الثلاثاء 28 مايو 2024

دعوات الصلح مع الإخوان خطيرة وخبيثة تؤذى الشعب.. وتضر الرئيس.. وتمكن الجماعة وتنظيمات الإرهاب من رقابنا

22-3-2017 | 13:45

بقلم – عبدالقادر شهيب

منذ أن تخلصنا من حكم الإخوان الفاشى المستبد ودعوات الصلح مع الإخوان لا تتوقف.. بل إن هذه الدعوات بدأت مبكرًا جدًا وبعد أيام قليلة فقط من الإطاحة بهم من الحكم، عندما تبنى الدكتور البرادعى دعوة تقضى بالتوصل إلى اتفاق مع الإخوان برعاية أوربية غربية وقطرية تقضى بالتوقف عن ملاحقة قادة وكوادر جماعة الإخوان، بل والإفراج عن أحد أعضاء مكتب إرشادها وبعض حلفائها مقابل تخفيض وليس فض اعتصامى رابعة والنهضة، رغم أن عنف الإخوان وقتها كان قد طال الكثير من المواقع والمنشآت والطرق فى القاهرة والعديد من المدن المصرية.. !

ومن وقتها والدعوة للتصالح مع الإخوان مستمرة لا تتوقف.. تظهر بين الحين والآخر.. ويتبنى هذه الدعوة بعض المثقفين من الكتاب والإعلاميين والسياسيين أيضا، رغم أن الجماعة وقادتها لم تطلب علانية أو حتى سرا مثل هذه المصالحة صراحة، وأن كان بعض المنتمين إليها أو الذين أعلنوا أنهم اختلفوا وانفصلوا عنها قد أعربوا عن رغبتهم فى إجراء مثل هذه المصالحة.. بل إن البعض تقدم متطوعًا يعرض خدمات الوساطة بين الجماعة والدولة، كان أولهم د.أحمد كمال أبو المجد، وزير الإعلام الأسبق، الذى احتفظ بعلاقات حتى وقت قريب مع بعض قادة الجماعة، وكان آخرهم محامى جماعات الإرهاب والإخوان.. منتصر الزيات.. والغريب أن هذه الدعوات راقت لبعض الصحفيين والإعلاميين إلى درجة اختلاق وفبركة معلومات وأخبار حول خطوات وترتيبات تتم لإنجاز مثل هذه المصالحة مع الإخوان.. فهم لم يكتفوا بالترويج لدعواهم فى هذا الصدد، وإنما روجوا أيضا، على غير الحقيقة، لمشاورات واتصالات وترتيبات تتم للتحضير للمصالحة مع الإخوان، غير عابئين بمواقف قادة الجماعة الرافضة لوقف العنف أو القبول بالأوضاع السياسية الجديدة، التى استقرت بعد الثالث من يوليو ٢٠١٣، أى بعد عزل محمد مرسى، الذى ما زال فى آخر جلسات إحدى محاكمته يردد أنه مازال يحتفظ بمنصب رئيس الجمهورية، رغم أنه غادر القصر الرئاسى صبيحة يوم الثلاثين من يونيه وهو محتجز محبوس ولم يغادر السجن منذ نحو ٤٥ شهرًا حتى الآن.

وفى كل مرة يخرج علينا أصحاب دعوات المصالحة مع الإخوان بدعوتهم هذه يحرصون على تزيينها لنا بمبررات جديدة.. تارة بإطلاق تمنيات بتوقف أعمال العنف والإرهاب.. وتارة أخرى بالدعوة إلى التفرغ لحل مشاكلنا الاقتصادية الحادة والمزمنة بعد أن تحقق هذه المصالحة استقرارا أمنيًا وسياسيًا لا غنى عنه لحماية وإنعاش اقتصادنا.. وتارة ثالثة بإظهار المكاسب الاجتماعية لهذه الدعوة بالإفراج عن شباب الإخوان حرصا على مستقبله ولإنقاذه من براثن قادة الجماعة.. وتارة رابعة بإضفاء طابع إنسانى على هذه الدعوة بالإفراج عن كبار السن والمرضى من أعضاء كوادر وقادة الجماعة المسجونين سواء على ذمة قضايا مازالت متداولة فى المحاكم أو يقضون عقوبات صدرت بحقهم بموجب أحكام قضائية.. وقد وصل الأمر إلى حد اقتراح أحد الزملاء الصحفيين قائمة أسماء للإفراج عنها من قادة وكوادر الجماعة يتصدرها اسم د. محمد بديع مرشد الجماعة!

