ألقى سامح شكرى وزير الخارجية، كلمته خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيرى للقمة العربية فى الأردن.
وجاء نص الكلمة كالتالى:
معالى الوزير أيمن الصفدى وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، معالى السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، أصحاب المعالى والسعادة..
وقال شكرى: يسعدنى بداية أن أتقدم باسم جمهورية مصر العربية بخالص الشكر والتقدير للمملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة حكومة وشعبا على استضافتها لأعمال الدورة الثامنة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، والاجتماعات التحضيرية لها فى الأردن، وعلى حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، كما أود أن أعرب أيضا عن خالص تقديرى للجهد الذى بذلته جمهورية موريتانيا الإسلامية الشقيقة فى قيادة وإنجاح الدورة السابقة للقمة.
وأضاف، لقد مرت أمتنا العربية بمنعطفات خطيرة وتحديات جسام خلال السنوات الأخيرة، كان لها تأثيرها على زعزعة الاستقرار ووضع العراقيل فى طريق الجهود الرامية، لتحقيق الأمن والتنمية فى المنطقة العربية، كما فتحت المجال أمام تدخلات سافرة ومصالح ضيقة لا ترى فى المنطقة وما تشهده من تفاعلات متلاحقة سوى فرصة لتقويض البناء العربى وعرقلة آليات عمله المشترك، واستنفار النعرات المذهبية والطائفية، على حساب الهوية الوطنية الجامعة، ودولة المواطنة الحديثة التى لا تميز بين مواطنيها بسبب عرق أو دين أو مذهب.
إلا أننى على يقين من قدرتنا على مواجهة هذه المخاطر بالانضواء جميعا تحت راية العروبة واستعادة روح التوافق والمصالحة، وإعطاء الأولوية القصوى للعمل المشترك فى الإطار العربى.
وأضاف الوزير، إننا نجتمع اليوم والقضية الفلسطينية لازالت تراوح مكانها، ولازالنا بعيدين عن تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. إن البديل لاستمرار هذا الجمود هو الفوضى والمزيد من السنوات الضائعة فى عمر المنطقة التى قد تتحول، بفعل اليأس وغياب الأمل فى سلام شامل وعادل يعيد الحقوق لأصحابها، إلى حاضنة للتطرف والإرهاب.
من هذا المنطلق، فإن مصر ملتزمة تماما بتحمل مسئولياتها التاريخية فى قيادة مسار السلام والتسوية الشاملة فى المنطقة، ودعم القضية الفلسطينية، وذلك فى إطار متابعتها للمبادرة التى أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى شهر مايو من العام الماضى لإحياء المفاوضات.
وسواء من خلال عضوية مصر فى مجلس الأمن، أو عبر الاتصالات الثنائية مع طرفى النزاع ومع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، فإننا نؤكد على أنه لا بديل عن تسوية شاملة ومنصفة للقضية الفلسطينية تفضى لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا مجال لقبول الإجراءات الأحادية أو سياسات فرض الأمر الواقع، والتوسع الاستيطانى فى الأراضى المحتلة.
وتابع شكرى: لعلكم تتفقون معى فى أن السنوات الأخيرة شهدت أشرس هجمة تعرضت لها الدول الوطنية فى المنطقة العربية منذ استقلالها.. فنحن نواجه، فى سوريا وليبيا واليمن والعراق مخاطر حقيقية، تهدد بتفكيك مؤسسة الدولة الوطنية وتقويضها لصالح فراغ لا تملأه سوى قوى التطرف والإرهاب.
وعن الوضع في سوريا قال: إن وقف نزيف الدم فى سوريا هو الأولوية القصوى بالنسبة لمصر، وهو يتطلب وقفة حازمة أمام كافة القوى التى تتلاعب بمأساة الشعب السورى لإيجاد مواطئ نفوذ وتحقيق مصالح ضيقة، ولا تبالى بأن تتحول سوريا لبيئة حاضنة للإرهاب والمنظمات التكفيرية، ولا بأن تخوض صراعاتها فى سوريا، حتى آخر نقطة دم سورية.
وأضاف لقد آن الأوان لموقف عربى موحد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على التزامنا الصارم، والذى لا يقبل المساومة، بوحدة الأراضى السورية، ورفضنا القاطع لأى محاولة لتقسيم سوريا أو تحويلها لمناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية، ودعمنا الكامل للمفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة. إن ما شهدته الجولة الأخيرة من المفاوضات من بوادر حلحلة للأزمة السورية، من خلال الانتقال لأول مرة من السجالات غير المجدية حول القضايا الإجرائية، إلى الاتفاق على جدول أعمال موضوعى للمفاوضات، يؤكد أن الحل السياسى فى سوريا ممكن إن خلصت النوايا، وتكاتفت الجهود للضغط على جميع أطراف الأزمة للجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد صيغ عملية ومقبولة للحل، والتوقف عن المماطلة ومحاولات كسب الوقت.
