..أو بعدنا..فى خطط التصنيع..كالهند والباكستان وتركيا؟؟!!

ثالثا: لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن استيعاب العمالة المتزايدة فى سوق العمل وتطوير قدراتها وكفاءاتها..خصوصا بعد خصخصة القطاع العام والتخلص من عمالته بالمعاش المبكر ووقف سياسة التوظيف للخريجين منذ الثمانينيات؟؟!!

رابعا: لماذا لم تنجح الطبقة الرأسمالية فى تطوير التعليم الأولى والجامعى.. بعد ما يقرب على عشرين عاما على دخول الجامعات الخاصة مجال المنافسة مع التعليم العام فى كل المجالات..حتى فى مجال الطب.. فلايزال مستوى خريجى هذه الجامعات ضعيفا مقارنة بنظيراتها فى الدول الأوربية.. بعد أن تحولت مدارسنا و جامعاتنا الخاصة إلى مشروعات استثمارية لتحقيق المكسب السريع السهل لأصحابها.. وأصبحت عنوانا للتمايز الاجتماعى بين الأسر المصرية؟؟!!

خامسا: لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن إنشاء شبكة صحية معقولة.. واقتصر جهدها على مجموعة من المستشفيات «الاستثمارية «التى لا تتميز عن غيرها إلا بمستوى «الفندقة «الموجود بها.. وهل من الطبيعى أن يهرب رأسماليونا الأشاوس من تلك المستشفيات الفندقية ويتجهون للخارج مباشرة بحثا عن العلاج الكفء فى أوربا وأمريكا؟؟!!

الخلاصة : بعد ما يقرب من نصف قرن عجزت الرأسمالية المصرية عن تحقيق أى تقدم فى أى مجال.. اللهم إلا الاستيلاء على أراضى الدولة وتسقيعها.. نهب البنوك والمصارف والهرب للخارج.. تخريب مصانع الدولة بالاحتيال فى عقود الخصخصة من خلال الرشوة.. والحصول على المصانع واحتكار السوق رغم تواضع مستواها مع بلدان أخرى.. ولم يعد هناك ثقة بالمنتج المصرى الذى تنتجه المصانع الرأسمالية.. بعد أن كان لنا الريادة فى إفريقيا وآسيا فى مجال الدواء والجلود والأحذية والغزل والنسيج..وغيرها؟؟!! 

تصريحات وزير الصحة!!  

الزوبعة التى أثارتها تصريحات وزير الصحة عن مجانية التعليم والصحة فى الفترة الناصرية.. ليست الأولى..ولن تكون الأخيرة.

وقد تعودنا على مثل هذه الأقوال المرسلة.. التى لا تستند إلى أى مرجع علمى.

وقد سبق وهاجم رمزين من رموز اليمين المصرى المعروفين الفترة الناصرية بكل ما هو شائن..وهما المرحومان : أنيس منصور..ومصطفى محمود.. واتهما عبد الناصر بتخريب الزراعة والصناعة والتعليم وغيره.. فى وصلة من الهجاء المرسل الذى لم يستند لمرجع واحد علمى أو إحصائية دقيقة توضح الفرق بين ما كان قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ وما حدث بعدها..حتى وفاة عبد الناصر.. وما حدث بعد نصف قرن تقريبا من وفاته. 

وفى غياب المراجع والأرقام يصبح النقاش والحوار نوعا من العبث وحوارا للطرشان..لا يتقدم بوصة واحدة للأمام.

ولأن خصوم يوليو..يتعمدون الاحتجاج بمظاهر شكلية وسطحية عن الوضع فى مصر قبل الثورة.. كنشر صور عن أحياء القاهرة الراقية.. وكأن تلك الأحياء تعبر عن واقع مصر فى الريف والمدن التى كانت تنضح بالقذارة والفقر والتخلف. 

وينسى هؤلاء أن أحياء القاهرة الشعبية كانت تعانى من عدم وجود صرف صحى.. وأن سكان الأحياء الشعبية.. ولا نقول القرى..كانوا يقفون فى طوابير طويلة للحصول على الماء النقى من «الحنفية العمومية «يحملونها فى ما تيسر لهم من أوان رخيصة من الصفيح أو الألمونيوم .

ولأن التشكيك فى المراجع العلمية والتاريخية..هو أحد سمات «الفهلوة الثقافية «التى تسود مجتمعاتنا .. فلقد شاء لى الحظ أن أطلع على مرجع مهم لأوضاع مصر الاقتصادية.. قبل الثورة وبعدها..وحتى تطبيق سياسة الانفتاح.

هذا المرجع المهم هو كتاب الدكتور على الجريتلى عن الاقتصاد المصرى فى ربع قرن من ١٩٥٢ حتى ١٩٧٧.