وهذه الدعوات للمصالحة مع الإخوان يقترن ترويجها داخليًا مع مطالبات تتبناها جهات ودوائر وحكومات أجنبية فى الخارج.. بل إن بعض هذه الحكومات - مثل حكومة تركيا وقطر - ربطت تحسين علاقاتها مع مصر بإنجاز مثل هذه المصالحة.. وبعض هذه الجهات.. وأغلبها أمريكية وأوربية -يمارس الآن ضغوطا على الرئيس الأمريكى حتى لا يمضى قدماً فى تحسين العلاقات المصرية الأمريكية. كما أعرب عن ذلك من قبل إلا بعد إتمام هذه المصالحة مع الإخوان، على غرار ما يفعلون فى ليبيا، حيث تسعى أطراف شتى للاعتراف بدور سياسى للإخوان فى المستقبل الليبى.. يحدث ذلك رغم استمرار الإخوان فى ممارسة العنف داخل مصر، ورغم تورطهم فى تحالفات وعلاقات مع التنظيمات الإرهابية الأخرى التى نخوض حربا ضارية ضدها فى سيناء، ومن بينها تنظيم داعش، الذى أقيم أكبر تحالف دولى لمحاربته فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وأماكن أخرى شتى.. بل المثير أن هناك من بين أصحاب هذه الدعوات للمصالحة مع الإخوان من يبرر استخدامهم للعنف فى مصر بمطاردتهم وملاحقتهم أمنيًا وعدم القبول بوجودهم ودورهم فى المجتمع والعملية السياسية، وكأن التعايش يمكن أن يتم مع من يمارس العنف والإرهاب أو حتى يحض عليه!

ولذلك فإن هذه الدعوة للمصالحة مع الإخوان، التى تورط البعض منا فى تبنيها هى دعوة مريبة ومشبوهة وخطيرة، بل وشديدة الخطورة علينا وعلى مستقبلنا ولدينا أسبابنا المنطقية.

أولا: أن هذه الدعوة تم إطلاقها وترويجها بينما لم تراجع جماعة الإخوان أفكارها، ولم تعترف بأخطائها وخطاياها، التى ارتكبتها فى حق هذا الوطن وأبنائه على مدار نحو التسعة عقود منذ أن تم تأسيسها عام ١٩٢٨، ولم تعتذر عن هذه الأخطاء والخطايا وعما مارسته من عنف وإرهاب سواء فى الماضى أو فى الحاضر ولم تنبذ مثل هذا العنف حتى الآن.. فهى جماعة تورطت فى القتل والتدمير والتخريب والحرق ومع ذلك مطلوب منا أن نمد أيدينا بالتصالح معها وأن نعفو عما ارتكبته من جرائم فى حقنا دفعنا ثمنه فادحا من حياة بعض أبنائنا وبناتنا وفى تخريب منشآتنا وزيادة حدة أزماتنا ومشاكلنا الاقتصادية.. بل إن قيادة هذه الجماعة تأبى حتى الآن أن تعترف بأنها تورطت فى هذه الجرائم، والأكثر من ذلك مازالت مصرة على الاستمرار فى ارتكاب المزيد من هذه الجرائم.. وكم كان أمرا غريبا وشاذا أن يواكب العودة إلى إطلاق دعوة المصالحة الكشف عن خلية إخوانية جديدة وأثناء إلقاء القبض على أعضائها تسبب واحد من أعضائها فى مصرع إحدى المواطنات.