بنفس المنطق، فإن مصر ملتزمة بشكل كامل بمواجهة المحاولات الرامية لتقويض الدولة الوطنية وإسقاط الحل السياسى فى ليبيا ودعم الإرهاب.. إن حالة الانسداد السياسى التى تعانى منها ليبيا حاليا لا ترجع لغياب اتفاق سياسى يوفر إطارا لحل الأزمة، فهذا الاتفاق موجود بالفعل ومنذ أكثر من عام. وإنما تكمن المشكلة فى غياب آليات للتواصل بين الفرقاء الليبيين، والتوافق حول عدد محدود من القضايا العالقة والتى تعوق التنفيذ الكامل لهذا الاتفاق.
من هنا جاءت الجهود التى قامت بها مصر فى الأشهر الأخيرة، والتى استضافت خلالها قادة القوى السياسية من كافة أنحاء ليبيا، وأسفرت عن توافقات أساسية حول التزام الجميع بمرجعية الحل السياسى فى ليبيا، وحول آلية لمعالجة القضايا المحدودة العالقة، ووضع الاتفاق السياسى موضع التنفيذ الكامل.
إن مصر تؤمن بأن ليبيا يمكن أن تقدم نموذجا لقدرة المنظومة العربية على استعادة زمام المبادرة لتقديم حل عربى للمشكلات العربية. ومن هنا، فإننا نعطى الأولوية، فى كافة تحركاتنا لمساعدة الأشقاء الليبيين، للإطار العربي، سواء من خلال الاجتماعات المنتظمة لآلية دول جوار ليبيا، والتى استضافت القاهرة آخر اجتماعاتها، وستستضيف الجزائر اجتماعها القادم، أو من خلال إعلان تونس الذى وقعه وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، لتأكيد التزام الدول الثلاث بالعمل معا لدعم جهود الفرقاء الليبيين للتوصل لحل سياسى ليبي، ينهى مرحلة الجمود الحالية، ويطلق مرحلة إعادة البناء فى ليبيا.
إن معركة استعادة الدولة الوطنية، ومقاومة المحاولات الرامية لتفكيكها وتحويلها إلى مواطئ نفوذ لقوى إقليمية ودولية تصفى خلافاتها وصراعاتها على الأرض العربية وبالدم العربي، أو إلى حاضنات لتنظيمات إرهابية وتكفيرية، هى معركة الوجود والمستقبل لأمتنا العربية.
وسواء نظرنا إلى اليمن، حيث نلتزم جميعا بدعم العملية السياسية وعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، أو نظرنا إلى العراق، حيث يخوض الجيش العراقى وقوى الأمن معركة حاسمة ضد تنظيم داعش الإرهابي، لتحرير مدينة الموصل العريقة، فإننا نجد أنفسنا أمام نفس القضية ونفس المعركة المصيرية، معركة استعادة الشرعية وبسط نفوذ الدولة الوطنية على كافة أراضيها، كمقدمة للانتقال إلى مرحلة البناء، وقطع الطريق على كافة التدخلات الخارجية أو محاولات استنفار النعرات الطائفية والمذهبية البغيضة.
إن نظرة سريعة لجدول الأعمال المطروح أمامنا اليوم كافية لإظهار عمق التحديات التى تواجه أمتنا العربية، وهى تحديات تحتاج منا لإيجاد سبل واقعية للتعامل واقعنا المتغير، ودعم وتطوير آليات عملنا المشترك لتصبح أكثر قدرة على مواكبة تحديات هذا الواقع الجديد.
وتؤكد مصر فى هذا السياق على محورية جامعة الدول العربية. فتلك المؤسسة العريقة، التى كانت شاهدة على الجهود العربية لتحقيق أهدافنا المشتركة على مدار أكثر من سبعة عقود، بنجاحاتها وكبواتها، هى اليوم فى حاجة للدعم الكامل من كل الدول العربية.
إن تطوير مؤسسات العمل العربى المشترك بات واجبا قوميا وضرورة ملحة. ويسعدنى فى هذا الإطار، أن أؤكد على دعم مصر الكامل للجهود الجادة والمخلصة التى يقودها السيد الأمين العام لتطوير الجامعة وكافة آليات العمل العربى المشترك، وأن أشدد على التزامنا بتقديم كل العون له، ومساعدته على تأدية مهامه بالشكل الذى يخدم القضايا العربية على أكمل وجه، ويتيح لدولنا العربية الاستفادة من خبراته ونشاطه الدءوب لدفع العمل العربى المشترك فى شتى المجالات.
كلى ثقة فى أن أمتنا العربية قادرة على مواجهة التحديات، وإيجاد حلول عربية لأزمات المنطقة، تستجيب لطموحات شعوبنا وتقطع الطريق على محاولات التدخل فى شؤوننا. وإننى واثق أيضا أن اجتماعنا اليوم، ثم القمة العربية التى ستعقد بعد يومين، سيمثلان جسرا نعبر عليه إيى أفق أكثر وضوحا وأرضا أكثر صلابة، تنتج رؤية عربية مشتركة وترسم حلولا حقيقية لأزمات المنطقة.