الجمعة 24 مايو 2024

رغم جهودهن داخل البيت وخارجه .. التقصير .. تهمة الأمهات العاملات

25-3-2017 | 10:51

تحقيق : نجلاء أبوزيد

"استيقظ أحيانا من نومي أسال نفسي هل أنا مقصرة في حق أولادى، وهل يشعرون بحبي لهم مع انشغالي عنهم أحيانا؟ هل أنا مقصرة في حقوقهم؟ إلى متى ستظل الضغوط تحاصرني لأثبت أن عملي لم يؤثر على اهتمامى بأسرتى؟ لا أجد إجابات واضحة فأضع جدولا لنظامي لكنى سريعا ما أعود للنوم هربا من مشاعر تقصير ظالمة تطاردني".

كانت هذه أحاسيس أم عاملة يطاردها بين الحين والآخر إحساس التقصير تجاه أولادها، يؤلمها ويعكر يومها، لكن سرعان ما يختفي ذلك الشعور ببذلها المزيد من الجهد تجاه أولادها لتشعر براحة الضمير.

حول تجارب وأحاسيس الأمهات العاملات بين التقصير والرضا كان هذا التحقيق.

فى البداية تقول هدى مدرس مساعد بإحدى الجامعات: أبكي كل ليلة لشعوري بالتقصير في حق أولادى وليس هذا بسبب عملي في الجامعة فقط لكن لمرافقتي لوالدتي في المستشفيات، اتركهم أحيانا وقت الامتحانات ولا أتابعهم ولكن عندما أتواجد أحاول إسعادهم بشتى الطرق وأطلب منهم مسامحتي لأن ذلك يحدث دون إرادتى، والحمد لله هم متفوقين ويتم تكريمهم في المدرسة لكنى أشعر أني مقصرة فالضغوط كثيرة جدا.

وتختلف معها سهى نبيل مهندسة ديكور قائلة: بصراحة أشعر أنى مقصرة تجاه نفسي فأنا أعمل أساسا لأجلهم وحريصة على التواجد معهم في كل مناسباتهم، وأحكي لهم عن عملي، وأذهب بهم للتدريبات بعد الغداء، هناك خوف دائم داخل كل امرأة عاملة يدفعها لبذل مجهود أكبر تجاه أولادها وتنسى نفسها، مشكلتى أنهم دائما يرونني مرهقة وعندهم إحساس أنهم السبب لكنها ضغوط الحياة، الحمد لله دائما يحاولون إسعادى ويعبرون عن حبهم وتقديرهم لتعبي في تفوقهم الدراسي بعمل رسومات يشكرونني فيها، لذا لا أشعر بأي تقصير لأننى مطحونة بينهم هم والشغل.

أما السيدة إيمان حمدي موظفة فتنفى وجود أى شعور بالتقصير تجاه أولادها قائلة: طبيعة عملي وتنازلي عن الإضافى وعودتي لهم مبكرا يجعلني لا أشعر بالتقصير وفى أى أجازة لأولادى آخذهم لأى مكان يريدونه، وإذا مرض أحدهم آخذ أجازة فورا،  لذلك لا تراودنى مشاعر التقصير حتى خلال وجودهم في الحضانة لأنها أفادتهم وجعلتهم اجتماعيين.

ألوم نفسي

تقول إيمان على مديرة علاقات عامة: مشاعر التقصير تحاصرني فأنا مقسمة بين أولادى وزوجي وعملي، ولا أنسى أبدا كيف كنت أحمل ابنتي الكبرى في عز الشتاء للذهاب بها للحضانة داخل عملى، طوال الوقت أشعر بالتقصير وأحاول التعويض،  حالة مقلقة كل شيء يضغط على أعصابى إذا لم أذاكر مع ابني قبل الامتحان وأخذ درجات سيئة أشعر بالذنب، أفكر دائما في وضع حلول لكنها لا تنفذ، فالمرأة العاملة مقصرة جدا في كل شيء خاصة نفسها ولا تستطيع أخذ قرار بالانسحاب لأنها اعتادت القيام بكل الأدوار.