ثانيًا: أن الجماعة لم تفض تحالفها مع الجماعات الإرهابية، التى تخوض حربا شرسة وضارية ضدنا الآن فى سيناء، وهو التحالف الذى اعترف به صراحة أحد قياديى الإخوان «البلتاجى» حينما قال إن الإرهاب فى سيناء سوف يتوقف فى الوقت الذى يستعيد فيه محمد مرسى منصبه.. فكيف يستسيغ أن نتصالح أو نعفو عمن يساند ويدعم العدو الذى نحاربه، حتى ولو كانت هذه المساندة معنوية فقط ؟! أننا بذلك نضعف أنفسنا فى هذه الحرب، التى نخوضها ضد جماعات إرهابية فى سيناء.. لا يفعل ذلك إلا غافل فى أحسن الأحوال أو متآمر أو نصير لهذه التنظيمات الإرهابية فى بقية الأحوال.. وحسن النية والحرص على السلام الاجتماعى لا يمكن أن يصل إلى درجة الغفلة التى نؤذى بها أنفسنا.. وبهذا المعنى يصير الصلح مع الإخوان بهذا الشكل جريمة لا تقل فى فداحتها عما يرتكبه الإخوان من جرائم ضدنا الآن.

ثالثًا: أن جماعة الإخوان ذاتها جماعة غريبة وذات طبيعة ملتبسة.. فهى تجمع ما بين الجماعة الدينية الدعوية وما بين الجمعية الأهلية وما بين الحزب السياسى، وأيضا ما بين الميلشيا المسلحة.. وهذا أمر لا يمكن القبول به.. وقد دفعنا ثمنا باهظا لأننا سبق أن قبلنا به من قبل على مدى سنوات طويلة.. ولعل نتذكر أننا عندما مارسنا ضغوطا بعد ٢٠١١ على هذه الجماعة إما لتحل نفسها بعد تأسيسها حزبًا اعتبرته ذراعها السياسى أو لتعمل فى إطار قانون الجمعيات الأهلية فإنها رفضت ذلك بدعوى أنها أكبر من أن تكون جمعية أهلية على غرار الجمعيات الأهلية الموجودة، التى يبلغ عددها الآن نحو ٥٠ ألف جمعية ورفضت أن تحل نفسها بعد أن أسست حزب الحرية والعدالة، بل إنها بادرت بفرض وصايتها على هذا الحزب «باختيار قياداته وبرنامجه ولائحته فضلا عن أعضائه أيضا».

رابعًا: كما أن هذه الجماعة ليست تنظيمًا أو مؤسسة مصرية.. وإنما هى فرعًا، أو الفرع الأساسى، لتنظيم دولى والتنظيم الدولى للإخوان، الذى له قيادة خاصة يشارك فيها قيادات إخوانية غير مصرية، وله فروع فى عدد من الدول العربية وغير العربية، فى أوربا وآسيا وإفريقيا.. وهذا وضع شاذ لا يمكن القبول به.. فكيف نسمح لجماعة هى فرع لتنظيم دولى أن تمارس دورًا سياسيًا أو تدمج فى العملية السياسية المصرية؟! فهذا التنظيم الدولى للإخوان لن يراعى فقط المصالح المصرية، وإنما سوف يراعى مصالح تتجاوز هذه المصالح، وقد تتعارض وتتناقض معها.. وهذا خبرناه من قبل عندما قال لنا جهرًا المرشد السابق للجماعة «طظ فى مصر» وعندما قال أيضا إنه لا يمانع أن يحكم مصر باكستانى أو ماليزى أى أجنبى غير مصرى.. فهذه الجماعة لا تؤمن بالوطنية المصرية، وبالتالى لا تحرص على المصالح الوطنية لمصر ولا على كيان دولتها الوطنية، لأنها تؤمن بدولة الخلافة الإسلامية التى يسيطر عليها التنظيم الدولى للإخوان.. ولعل هذا ما يبررون به استعدادهم للتفريط فى أرض مصر، وتحديدا مساحة من أرض سيناء لتوطين الفلسطينيين فيها.

