وصف الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية انطلاق مؤتمر الإفتاء العالمي الأسبوع المقبل بأنه "حدث تاريخي" تجتمع فيه كلمة المفتيين للوفاء بفريضة التجديد الرشيد والاجتهاد في الجديد، فضلا عن أهمية انطلاقه من أرض الكنانة مصر.
وقال مفتي الجمهورية "إن المؤتمر يتناول عددا من المحاور المهمة، والتي يأتي في مقدمتها الأصول المنهجية في الفتوى، وأنه سيناقش تحت عنوان (دور الفتوى في استقرار المجتمعات) ماهية التجديد في الفتوى، حيث تحير الباحثون المعاصرون في قضية التجديد، وما هو المقصود من ذلك؟، وما هي مجالات التجديد بين الثابت والمتغير؟، وهل تستطيع الأمة أن تستكمل طريقها نحو الحضارة بلا تجديد للخطاب الديني، خاصة في مجال الفتوى".
وأضاف "ثم تأتي قضية أخرى فيما يتعلق بالمعايير المعتبرة عند العلماء فيمن يتصدى لشأن الفتوى، حيث تعالت الأصوات الآن بضرورة تقييد الفتوى في إطار تخصصي وعدم ترك الناس نهبا لكل من يرى في نفسه أهلية التصدر دون حسيب أو رقيب، مما نتج عنه أسوأ الأثر في إحداث دوامات من الفوضى العارمة تحت عنوان "فتاوى شرعية" صدرت من هواة غير متخصصين ولا فاهمين.. لذلك أصبحت مسألة الاهتمام بالمعايير أمرا لا يمكن إهماله مهما بذلت المؤسسات الدينية فيه من جهد وعطاء، حيث أنه في النهاية الضمانة الوحيدة لانضباط الفتوى وسلامتها".
وأوضح أنه سينبثق من نفس المحور السابق أيضا، تفعيل دور الاجتهاد الجماعي المؤسسي الذي يستند إلى مبدأ تضافر الجهود وتناغمها بين عدد من التخصصات التي تحتاج إليها الفتوى، خاصة مع تسارع حركة الحياة وتعقد الواقع حيث لم تعد الفتوى قاصرة على قضايا الطهارة والعبادات والأحوال الشخصية بل تعدى الأمر ليشمل قضايا السياسة والاقتصاد والاجتماع وكافة مناحي الحياة.
ولفت مفتي الجمهورية إلى التدقيق والتعمق في فهم الواقع لم يعد في قدرة مجتهد أو شخص واحد بصورة متكاملة ودقيقة، ومن ثم فإن اجتماع عدد من المتخصصين في تخصصات مختلفة تحت مظلة اجتهاد جماعي معاصر أصبح أمرا لا غني عنه ولا بديل، مبينا أنه في إطار ذلك اعتمدت أغلب دول العالم الإسلامي مبدأ الاجتهاد الجماعي في صورة مجامع فقهية أو هيئات لكبار العلماء أو دور للإفتاء، وكلها مؤسسات تعمل تحت عنوان (الاجتهاد الجماعي).
وبين مفتي الجمهورية أن المحور الثاني للمؤتمر سيتناول ضوابط الإفتاء في قضايا حقوق الإنسان، حيث تعالت أصوات مغرضة تربط بين انتهاكات حقوق الإنسان من الجماعات المتشددة، وخاصة في قضايا المرأة وحرية المعتقدات وحرية الممارسات والشعائر الدينية وحق التعبير وحرية الرأي في الإسلام.
وقال "إن هذا الربط المغلوط لم يأت إلا نتيجة للممارسات المتطرفة التي تمارسها الجماعات المتشددة من قتل وحرق وتدمير باسم الإسلام، ولم يميز البعض بقصد أو بغير قصد بين ممارسات هذه الجماعات الضالة وبين تعاليم الإسلام السمحة، كما أن عملية الاجتزاء المشوه لنصوص فقهية وتراثية قديمة انتزعت من سياقها التاريخي والإنساني والثقافي والحضاري لكي تحاكم إلى مفاهيم حقوق الإنسان والحريات في القرن الـ20عشرين، تسبب في تشويه التراث الفقهي، ومن ثم فإن ضبط الفتوى وفق معايير حقوق الإنسان أصبح أمرا في غاية الأهمية والضرورة".
وأضاف أن المحور الثالث سيتناول ضوابط الإفتاء في المستجدات الطبية المعاصرة، حيث تنتشر الآن كثير من القضايا الطبية التي تحتاج إلى اجتهاد معاصر كمسألة القتل الرحيم والموت الدماغي ومفهوم الحياة والموت في الإسلام وقضية حقوق الجنين وتقنية استخدام الخلايا الجذعية في علاج الأمراض المستعصية وقضايا الهندسة الوراثية، وذلك حيث تتنازع هذه القضايا خلافات فقهية حادة بين المعايير المعاصرة ومعايير الدين والأخلاق التي لا تتعارض مع تحقيق الصحة والسلامة للناس.. وفي نفس الوقت تتقيد بالضوابط والثوابت الشرعية التي أنزلها الله في كتابه، خاصة في أخطر القضايا المتعلقة بمسألة الحياة والموت وفلسفتهما في الإسلام.
ونوه إلى أن المؤتمر سيناقش في محوره الرابع ضوابط الإفتاء في المستجدات الاقتصادية المعاصرة، حيث تطورت المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد وأصبح العالم الاقتصادي حول العالم شبكة مترابطة من البنوك والمؤسسات والبورصات والشركات العابرة للقارات، وأصبح الاقتصاد الإسلامي جزء لا ينفك عن منظومة الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى أنه نشأت أنواع من المعاملات الحديثة المرتبطة بكثرة وشيوع أنماط وصور جديدة للتعامل عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، كالتسويق الشبكي ومعاملة الفوركس وتدوال الأوراق المالية، وكذلك أصبحت قضية المعاملات المالية بين الفقه التراثي والفقه المعاصر من أهم القضايا التي تحتاج إلى بحث.. إلى غير ذلك من القضايا الاقتصادية الحديثة التي يطرحها المؤتمر ويناقشها من خلال أبحاث علمية معمقة لعدد من المتخصصين في مجالي الاقتصاد والشريعة.
واختتم مفتي الجمهورية تصريحه، بالإشارة إلى أن المحور الخامس للمؤتمر سيتناول ضوابط الإفتاء في قضايا الشأن العام والدولة، والتي تشتمل على مفهوم الدولة في الإسلام وعلاقته بالفتوى، فضلا عن قواعد الإفتاء في القضايا السياسة وشؤون الدولة، والإفتاء ودعم الاستقرار في أمور الدولة، وتأثير فتاوى الإسلام السياسي على مسارات الأمن، وكذلك قضية الإسلام والعلاقات الدولية.
ومن المقرر أن يشارك في مؤتمر الإفتاء العالمي الأسبوع المقبل، وزراء أوقاف ومفتون وممثلون للجاليات الإسلامية من مختلف دول العالم، وذلك على مدار ثلاثة أيام.