الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، صارت جزءا لايتجزأ من التراث الشعبى المصري، وظلت الغالبية العظمى من الشعب المصري متمسكة باقامة هذه الاحتفالية، ولاتعبأ بجدل المثقفين، حيث يتم توزيع حلوى المولد التى تاخذ اشكالا وصورا مختلفة عن غيرها من انواع الحلويات.
ويعتقد الرافضون للاحتفالات الشعبية بالمولد النبوي الشريف ، الذي يوافق الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري ، انها بدعة لم تكن معروفة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين، ولو كانت من النوافل او القربات لكان الخلفاء او الصحابة الاوائل قد سبقونا اليها. ويقول اصحاب هذا الراى إنه لا ينبغى أن تتحول أفراحنا الدينية إلى مجرد غناء وفولكلور وطعام وشراب وننسى جوهر المناسبة وهو الاقتداء بأخلاق النبى واتباع هديه وسنته.
أما المؤيدون للاحتفال بالمولد النبوى الشريف فيرون انها من علامات حب النبى صلى الله عليه وسلم لأن مولده خير ورحمة ونور لنا وللإنسانية قاطبة، وانها وان كانت "بدعة" فهى "بدعة حسنة"، بشرط أن لا تنتهك الحرمات ولا ترتكب المنكرات، وأن نتدارس سيرته العطرة ونتأسى بتعليماته واخلاقه.
ويرى أصحاب هذا الراي أن المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى مثل هذه المناسبة التى تذكرهم بالنبى صلى الله عليه وسلم ومراجعة سيرته العطرة والتأسى باخلاقه العظيمة خاصة مع كثرة الفتن وتعقيدات الحياة ومشاكلها التى تلهى المسلم عن كثير من واجباته الدينية والاجتماعية.
ويؤكد كثير من المشايخ والعلماء ان الاحتفال بادخال السرور على الناس من خلال اناشيد المديح للنبى صلى الله عليه وسلم وشراء اطايب الحلوى والطعام جائز شرعا، لأن الأصل في الأشياء هو "الحل"، وربط الحلوى والمديح بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم يرسخ في أذهان العامة والبسطاء والأطفال مشاعر جميلة فياضة تزيد من محبته في نفوسهم وتوقيره وتعظيمه.
ويحذر العلماء من استغلال المناسبة والمتاجرة بها لتحقيق مكاسب ومغانم شخصية أو نشر عادات وسلوكيات سيئة وارتكاب مخالفات ومعاصى تغضب الله سبحانه وتعالى، مشيرين الى ان ذنب مرتكب مثل هذه المخالفات يكون اعظم لانه استغل مناسبة دينية.
وتقام السرادقات الكبيرة كل عام في شهر المولد النبوي حول المساجد والميادين فى جميع أنحاء مصر، خاصة فى مساجد أولياء الله والصالحين كمسجد الإمام الحسين والسيدة زينب بالقاهرة، ومن مظاهر الاحتفال، القاء المنشدين أناشيد لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويتم توزيع الحلوى واﻷطعمة على الفقراء واﻷهالى وأطفالهم، ومن أهم مظاهر الأحتفال شراء حلوى المولد والتى تكتسى اشكالا وصورا خاصة عند المصريين.
يذكر ان الفاطميين هم أول من صنعوا العروس من الحلوى فى المولد النبوى الشريف، وكانت تجمل بالأصباغ، ويداها توضعان فى خصرها وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها، ومنذ ذلك الحين أصبحت الحلوى من المظاهر التى ينفرد بها المولد النبوى الشريف فى مصر، حيث تنتشر فى جميع محال الحلوى والشوادر التى تعرض فيها ألوان عدة من الحلويات المميزة، إلى جانب لعب الأطفال "عروس المولد للبنات"، والحصان أو الجمل للأولاد، ولذلك تعتبر مظهرا أساسيا للاحتفال بالمولد.
وهناك عدة روايات حول تاريخ حلوى المولد في مصر، من بينها: أن الخليفة الفاطمى، كان يشجع جنوده المنتصرين على أعدائه بتزويجهم بعروس جميلة، وأصبحت عادة وقت احتفالات النصر كل عام أن يقوم ديوان الحلوى التابع للخليفة بصناعة عرائس جميلة من الحلوى، لتقديمها كهدايا إلى القادة المنتصرين وإلى عامة الشعب والأطفال.
وهناك رواية أخرى تقول، إن الحاكم بأمر الله، كان يحرص على أن تخرج إحدى زوجاته معه فى يوم المولد النبوى، فظهرت فى الموكب بثوب ناصع البياض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صنّاع الحلوى برسم الأميرة والحاكم فى قالب الحلوى على هيئة عروس جميلة، والحاكم تم صنعه فارسا يمتطى جوادا، بعد ذلك أمر الحاكم بأمر الله أن تتزامن أفراح الزواج وعقد القران مع مولد النبى صلى الله عليه وسلم، وهو ما فسر سر العروس التى تُصنع فى موسم المولد بشكلها المزركش وألوانها الجميلة.
ويقال إن الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الشباب على عقد قرانهم فى يوم المولد النبوى، ولذلك أبدع صناع الحلوى فى تشكيل عرائس المولد، وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر والتراث.
وفي عصرنا الحاضر، يحرص كثير من الشباب المصريين (حديثى الخطوبة او الزواج) على اهداء خطيبته أو زوجته عروس المولد وشرائها من أكبر المحلات، فضلا عن حلوى المولد، وتظل الزوجة تحتفظ بعروس المولد لسنين وربما حتى يراها اولادها واحفادها.