خامسًا: ثم أن لدينا خبرة تاريخية تراكمت عبر الزمن أن هؤلاء الإخوان ليسوا صادقين ولا يتغيرون ولا يراجعون أفكارهم أو يتنازلون عما غرسه فيهم مؤسس جماعتهم حسن البنا.. فقد سبق أن تصالحنا معهم داخل مصر أكثر من مرة وسمحنا لجماعتهم بالعمل والنشاط ومع ذلك لم ينبذوا العنف ولم يتوقفوا عن التآمر ضدنا واستمروا فى تنفيذ خطتهم الخاصة بالتمكين.. أى خطة السيطرة على المجتمع ومرافقه ومؤسساته المختلفة، حدث ذلك بعد حل جماعته للمرة الأولى بعد أن قاموا بممارسة عنف واسع بمصر وتورطوا فى قتل السردار والنقراشى وأحمد ماهر، وحدث أيضًا بعد حل جماعته للمرة الثانية، بعد أن تورطوا فى محاولة اغتيال عبد الناصر واستعدوا لممارسة عنف واسع وقتها.. ففى المرة الأولى استثمر الإخوان السماح لجماعتهم بالعمل فى اختراق مؤسسات الدولة، ومن بينها القوات المسلحة وحاولوا بكل قوة فرض وصايتهم على تنظيم الضباط الأحرار ثم بعد نجاحهم فى الوصول إلى الحكم فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ سعوا إلى أن يسلموهم الحكم عندما طالبوا إلا تصدر حكومة الثورة قرارًا إلا بعد العودة إلى قيادة الجماعة واستئذانها.. أما فى المرة الثانية عندما أخرجهم السادات من السجون وسمح لهم بالعمل والنشاط مجددا فقد اخترقوا معظم النقابات المهنية وفرضوا سيطرتهم عليها، وفرضوا أيضًا وجودهم على المؤسسة التشريعية واخترقوا المؤسسات الإعلامية والصحفية ومنظمات المجتمع المدنى، وعددا من الأحزاب السياسية كان أبرزها حزب العمل «الاشتراكى»، الذى أسسه المهندس إبراهيم شكرى!.. وفى كلتا المرتين - وهذا هو الأكثر خطورة - سعى الإخوان إلى إعادة إحياء تنظيمهم المسلح، الذى ابتدعه مؤسس جماعتهم حسن البنا ليمارس العنف والقتل والتفجير والتخريب فى المجتمع.

فهل بعد هذه الخبرة المريرة والمرة مع الإخوان نعود لمنحهم مجددا فرصة أن يمسكوا برقابنا ويخنقوا مجتمعنا ويسيطروا عليه ويرتكبوا جرائمهم، التى لم تتوقف منذ اليوم الأول لتأسيس جماعته؟!.. هل نحن مغرمون أن نلدغ من ذات الحجر أكثر من مرة.. أم نحن غافلون إلى درجة فظيعة وكبيرة تجعلنا لا نعى وقاية أنفسنا من شرور جماعة فاشية تاريخها أسود حافل بالجرائم.. جرائم العنف.. وجرائم الفساد.. وجرائم التفريط فى أمن ومصالح وأراضى البلاد.

انتبهوا أيها الغافلون حتى لا تقودوننا مرة أخرى إلى التهلكة وبأيدينا.. انتبهوا حتى لا تمكنوا الإخوان من التحكم فى مجتمعنا والسيطرة عليه، ومن سلبنا هويتنا الوطنية وتقويض كيان دولتنا الوطنية، أعرق دولة فى تاريخ البشر.

انتبهوا لأنكم بذلك تهدرون كل التضحيات، التى قدمها هذا الشعب من أجل التخلص من حكم فاشى مستبد وفاشل، ومن أجل حماية أرضه وأمنه وهويته الوطنية وكيان دولته الوطنية.. ولأنكم بذلك تضرون الرئيس السيسى، الذى اكتسب شرعيته من شجاعته فى التصدى لهذا الحكم الفاشى المستبد، وساعدنا على التخلص منه.