الأحد 16 يونيو 2024

يؤكد على أن أنثى الواقع أفضل من أنثى السينما .. المرأة على الشاشة الفضية طيبة القديسة وإغواء شيطان

28-3-2017 | 09:18

كتب : د. حسن عطية

المتتبع بعمق لحضور المرأة فى السينما المصرية ، على شاشتها أو خلفها ، سيدرك بسهولة أن هذا الحضور وتعدد صوره ، وغيابه أو عمليات تغييبه ، أرتبط ارتباطا وثيقا بحركة المجتمع المصري ، وتزامن مع صعوده وانكساره خلال قرن من الزمان ، لذا سعت المرأة المصرية منذ بدايات القرن الفائت للنزول لميادين الحياة متصارعة مع ما يكبل حريتها وحقها الطبيعي في الحياة ، فأزالت نوافذ المشربيات التي حُبست خلفها ، وخرجت للمدرسة والجامعة والعمل العام مؤكدة على حريتها وقدرتها على أن تلعب دورها الفاعل في المجتمع ، وصارت عنوانا حقيقيا لتطور المجتمع ، إذا تقدم تقدمت معه وبه ، وإذا تأخر سارت معه للخلف وتقوقعت داخل ذاتها ، وعادت لتصنع مشربياتها بيدها ، تعطل خلفها عقلها ، وتسجن روحها ، مستسلمة لمصيرها المرسوم لها.

ليلى

ليس غريبا أن نجد أن أول فيلم تثار حوله الدراسات التأريخية والنقدية باعتباره أول فيلم مصري وعربي في تاريخ السينما العربية ، هو الفيلم المؤنث اسما وإبداعا (ليلى) 1927 ، بعد تجاوز الفصول السينمائية القصيرة ، وفيلم (في بلاد توت عنخ أمون) 1923 للمخرج الإيطالي "فيكتور روسيتي" ، وهو أقرب للفيلم التسجيلي ، امتدادا للأفلام التي صورت مظاهر الحياة في مصر في العقد الأول من القرن العشرين ، وأيضا تجاوزا لفيلم (برسوم يبحث عن وظيفة) 1924 للمخرج المصور "محمد بيومي" القصير وغير المكتمل وغير المعروض أيضا جماهيريا ، نجد أن أول فيلم روائي طويل يعتمد على بناء سينمائي متكامل هو فيلم (ليلى) المذكور ، يأتي من هذا البعض من النساء الذي شارك في تثوير الحياة المجتمعية والثقافية في مصر أوائل القرن الماضي ، حيث شاركت فى كتابته وتوليفه (منتجته) وتمثيله متعددة المواهب "عزيزة أمير" ، فضلا عن إنتاجها له بشركتها التي اختارت لها اسما دالا هو (إيزيس فيلم) ، وذلك ضمن تيار فكرى مهم جدا في المجتمع وقتذاك يؤصل الهوية المصرية جغرافيا وتاريخيا على أرض الفراعين ، داعيا لأن تكون "مصر للمصريين" ، وأن يكون الوطن لمواطنيه ، وليس تابعا لخلافة عثمانية ، أو محتلا بتاج بريطاني ، بل محققا استقلاله عن كافة أشكال التبعية المادية والفكرية 0 تزعم هذا التيار أستاذ الجيل "أحمد لطفي السيد" ، وتضمن أبرز وجوه التنوير في المجتمع د0 "طه حسين" و"محمد حسين هيكل" و"سلامة موسى" وغيرهم ، وحرص "يوسف وهبي" على أن يمنح فرقته المسرحية التي بدأ نشاطها عام 1923 اسم (رمسيس) ، والتي مثلت بها "عزيزة أمير" في بداية حياتها عدة أعمال مسرحية قبل أن تتحول للسينما ، وتقدم هذا الفيلم الروائي ، وبه قدمت للأسف أول صورة للأنثى الطيبة المهجورة من حبيبها الذي أخطأت معه ، والمطاردة من أهل قريتها لخطيئتها هذه ، والتي تنتهي حياتها بعد أن صدمتها سيارة من أحبها ، وماتت فداء للحب الذي أخلصت له ، بينما يهجرها حبيبها الغادر لفتاة أجنبية.

