مصطفى السيد:
حرب الاستنزاف مرحلة افتتاحية لنصر أكتوبر.. والجندي المصري كلمة السر
عبد النبي:
الاستعداد لحرب أكتوبر جرى على 5 محاور
6 سنوات
فاصلة مرت بين احتلال سيناء بعد نكسة 1967 حتى بدء معركة التحرير في 6 أكتوبر
1973، ليصبح الجيل الذي تلقى الهزيمة هو ذاته الجيل صانع النصر، فجرت عملية
الاستعداد لاسترداد الأرض والكرامة على عدة محاور شملت إعادة بناء الجيش المصري وتحديث
تسليحه والتدريب على تكتيكات العبور وتنفيذ الخداع الاستراتيجي.
وكشف
خبراء عسكريون أن هذا الاستعداد بدأ بعد وقوع النكسة فكانت حرب الاستنزاف هي المرحلة
الافتتاحية لحرب أكتوبر وجرى خلال تلك الفترة عملية الاستعداد شملت إعداد الدولة
للدفاع سياسيا واجتماعيا وإعلاميا وتهيئة المناخ السياسي الإقليمي والدولي لتقبل
الحرب وتنفيذ الخداع
الإستراتيجي بخطة متكاملة، مؤكدين أن أبرز عوامل نجاح حرب أكتوبر هو تحقيق
المفاجأة على المستوى الاستراتيجي والمفاجأة
التكتيكية والتي تجسدت في المقاتل المصري.
حرب
الاستنزاف
قال اللواء مصطفى كامل السيد، رئيس
عمليات سلاح الصاعقة خلال حرب أكتوبر، إن هزيمة 1967 وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر
هي كتلة واحدة لا تتجزأ، مضيفا أن الهزيمة أدت إلى تنفيذ حرب الاستنزاف والتي كان لها
أهداف محددة نابعة من رؤية استراتيجية للقائد السياسي آنذاك الرئيس جمال عبد الناصر
تقوم على جملة بسيطة يتفهمها الجميع وهي ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"،
ورسالة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
وأوضح في تصريح لـ"الهلال اليوم"،
أن الشعب المصري اعتقد اعتقادا راسخا أن هناك حربا قادمة لاسترداد الأرض والكرامة المصرية،
مضيفا أن تلك المرحلة كان أول أهدافها استعادة الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، وإعادة
تسليحها بـأسلحة مناسبة لتواجه العدو، والتخطيط الاستراتيجي لإدارة عملية هجومية.
وأضاف السيد أن حرب الاستنزاف أدت مهامها
وكانت المرحلة الافتتاحية لحرب 1973، مؤكدا أن التخطيط للحرب جاء متناسقا من حيث الإعداد
لمسرح للحرب وإعادة توزيع القوات وإعادة أخذ المرابط للمدفعيات والأسلحة الثقيلة ونشر
الأسلحة الجوية في المطارات المختلفة، وبعدها بدأ الخداع الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي.
وأشار إلى أن الخداع على هذه المستويات
نجح ولم يدركه العدو على الإطلاق، حتى إنه قبل العملية بـ24 ساعة أرسل الرئيس الراحل
أنور السادات الدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية آنذاك لواشنطن للقاء المسئولين
لبحث الحل السلمي لاحتلال سيناء، كإحدى أدوات خطة خداعية منسقة على درجة كبيرة من الدقة
والتطبيق التنفيذ.
وأكد أن الاختيار الدقيق لتوقيت الاقتحام
في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا جاء لأسباب محددة، حيث اعتادت الجيوش بدء الحرب
إما مع أول ضوء أو مع آخر ضوء، لكن وسط النهار كانت خطوة غير معتادة، موضحا أن من بين
أسباب اختيار ذلك التوقيت تمركز القوات الإسرائيلية
في شرق القناة والمصرية في الغرب، فإذا بدأ
الهجوم أول النهار ستكون الشمس مواجهة للقوات المصرية فستكون نقاطا واضحة للنيران الإسرائيلية.
وأشار إلى أن المقدم صلاح نحل المسئول
عن تحديد التوقيتات استمر لسنة كاملة يدرس المد والجذر في قناة السويس على الطبيعة،
لاختيار الوقت المناسب الذي تصل فيه المياه إلى سطح الأرض لأن الفارق كان قد يصل لـ
6 أمتار ما يعيق عملية العبور، مؤكدا أن الضربة الجوية خطط لها أن تقوم بمهامها في
وسط الضوء وتعود ولا يستطيع العدو الإسرائيلي أن يتابعها فكانت الفترة بين الثانية
ظهرا ونهاية اليوم كافية لوصول الطيران وضرب الأهداف الاستراتيجية.
وألمح السيد إلى أن 90 ألف جندي نجحوا
في عبور قناة السويس وهو النصف الأول للجيش والجيوش الميدانية، أثناء ضرب المدفعية
، فكان 2226 مدفعا تضرب في آن واحد و228 طائرة تضرب الأهداف، مؤكدا أن هذا التنسيق
جسد صورة من صور احترافية القتال للقوات المصرية.