أم الأبطال الصغار

لم يفارق الإحساس بالتقصير مها عبد الرحيم مديرة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بجامعة حلوان، بسبب إدخال أبنائها الحضانة فى سن مبكرة، وترى أن وقتها مقسم بين عملها وأولادها وتدريباتهم فى النادى ورغم ذلك الإحساس لكنها تعترف أن الحضانة ساعدتهم على النطق مبكرا فتقول: أولادى أبطال على مستوى الجمهورية فى لعبة الكاراتيه ولا أتركهم فهم في مقدمة أولوياتى لكنني أجتهد في تنظيم وقتي ولو على حساب نفسي، فالتعب يهون ودائما أشعر بالرضى عن رعايتي لهم لكن لو درجات أحدهم انخفضت يأتيني الشعور بالذنب وأعتبره جرس إنذار حتى يعود لمستواه لكنى مقصرة في حق نفسي ليكون كل شيء تمام في العمل والبيت.

ضغوط الحياة

أما مروة كمال إعلامية، فترى أن تربية الأولاد مسئولية مشتركة بين الأبوين، وترفض فكرة أن المرأة هى المسئولة الأولى والأخيرة عن تربيتهم والاهتمام بشئونهم قائلة: أكيد في تقصير لأن المجتمع يعاملنا بفكرة أن المرأة وحدها هي المسئولة والراجل "شايل" إيده لكنى أحاول التعويض بالاتصال بهم طوال الوقت وتنظيم رحلات بشكل مستمر لأفراد الأسرة، وفى صغرهم كنت أمنحهم وقتا أكبر من العمل لأنهم غير قادرين على تحمل مسئولية أنفسهم، لكنهم الآن يشجعونني على النجاح في العمل ولنا "قعدة" صراحة شهرية نتعاتب فيها ودائما تنتهي باتهامي إنى مقصرة ووعد منى بالمزيد من الاهتمام  والحمد لله أنهم متفهمين ضغوط الحياة ومتطلباتها.

شعور خادع

"شعور التقصير جعلني أترك عملي" هكذا بدأت المهندسة آمال حديثها وتابعت: "كنت أعمل بإحدى شركات القطاع الخاص وأعود متأخرة وشعرت بعد إدخال ابنتي الكبرى الحضانة أنى حزينة، وزاد حزني والشعور بتقصيري بسبب تعليقات أمى وحماتي كلما مرضت بأن الحضانة السبب لهذا تركت عملي وأنجبت طفلة أخرى وكبرت البنات وأصبحت نادمة لأننى بدلا من البحث عن عمل أخف حتى يكبروا تركت كل شيء، ولا أجد مكانا يقبلني الآن ولا أحد يقدر ما فعلته لدرجة أن ابنتي عندما أخبرها أنني تركت العمل بسببها تخبرني أننى مخطئة، بصراحة مشاعر التقصير ظالمة والاستسلام لها يضيع العمر، الأولاد بيكبروا والأوقات الصعبة بتمر لكن ترك كل شيء من أجلهم يجعل المرأة تندم أكثر".

مؤتمر أحوال الأسرة

أما عن النصائح التى تساعد الأمهات العاملات فى السيطرة على مشاعر التقصير التي تطاردهن فيقول د. عماد مخيمر، أستاذ علم النفس وخبير التنمية البشرية: تهاجم مشاعر التقصير المرأة العاملة بسبب ارتفاع سقف توقعاتها الأمومية والإنسانية عن الواقع فهي بالفطرة معطاءة ودائما تسعى لمنح المزيد، فقد أكدت الدراسات أن ارتباط الأم بأبنائها لا يكون بطول وقت التفاعل لكن بكثافته، والأم العاملة لديها إدراك لقيمة الوقت وكيفية إدارته لذا خوفا من التقصير تمنح الأولاد أكبر قدر من الحنان في الوقت المتبقي وتحرص على اشتراكهم في أنشطة وتتابع دروسهم.

وينصح مخيمر الأم التى تراودها مشاعر التقصير بتسجيل المطلوب منها كأم، والجهد الذى بذلته لتوفيره وبالإجابة على ذلك السؤال ستشعر أنها قامت بأكثر من المطلوب بالإضافة لضرورة حرص الأسرة على عقد مؤتمر شهري لمناقشة كل المواضيع التي تهم الأسرة وتوقعات الأبناء من الوالدين والعكس لتطمئن على رضى أولادها عن أدائها.

وأكد أستاذ علم النفس أن الشعور بالتقصير يدفع الأم لبذل المزيد من الجهد ولا يسبب الاكتئاب لكن يمنح الحنان لكل أفراد المنزل، لافتا إلى ضرورة دعم الزوج للأم لمنحها المزيد من الطاقة الإيجابية للاستمرار في العطاء، مشددا على أن تمنح الأم نفسها بين الحين والآخر قسطا من الراحة أو تفعل شيئا تحبه فهذا يشحن طاقتها وتعود كامل قدرتها على العطاء وتحمل الضغوط .