لماذا الدكتور على الجريتلى؟؟  

من أهم المراجع التى قيمت الاقتصاد المصرى بشكل قريب من الموضوعية..كتاب الدكتور «على الجريتلى «: «خمسة وعشرون عاما..دراسة تحليلية للسياسات الاقتصادية فى مصر.. ١٩٥٢ – ١٩٧٧». 

وترجع أهمية هذا الكتاب لأسباب كثيرة : أولها أن الدكتور على الجريتلى هو أستاذ لجيل كامل من الاقتصاديين المصريين النابهين..الذين يعترفون بأستاذيته..رغم تنوع اتجاهاتهم الفكرية من اليسار الماركسى إلى اليمين الرأسمالى.

وثانيها أن الدكتور «على الجريتلى «.. رحمه الله .. هو عالم اقتصاد»ليبرالى «مؤمن بالاقتصاد الرأسمالى وفاعلية السوق الحر.. وبالتالى فهو لا يمكن اتهمه بالانحياز للفكر الاشتراكى الذى انتهجته ثورة يوليو وطبقه جمال عبد الناصر فى الستينيات.

وثالثها: أن الدكتور على الجريتلى تولى منصبا وزاريا فى أول حكومة للثورة..واختلف معها فى إجراءاتها.. وهو ما ينفى عنه صفة التحيز للثورة أو زعيمها.

لهذه الأسباب..وغيرها بقى.. الدكتور على الجريتلى.. وكتابه المنشور عام ١٩٧٧ مرجعا مهما.. خصوصا أنه نشر بعد وفاة عبد الناصر بسبع سنوات.. وبعد ثلاث سنوات على تطبيق سياسة الانفتاح الرأسمالى.. أهم مرجعى موضوعى وأمين فى تقييم السياسات التى قامت بها ثورة مقارنة بما كان قبلها.

ماذا قال الجريتلى؟؟

١. الوضع قبل الثورة:

«... بدأ الاهتمام بالصناعة عندما فرضت حماية جمركية كافية فى أوائل الثلاثينيات . وزاد الدخل أيضا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها..بفرض قيود على الاستيراد ومراقبة النقد وتوزيع بعض السلع بالبطاقات.. والمحاولات الفاشلة لكبح التضخم العارم المترتب على إنفاق الحلفاء قرابة ٥٠٠ مليون جنيه لتمويل عملياتهم الحربية فى مصر .

وعند انتقال مقاليد الأمور إلى المصريين، بدأ المفكرون فى المطالبة بجهود حكومية أكثر جدية وشمولا لانتشال مصر من ثالوث الفقر والجهل والمرض، حيث لم تزد نسبة من يقرأون ويكتبون عن ٢٠ فى المائة من السكان.

وكانت الطبقات الفقيرة تتعرض للأمراض المستوطنة وللأوبئة الوافدة وأمراض ضعف التغذية». ( على الجريتلى.. مصدر سابق، ص ١٥، الهيئة المصرية للكتاب ).

٢. و يقول الدكتور على الجريتلى أيضا عن التفاوت والظلم الاجتماعى قبل الثورة :».. إنه كان هناك جهود قبل الثورة: فى محاولة للتخفيف من التفاوت الناتج عن استئثار فئة قليلة بملكية مساحات شاسعة من الأراضى وهى مصدر الثروة الأول وحصول ٤٠ ٪ من السكان على ٨٠ ٪ من الدخل القومى.

٣. ضعف الاستثمار:

ويقول الدكتور على الجريتلى أيضا :... وخلال العشرين سنة السابقة على الثورة.. لم يتعد الاستثمار الصافى فى استحداث طاقات إنتاجية جديدة معدل ٥٪ من الدخل القومى سنويا على أحسن الفروض.. وهى نسبة تقصر عن تحقيق تنمية تستوعب الزيادة فى عدد الداخلين لسوق العمل سنويا، أو ترفع مستوى المعيشة من الدرك السحيق الذى تردى فيه. 

ويضيف الدكتور الجريتلى :..ونخلص من ذلك إلى أنه باستثناء فترات قصيرة ، لم يكن الاستثمار فى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين شيئا مذكورا ( أى قبل ثورة يوليو ).

ولم يعوض الاستثمار الحكومى تراخى الاستثمار الفردى ، نظرا لضآلة نصيب الحكومة من الدخل القومى... وحتى أواخر الثلاثينيات لم تعرف مصر ضرائب الدخل والأعمال والميراث. وكان معظم الإيراد العام مستمدا من الضرائب الجمركية وإيراد السكك الحديدية ورسوم الإنتاج والضرائب العقارية، وكان يؤلف نسبة «ضئيلة «من الدخل القومى.. وهكذا كانت الحال من إهمال التنمية حتى نشوب ثورة يوليو ١٩٥٢ ، التى كان يراود بعض رجالها شعور قوى بضرورة زيادة الإنتاج والاستثمار، مدركين أن ذلك شرط لازم لزيادة الدخل مستقبلا «( على الجريتلى، مصدر سابق، ص ١٧ ) . 