المقاتل المصري
وعن دور سلاح الصاعقة، أكد أن وحدات
الصاعقة هي إحدى وسائل نجاح حرب 73، لتمكنها من العبور واحتلال المواقع، مضيفا أن كل
الأسلحة كانت تكمل بعضها ولولا الجندي المصري وشجاعته ما كان لأي سلاح أن يؤدي مهمته،
فالجندي المصري نجح في تسلق الساتر الترابي الذ يبلغ ارتفاعه 22 مترا وهو يحمل أسلحته
وذخيرته، كما أن الإيمان والعقيدة دفعت الجنود للنجاح في الحرب فبعضهم خدم من سنة
1967 حتى 1973.
وتطرق السيد إلى دور اللواء الراحل
باقي زكي يوسف الذي رحل قبل شهرين والذي أنقذ القوات المصرية كلها واقترح فتح الثغرات
بضخ المياه بدلا من التفجير بالمفرقعات وغيرها لأنها ستأخذ وقتا.
وأكد أن نتائج حرب أكتوبر ليست عسكرية
فقط إنما سياسية فكانت نقطة تحول في النظام الدولي القائم آنذاك، كما بدأت بعدها عمليات
تفكيك التضامن العربي بعد الموقف الذي قاده الملك السعودي الراحل فيصل بمنع إمداد الغرب
والولايات المتحدة بأي قطرة نفط، ما جعل الغرب يفكر في إحداث تفكيك في الكيانات العربية
فوقعت الأحداث لتدمير سوريا وليبيا والعراق وغيرها.
وأكد اللواء مصطفى السيد أن حرب 6 أكتوبر
وثورة 30 يونيو أنقذا مصر وأفسدا هذه المخططات من القوى الغربية والإقليمية.
5 محاور
ومن جانبه، قال
اللواء أركان حرب أحمد يوسف عبد النبي، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية والمستشار
الحالي بها، إن هناك مجموعة من المحاور عملت عليها الدولة للاستعداد لحرب أكتوبر
عام 1973، أولها إعادة بناء الجيش المصري بعد نكسة عام 1967 بتسليح القوات الجوية
وتحديث منظومات التسليح بالقوات البرية والبحرية والمشاة والأفرع الرئيسية وإعادة
هيكلة قوات الدفاع الجوي وتطوير حائط الصواريخ المصرية مما حمى القوات المسلحة
أثناء عملية العبور.
وأوضح في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن المحور
الثاني إعداد الدولة للدفاع سياسيا واجتماعيا وإعلاميا ولوجيستيا لتتعاون كل
المؤسسات وتساهم في الحرب منها تجهيز المستشفيات وتجهيزات هندسية لمسرح
العمليات وتحديد مصادر للإمداد المستمر بمواد الإعاشة، وكذلك الإعداد المعنوي
للشعب المصري لمشاركة أولادها في الحرب لتقف كل المؤسسات خلف الدولة.
وأشار عبد النبي إلى أن المحور الثالث هو تهيئة المناخ
السياسي الإقليمي والدولي لتقبل الحرب أن الأرض المصرية محتلة ونفذت كل السبل
السياسية والإجراءات السلمية لاستردادها وليس أمام مصر إلا بالعمل العسكري، وتداول
ذلك في المؤتمرات والمحافل الدولية لإعداد المناخ السياسي.
وأضاف أن المحور الرابع هو إعداد القوات المسلحة تدريبيا
وعملياتيا على خطة الحرب، فجرى تدريب كل الأفرع بالقوات المسلحة على أساليب الحرب
وتكتيكات الخطة الموضوعة، فجرى وضع أفكار وبدائل وسيناريوهات للحرب، مشيرا إلى أن
المحور الخامس هو الخداع الاستراتيجي بخطة متكاملة.
عوامل النجاح
وأكد أن أهم عوامل نجاح حرب أكتوبر هو تحقيق المفاجأة
على المستوى الاستراتيجي من خلال خطة خداع في غاية الدقة حققت المفاجأة
الاستراتيجية، مضيفا أنه لم تكن إسرائيل تعلم حتى الساعات الأولى قبل العملية أن
مصر قادرة على دخول حرب فلم تكن مستعدة للحرب كحجم الاستعداد المصري.
وأشار إلى أن العامل الثاني هو المفاجأة التكتيكية والتي
تجسدت في المقاتل المصري فكان أعجوبة ليس لإسرائيل إنما لكل العالم والمدارس
العسكرية، حيث فوجئ كل العالم بقدرات المقاتل المصري المسلح بعزيمة وإرادة، ويمكنه
أن يقف بسلاح بسيط ويختفي خلف تبة صغيرة وينتظر دبابة العدو حتى تقترب من 300 أو
400 متر وهو أمر صعب في العلوم العسكرية.
وأضاف أن هذه العزيمة تجسدت أثناء عبوره للقناة وهو يعلم
أنها مجهزة لتتحول لكتلة من النار بقنابل النابلم وأنه معرض لقصفات المدفعية
الإسرائيلية أثناء العبور وأكمل مهمته بنجاح، مشيرا إلى أن التقديرات كانت تتوقع أثناء اقتحام الساتر الترابي خط
بارليف أن تصل الخسائر لـ60% أو 70% من القوات لكن الخسائر كانت طفيفة، فكان نجاح
عملية العبور هو الفيصل الرئيسي في الحرب.