السبت 28 سبتمبر 2024

«سليت»: تنظيم داعش فقد السيطرة على أراضيه لكنه يستعد بالفعل لعودته

22-10-2018 | 12:17

 نشرت مجلة "سليت" مقالا لكولن بي. كلارك الخبير في مؤسسة راند الأمريكية والباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي جاء فيه أن تنظيم داعش قد فقد ما يقرب من 98% من الأراضي التي يسيطر عليها، ولكنه يمكن أن يبدأ عودته في عدة مناطق ذات غالبية سنية في العراق وسوريا. 

وقال الباحث إنه لابد للتنظيم أن يعرف مقدار الموارد المتاحة أمامه لتمويل الحرب وكذلك أيضا يجب عليه بحث قدرته على إيجاد مصادر جديدة للدخل. وقد اعتمد التنظيم حتى الآن بشكل أساسي على "أراضيه"، وخاصة في المدن والمعاقل الحضرية التي كان يسيطر عليها، حيث جمع مليارات الدولارات من خلال الابتزاز وجباية الضرائب وسرقة وبيع النفط المهرب. لكن تنظيم داعش قد أظهر أنه أيضا قادر على كسب المال بدون السيطرة على مناطق كبيرة.

وفي عام 2015، وهي فترة تمثل ذروة التنظيم الإقليمية، جمع داعش ما يقرب من ستة مليارات دولار ما بين الأصول والميزانية؛ وكان داعش يمثل آنذاك أغنى مجموعة إرهابية في التاريخ، بفارق كبير. مما دفع الباحث لأن يطرح سؤالا وهو كيف تمكنت هذه المنظمة من جمع ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لدولة قومية؟ عندما كان داعش لا يزال يسيطر على مساحات من الأرض، حصل التنظيم على ثلاثة مصادر رئيسية للدخل: النفط والغاز (حوالي 500 مليون في عام 2015، حصل عليها بصورة رئيسية من خلال المبيعات الداخلية) وكذلك جرائم الابتزاز وجباية والضرائب (حوالي 360 مليون دولار في نفس الفترة) وعمليات النهب في الموصل في عام 2014، وقد شهدت سرقة ما يقرب من 500 مليون دولار من خزائن بنوك المدينة.


والآن فقد تنظيم داعش غالبية الأراضي التي كان يسيطر عليها بعد أن وصلت مساحتها إلى حجم مماثل لبريطانيا. ويحاول التنظيم الآن البقاء على قيد الحياة بطريقة أو بأخرى، بعد أن تمت محاصرته في معاقله في وادي الفرات.

ونجح التحالف الدولي في تدمير دولة داعش الإرهابية الوليدة في منطقة الشرق الأوسط وتحطيم طموحات زعيمها أبو بكر البغدادي، الذي كان يحلم بإقامة خلافة إسلامية في قلب المنطقة. وهكذا حرم داعش من الوصول إلى الأراضي. وبالتالي فأن الأموال القادمة من الضرائب والابتزاز والنفط بالتالي تقلصت إلى حد كبير، ويتم استنزاف تمويل المنظمة اليوم.


وأضاف الخبير في مؤسسة راند الأمريكية كولن بي. كلارك أنه نلاحظ، مع ذلك، أن بقاء التنظيم الاقتصادي لم يعد يعتمد مباشرة على أراضيه.

 فقد نجح قادته الباقون على قيد الحياة في إخراج نحو 400 مليون دولار من العراق وسوريا. وتسعى شبكة المنظمة الواسعة إلى غسيل هذه الأموال من خلال شركات وهمية في المنطقة، بما في ذلك داخل تركيا. وكذلك يمكن تحويل بعض من الأموال السائلة إلى ذهب، وتخزينها لإعادة بيعها في وقت لاحق.

بالتأكيد أصبح تنظيم داعش يجمع أموالا أقل بكثير مقارنة بالفترات السابقة، ولكن نفقاته أيضا أصبحت أقل بفارق كبير عما كانت عليه قبل عام واحد فقط. فقد أدى سقوط مؤسساته شبه الحكومية إلى وضع نهاية للإنفاق على الصحة والتعليم ورواتب موظفي البلديات وخلق الوظائف العامة (لجمع النفايات والصرف الصحي). وهكذا فقد شهدت ميزانية داعش للتشغيل انخفاضا كبيرا. وبالتالي فإن الأموال التي جمعت تسمح للمنظمة بالبقاء على قيد الحياة. وستعود لتكون مجموعة إرهابية سرية، قادرة على قيادة حملة حرب العصابات طويلة الأمد على الأراضي العراقية والسورية.

وأضافت مجلة "سليت" أن تنظيم داعش يمتلك أيضا أصولا مالية فعلية ومحفظة تمويل متنوعة. كما تعلم التنظيم أيضا جمع الأموال من خلال تنفيذ مجموعة واسعة من الجرائم منها الابتزاز والخطف مقابل فدية والسطو والسرقات وتهريب المخدرات وتجارة الآثار. والكثير من هذه الجرائم يمكن القيام بها دون السيطرة على أراضي، ولكن تمثل خطرا فرديا على الجهاديين المتورطين فيها، حيث يمكن نظريا القاء القبض عليهم بالجرم المشهود. ولكن خطر تعرضهم للاعتقال ضئيل: فحتى الآن في العراق وسوريا، لم تنجح قوات الأمن والشرطة في منع الجرائم المنظمة الكبيرة.