اليتيمان

منذ هذا الفيلم ، وبقية أفلام الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي ، تبلور نموذج الأنثى القديسة على الشاشة في صورة الفتاة الطيبة واليتيمة والمغلوبة على أمرها ، ودعمته "عزيزة أمير" بفيلمها الآخر (بياعة التفاح) 1939 ، والذي شاركت هى في كتابته مع مخرجه "حسين فوزي" ، تمصيرا لمسرحية (بيجماليون) لجورج برنارد شو ، مقدمة فيه نموذج الفتاة الفقيرة بائعة التفاح "فرحانة" ذات الأصل الطيب والأسرة ميسورة الحال ، والتي صارت فقيرة بحكم الظروف الاجتماعية القاسية المعتادة ، يلتقي بها الشاب الثرى والوجيه الأمثل "مراد" وهى تتجول في حي (قصر الدوبارة) الراقي تبيع التفاح ، فتبهره بجمالها ويقرر أن يحولها إلى فتاة ارستقراطية من أجل عمل (مقلب) يخدع به صديقه الوجيه الثرى "كمال" ، الذي اعتاد أن يتنافس معه في صنع (المقالب) ، ويعرض "مراد" على الفتاة "فرحانة" استعداده أن يحقق لها حلماً وردياً ، تحيا فيه لمدة شهر كامل كفتاة من الطبقة الراقية ، وتعيش "عيشة ذواتي" ، تقبل "فرحانة" الدخول في هذه التجربة ، وتوقع بموافقتها هذه على (الصك الفاوستي) الذي يمنحها معرفة وخبرة جديدة وسعادة مغايرة وراحة من العمل اليومي ، وأن كان موقوتا بزمن معين ، مغيرة من هيئتها واسمها ، لتصبح "فيفي هانم" ، أملا في الحصول على المقابل المادي الذي يسمح لها وصديقتها بفتح محل لبيع التفاح ، تبيعان فيه بضاعتهما بدلاً من "اللف في الشوارع" ، بعد أن ينتهي شهر الحياة اللذيذة مع الأثرياء في جنتهم المنشودة .

وسط الأثرياء تقع "فرحانة" - كما هو متوقع - في هوى الوجيه "مراد" ، رغم الفارق الاجتماعي والتعليمي بينهما ، إيمانا من الفتاة البسيطة بأن كل البشر "أولاد آدم وحواء" ، ورفضا في ذات الوقت لحياة الطبقة العليا ، التي اكتشفت زيفها ، وأدركت أن حياة "أبناء البلد" الفقراء الصادقة أفضل من حياة "أبناء الذوات" المزيفة !! ، وأنه ليس هناك "أشرف ممن يأكل لقمته بعرق جبينه" ، وهى نغمة ترددت كثيرا في سينما تلك الأيام ، التي صنعها من أثروا منها ، ليوهموا متلقيها بأن "الفقر حشمة والثراء نقمة" و"العز بهدلة" ، وأن الأفضل للأوضاع القائمة أن تظل قائمة ومستمرة ، لأن أي تمرد عليها هو نسف لمنظومة قيم أخلاقية مطلوب المحافظة عليها .

بوجهها البريء وبسمتها الخجول نجحت "فاتن حمامة" ببراعة في تجسيد الصورة الأيقونة للأنثى القديسة ، وذلك في مجموعة أفلامها (ملاك الرحمة) و(الملاك الأبيض) و(اليتيمتين) و(ست البيت) و(أنا بنت ناس) و(لك يوم يا ظالم) و(اشكي لمين) و(ارحم دموعي) وغيرها من الأفلام التي تكرس لصورة المرأة الطيبة المستكينة والمظلومة ، والتي امتد تيارها حتى السبعينيات في (الخيط الرفيع) و(امبراطورية ميم) و(أريد حلا) و(أفواه وأرانب) في معاندة واضحة لتيار صنعته ثقافة ثورة يوليو التنويرية ، وأن شاركت فيه "فاتن حمامة" بموهبتها الفذة في بعض رموزه مثل فيلم (الباب المفتوح) 1963 للمخرج "بركات" عن قصة "لطيفة الزيات" ، الذي تختار في نهايته طريق تحرير الوطن ، تحريرا لذاتها ، كما جسدت "ماجدة" نموذج المناضلة العربية في فيلم (جميلة) للمخرج "يوسف شاهين" 1958 ، وان دشنت "لبنى عبد العزيز" مع المخرج الثائر "صلاح أبو سيف" فى فيلم (هذا هو الحب) 1958 نموذج المرأة الراغبة في التحرر ، المتمردة على حبس الرجل لها فى صورة مقننة لا يفتح مغاليقها غيره ، ولا تكون مخصصة إلا له فقط منذ المهد ، باعتبارها ملكية تنقل من بيت أبيها لبيته ، ثم في فيلم (أنا حرة) 1959 ، الذى تمردت فيه الأنثى على تقاليد مجتمعها الأسري ، ومجتمعها الوظيفي ، والتقت بالرجل (الصحفي الثائر) الذي تشاركه الثورة على نظام ما قبل يوليو .