الوضع بعد الثورة 

١. زيادة الاستثمار:

يقول الدكتور على الجريتلى :.. بدأ الاستثمار فى أعقاب الثورة وئيدا ، بسبب انشغالها بالكفاح الداخلى والخارجى . وشهدت الخمسينيات فترة من التعايش السلمى مع القطاع الخاص ومحاولة تشجيع الاستثمار الأجنبى .

ومع ذلك، حدثت زيادة «ملحوظة » فى الاستثمار الصناعى الحكومى قبل عام ١٩٥٧ . 

واطردت زيادته خلال برنامج التصنيع ١٩٥٧ - ١٩٦٠ . 

وأصابت الخطة الخمسية ١٩٦٠ - ١٩٦٥ قدرا كبيرا من النجاح .

وبلغ مجموع الاستثمار خلالها نحو ١٥٠٠ مليون جنيه، نفذ القطاع العام ١٠ ٪ منها. 

وحققت مصر خلال السنوات الخمس ١٩٦٠ - ١٩٦٥ نسبة عالية من النمو بعد سنوات طويلة من الركود . 

وتحقق تقدم «ملحوظ «فى معظم القطاعات الاقتصادية والخدمات ، رغم تصاعد الزيادة السكانية وأعباء حرب السويس ١٩٥٦ ، وحرب اليمن ١٩٦٢ ، وكارثة محصول القطن عام ١٩٦١ . 

ونتيجة الزيادة فى الاستثمار ، زاد الإنتاج خلال النصف الأول من الستينيات، ونفذت مشروعات ضخمة فى مجال الاستثمار الأساسى فى المرافق وفى الرى، أهمها السد العالى، والتوسع فى الاستصلاح والاستزراع .

وكان أحد أهداف الخطة الأولى ١٩٦٠ - ١٩٦٥ مضاعفة إنتاج قطاع الصناعة والتعدين والكهرباء، ليرتفع نصيبه إلى ٣٠ ٪ من الناتج المحلى الإجمالى. 

وفعلا تحققت زيادة فى الإنتاج بنسبة ٩ ٪ ( سنويا )، أى ضعف ما تحقق فى الفترة من ١٩٤٥ - ١٩٥٢ لتصبح نسبته إلى الناتج المحلى ٢٣ ٪ أى دون النسبة التى كان مخططا لها. 

وبدأ التوسع فى التصنيع منذ ١٩٥٧ بمعدلات متزايدة. ونتيجة لذلك الناتج المحلى الإجمالى بالأسعار الثابتة بمعدل يناهز ٦ ٪ سنويا خلال فترة الخطة، التى اتسمت بدرجة ملحوظة من الاستقرار الاقتصادى «.(على الجريتلى ، مصدر سابق ، ص ١٨ ) .

٢. التطور فى مجال الزراعة :

يقول الدكتور الجريتلى :.. وكان أحد أهداف الخطة زيادة الإنتاج الزراعى بنسبة ٢٦ ٪ ، إلا أن المحقق فعلا لم يتجاوز ١٨٪ . 

لكن ، زاد إنتاج الطعام خلال فترة الخطة الأولى ١٩٦٠ - ١٩٦٥ بنسبة تفوق زيادة السكان.

وزاد التحول إلى الحاصلات الزراعية ذات القيمة المضافة العالية، مثل الأرز والفواكه والخضراوات.

وتم استصلاح نصف مليون فدان على مياه السد العالى . 

وفى الخطة الخمسية الأولى بلغ الاستثمار فى قطاع الزراعة والرى والصرف ٣٥٥ مليون جنيه ( أى ٢٣ ٪ من الاستثمار المنفذ ) .

وتحقق نفس الرقم أو أقل فى السنوات الخمس التالية ( ١٩٦٥ - ١٩٧٠ ، ربما لظروف الحرب بعد ١٩٦٧ ) . 

ويضيف الدكتور الجريتلى :.. كما انخفض نصيب الزراعة من الاستثمار الجديد تباعا : إلى ٤.٧ ٪ من مجموع الاستثمار المنفذ عام ١٩٧٥ ( أى فى ظل حكم السادات وبعد نصر أكتوبر عام ١٩٧٣.. وهو أمر لا يمكن تفسيره أو قبوله..فقد حافظ الاستثمار الزراعى على معدلاته العالية ولم يتأثر إلا قليلا بظروف الهزيمة والحرب بعدها!!!) .