 وسوف يقوم تنظيم داعش أيضا قريبا بتنشيط مصادر الدخل التي أوقفها، من خلال اتخاذ قرار على سبيل المثال بابتزاز الأشخاص الذين يعيشون على هامش المناطق التي تسيطر عليها الحكومتان العراقية والسورية. وخلال سنوات سيطرتهم الإقليمية جمع أعضاء التنظيم بدقة البيانات الشخصية لسكان المنطقة والمتعلقة بالأصول التي يمتلكونها ودخولهم وعناوين أفراد الأسرة، وهذه المعلومات الهامة تعد وسائل ضغط يستخدمها التنظيم سواء لتخويف المدنيين وابتزازهم وكذلك ملء خزائنها بالمال في نفس الوقت.

وبالإضافة إلى الابتزاز الصريح، فإن تنظيم داعش يقوم أيضا بابتزاز المسئولين عن إعادة بناء الموصل (من بين غيرها من المدن المدمرة)، من دون السيطرة على أي أراضي فعلية. وقد نجح بالفعل أسلافه من (تنظيم القاعدة في العراق) في ابتزاز شركات المقاولات وغيرها من الكيانات لإعادة بناء البلدات والقرى التي دمرتها سنوات القتال الطائفي في العراق؛ إلا أن هذه الجماعات لم تسيطر أبدا على أرض تقترب من حجم تنظيم داعش. وبين عامي 2006 و 2009، تمكنت هذه الجماعات من جمع أموال كبيرة عن طريق ابتزاز شبكات توزيع النفط المحلية والإقليمية.

وأشارت مجلة سليت أنه يمكن لتنظيم داعش أن يقوم بتكرار عملية ابتزاز شركات إعادة الإعمار في المنطقة خلال السنوات القليلة القادمة، حيث يحاول المجتمع الدولي مساعدة العراق وسوريا على التعافي بعد عقد من الحرب الأهلية. 

وعلق الباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي كولن بي. كلارك قائلا أن تقديم المساعدة فيما يتعلق بإعادة إعمار المناطق السورية والعراقية المتضررة من النزاع هي مهمة نبيلة، ولكنها قد تكون أيضا هدفا رئيسيا لداعش، ويمكنها في نهاية المطاف تمويل عودته على الساحة. وذلك لأن التنظيم يستطيع بالفعل العودة بقوة، حتى من دون السيطرة على مناطق شاسعة. ويمكن لداعش بسهولة باختلاس الأموال من عقود إعادة الإعمار؛ فسيكون عليه فقط أن يقيم صلات مع السلطات المحلية المسئولة عن مواقع البناء قبل أن يقوم باشراك وكلائه في خط الإنتاج، للحصول على مبالغ مختلفة من المال. وسوف يضمن الوكلاء أن يكتمل المشروع بشكل جيد، مقابل سعر أكبر من المبلغ المعلن (للتعويض عن الأموال التي اختلستها المنظمة).

ولا يزال تنظيم داعش يبحث عن مناطق يسيطر عليها. وهو يسعى الآن لاستعادة السيطرة على الموارد النفطية لمنطقة دير الزور قبل الهجوم الوشيك للقوات الديمقراطية السورية. ووفقا لتقرير صادر عن مجلس الأمن في يوليو، فقد استعاد التنظيم السيطرة على حقول النفط في شمال شرق سوريا واستمر في استخراج النفط من المنطقة؛ الذي يستخدمه جنوده ويقومون ببيعه للسكان المحليين. ومن المؤكد أن هذه الحقول سوف تستأنف عملها عاجلا أو آجلا بمساعدة الجيش الأمريكي، لكن داعش سوف يكتفي ببساطة بالقيام بالأنشطة الإجرامية التي يمكن أن ينفذها دون السيطرة على أراضي.

 وتابعت مجلة سليت قائلة أن تنظيم داعش أصبح يملك موارد ووسائل تمكنه من جمع أموال يستخدمها في المستقبل، مما يسمح له بإعادة هيكلة نفسه وإعادة تنظيم صفوفه؛ وهذه ظاهرة يمكن ملاحظتها بالفعل في عدة مناطق في العراق وسوريا. فقد قام مقاتلو التنظيم ببناء نقاط تفتيش مزيفة في جميع أنحاء محافظة كركوك في شمال العراق. وكان هدفهم هو نصب الكمائن لقوات الأمن العراقية العاملة في المنطقة في وقت مبكر من العام. وفي أجزاء أخرى من البلاد (بما في محافظتي ديالى وصلاح الدين) توجد خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش تقوم بعمليات مراقبة واستطلاع لتحديد أفضل مسار للعمل قبل الانتقال إلى الخطوة التالية (إعادة تنظيم تشكيلات صغيرة من المقاتلين). 

وبالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من موجات القصف الأمريكي ، ما زالت هناك جيوب للجهاديين تختبئ في مدينة هجين، شمال البوكمال، وفي مدينة الدشيشة السوريتين.


واختتم الباحث مقاله قائلا أن الغرب يميل إلى رؤية المعركة ضد تنظيم داعش كسلسلة متعاقبة من المراحل المتقطعة الصغيرة التي تبدأ وتنتهي بالمدد الرئاسية وتقلبات السياسة الخارجية. أما المتطرفون فلا يرون قتالهم بهذه الطريقة: فالأمر بالنسبة لهم حملة عسكرية واحدة، مستمرة منذ وقت مؤسس التنظيم، أبو مصعب الزرقاوي. وما دامت الولايات المتحدة وحلفاؤها غير مدركين لهذه الحقيقة البسيطة، سيواصل داعش بالتأكيد الاعتماد على استراتيجيته المعتادة. سوف يتحرك في الظل قبل أن يعاود الظهور بقوة، دون أن يتوقف حتى تسحب الولايات المتحدة قواتها من البلاد أو حتى تتمكن المنظمة الإرهابية من استعادة ما يكفي من الأراضي لإحياء المرحلة التالية من مشروع الخلافة.