الشيطان امرأة

ظلت الأفكار القديمة التي هيمنت على رؤية السينما المصرية للمرأة ، ظلت تصارع الأفكار الجديدة التي أتى بها جيل يوليو ، وحاولت صورة البنت المغلوب على أمرها طرد حضور البنت الثائرة من على الشاشة ، وتوازت معها الصورة المتكررة لنموذج الأنثى الشيطان الساعية لإغواء الرجل ، والعاملة على إغرائه لسلب ماله وشبابه وقوته ، وقد كانت الراقصة على الشاشة المصرية هى أبرز صور هذا النموذج الآخر للأنثى في السينما المصرية ، هى المغوية بحكم عملها ليلا في الكباريهات ؛ والليل فضاء الإغواء ، ونوعية ملابسها شبه العارية التي تسهل الإغراء ، وطبيعة مهنتها ذاتها التي تقوم على إثارة الغرائز الحسية ، فتجذب البطل الرجل الناجح في عمله ، مطربا كان عادة أو مهندسا أو طبيبا أو حتى طالبا بالجامعة للسقوط الأخلاقي ، فتسلب منه ماله وشرفه وتفقده حبيبته وعائلته وأرضه . وللمفارقة جسدت هذا النموذج ببراعة مجموعة كبيرة من الراقصات بالفعل من أول "تحية كاريوكا" حتى راقصات اليوم ، والغريب أنهن يرضين بأن يظهرن مغويات ، ويقبلن أن تظهر الراقصة كمثال صارخ لنموذج المرأة الشيطان ، حتى وهن لا يجسدن دور الراقصة ، فتحية كاريوكا قدمت أبرز وأقوى نموذج للمرأة الشيطان المغوية فى شخصية (شفاعات) في فيلم "صلاح أبو سيف" الشهير (شباب امرأة) 1956 ، هذه المرأة التي تستولى على جسد الفتى الريفي ، وتغريه بالمال والجنس حتى يسقط وتسحبه خلفها كحيوان مساق للذبح 0 بعد هذا الفيلم بعامين فقط حققت المطربة والممثلة البارعة "هدى سلطان" أقوى تجليات هذه الصورة المغوية للمرأة الشيطان في فيلم (امرأة فى الطريق) 1958 للمخرج "عز الدين ذو الفقار" ، مجسدة لشخصية الغانية التي زوجها رجل مسن لابنه الصغير المدلل والخائب بسبب تدليله هذا ، بينما تعشق هى جسد الابن الأكبر القوي المفتول ، فتسعى بكل طرق الإغراء للإيقاع به ، فتدمر الأسرة بأكملها ، كما ستظل تدمرها فيما بعد ، كما تجلي في تدمير الزوجة "إيناس" (نيللي) لزوجها وأسرتها في أول أفلام المخرج النابه "خالد بهجت" (العذاب امرأة) عام 1977.