٣. فى مجال العناية الصحية :

وننهى هذا المقال بما كتبه الدكتور على الجريتلى.. وهو أبلغ من أى رد على ما قاله وزير الصحة الذى يفتقد الثقافة العامة فى مجال تاريخ تطور العناية الصحية للمصريين.

يقول الدكتور على الجريتلى بالنص عن الفترة ١٩٥٢ - ١٩٧٧:... فى الخمس والعشرين سنة الأخيرة، استمرت الدفعة الصحية التى بدأت مع انتقال مقاليد الأمور إلى يد المصريين.

وأدت زيادة الاعتمادات المخصصة للصحة فى الموازنة العامة إلى بعض التحسن.

وتم القضاء على الأوبئة الوافدة التى كانت تعصف بالسكان عصفا.

وتحقق تقدم فى الحد من استشراء التدرن الرئوى والرمد وأمراض الأطفال.

وخلال الفترة المذكورة حدث تحسن ملحوظ فى الحالة الصحية للمصريين فى المدن.

غير أن الحالة الصحية فى الريف لاتزال غير مرضية، وتبقى أمراضه التقليدية دون استئصال حاسم.

ويعانى ٦٠ ٪ من سكان الريف من البلهارسيا وغيرها من الأمراض الناتجة عن شرب المياه الملوثة أو الاستحمام فيها، ومن سوء حالة المسكن الريفى.

ومع ذلك أسهم فى تقدم الأحوال الصحية توصيل مياه الشرب النقية إلى قرى الريف، والذى ينتظر استكماله فى أوائل الثمانينيات ، وزيادة عدد المدن والقرى والأحياء التى تصلها المجارى. وتحسنت أيضا فى الفترة موضع البحث حالة التغذية إذ يبلغ نصيب الفرد المصرى حاليا ٢٥٠٠ سعر حرارى، وهو رقم يناهز المتوسط اليومى الذى يحتاجه على أساس التكوين العمرى والتركيب الجسمانى.. ويمثل استهلاك الفرد من البروتين ٤٣ جراما ، أى ٨٠٪ من احتياجات الإنسان المصرى وفق التقديرات .

غير أن الاستهلاك يتفاوت تبعا لتفاوت الدخل، وتعانى الطبقات الأكثر فقرا من سوء التغذية . ( دكتور على الجريتلى ، مصدر سابق ) .

تحليل ختامى

لعل تلك الفقرات من كتاب العالم المصرى « الدكتور على الجريتلى « تكون حافزا على مناقشة الحقبة الناصرية بشكل علمى وموضوعى . بعيدا عن الغوغائية والانحيازات الطبقية.. فتاريخ مصر ملك لكل الأجيال..وكل الطبقات..وينبغى التعامل معه بإنصاف ونزاهة وموضوعية.

فعلى الرغم من مئات المراجع عن الوضع المصرى فى الريف والحضر قبل الثورة.. وعلى الرغم من آﻻف المراجع الوطنية والأجنبية..التى عالجت الوضع فى مصر بعد الثورة.. سيظل الحوار والنقاش حول ثورة يوليو ودورها محكوما بالهوى والانحيازات الاجتماعية والثارات السياسية والفكرية.. وفى مجتمع تعلن نخبته السياسية انحيازها للرأسمالية منذ مايقرب من نصف قرن تقريبا..سيظل الحوار حول إنجازات عبد الناصر وتحليل أخطائه محكوما بهذه الدوافع السلبية . 

ولكن «الهبة «الشعبية التى انفجرت على مواقع التواصل الاجتماعى بعد تصريحات وزير الصحة السلبية عن «مجانية التعليم والصحة فى زمن جمال عبد الناصر».. أظهرت عمق التقدير والاحترام والحب الذى تكنه أجيال مختلفة من المصريين والعرب لهذا القائد العربى الكبير.. هذا من جهة. ومن جهة أخرى.. إن هذه «الهبة الشعبية « للدفاع عن عبد الناصر وإنجازاته أظهرت عمق التوق للعدالة الاجتماعية والحنين لتلك التجربة الأولى فى تقريب التفاوت بين الطبقات والانحياز للفقراء.. وأن التوق للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص هو أحد القيم الخالدة لثورة يوليو وزمن عبد الناصر.. مهما ابتعد بنا الزمن..ومهما تصاعدت حملة التشويه ضده .

كلمة أخيرة: أما الزبد.. فيذهب جفاء..

وأما ما ينفع الناس.. فيبقى فى الأرض..

اللهم ارحم عبدك جمال عبد الناصر جزاء بما فعله للفقراء والمهمشين من عبادك .