الساحرة

تطور نموذج المرأة القديسة من صورة الأنثى المستكينة التي جسدتها "فاتن حمامة" مع غيرها ، إلى صورة الأنثى المتمردة على أوضاع مجتمعها المتخلفة ، والذي بدأته "لبنى" في الخمسينيات ، وتلقفته "سعاد حسني" بحيويتها المتدفقة في ستينيات الثورة التقدمية ، لتنتقل به من فكرة أن ظل الرجل هو الملاذ والأمان للأنثى وأفضل لها من أي حائط قائم ، إلى فكرة الثمرة التي يهفو إليها الرجل ويسعى لاقتطافها ، دون أن يقدر بسهولة الإمساك بها ، فقد تحلت بصفات الشقاوة و(العفرتة) والقدرة على الزوغان من بين يديه ، فصارت (الساحرة الصغيرة) 1963 التي تخدع بسهولة الرجل المجرب "زئير النساء" ، وأضحى (الثلاثة يحبونها) 1965 ويتوقون إليها ، وادعت عام 1966 أنها (صغيرة على الحب) لتحقق حلمها في أن تكون ممثلة ، حتى ولو أدت دور طفلة ، ثم صارت في السبعينيات المتألقة بالتمرد الشبابي (زوزو) التي تخرج بالتعلم من جب الفقر وحياة الرقص في الأفراح إلى حياة الاستقرار والتحول الاجتماعي ، حتى تصير "أميرة" يحبها الجميع ويعشقها "الولد التقيل" ، ممهدة بفكر الستينيات الناضج لظهور الصورة الثائرة للبنت المصرية .

اغتيال ثائرة

السبعينيات وما أدراك ما السبعينيات ، عقد التمرد ورفض الهزيمة والكعكة الحجرية المشتعلة في بدايته ، وعقد السكاكين والجنازير السلفية داخل ساحات الجامعة وخارجها في آخره . هنا تظهر الصورة الثالثة لنموذج المرأة المتمردة ، صورة للأسف لم تتجل إلا مرة واحدة في منتصف السبعينيات الفاصلة بحدة بين فكرين متناقضين تماما ، سرعان ما اغتالت الأفكار السوداء الفكر المستنير وغيبته ، وهى صورة البنت الثائرة على أفكار الرجل المتخلفة عند البعض والهاربة من التخلف فرارا للخارج عند البعض الآخر ، وهى ما قدمه "يوسف شاهين" في فيلمه (عودة الابن الضال) 1976 عن قصة (صلاح جاهين) ، وجسدت نموذجه غير المتكرر "تفيدة" المطربة "ماجدة الرومي" ، والتي ترفض سفر حبيبها للخارج جريا وراء وهم أن يكون "فاروق الباز" آخر ، مؤكدة له على أن مصر بها من العلم وقتها وفي أفق طموحاتها ما يغنيه عن علم الخارج ، فوطنه أولى به ، وهى تقف ضد جبروت طاغية البلدة وضد أفكاره البالية ، وهى التي تعلن لحبيبها أن كلا منهما بحاجة للآخر ، وفي احتياج للحنان والدفء حتى لا تحدث لهما "تشوهات ذهنية" ، فالحب ليس رغبة في الآخر ، وليس تملكا له ، بل هو دافع للرجل والمرأة معا لحياة سوية ، لذا فهى تقول لمالك قلبها الذي قرر أن يسافر : أنها لن تنتظره ككائن جريح مسلوب الإرادة مستكين بجوار الحائط ، دافعة إياه للبقاء والرحيل معها وأسرتها من القرية المحافظة لمدينة الإسكندرية الحداثية ، سعيا للدراسة الجامعية ، ومعلنة بكلمات "صلاح جاهين "وألحان "كمال الطويل" أن عليهم جميعا عدم النظر للوراء و"نودع الماضي وحلمه الكبير" و"نبص قدامنا على شمس أحلامنا نلقاها بتشق السحاب الغميق" 0

كان بالفعل سحابا "غميقا" يخبئ خلفه فكرا متكلسا ، يفد من صحارى بعيدة ، ويدعمه نظام مرتجف ، فتسقط مدن الحداثة بين براثن التخلف البدوي والمحافظة الريفية ، وتحاصر الأنثى عقليا وروحيا وجسديا ، فباغتيال عقلها يغتال عقل المجتمع بأكمله ، وتدميرها يعني أن المدمر متخلف ، وقبولها تدميره لها قبولا للتدمير الذاتي قبل التدمير الذكوري ، وإقدام المدمِر والمدمَر على قبول التدمير يعنى دمار المجتمع وخلخلة أبنيته وتصدع ثقافته وتأخره عن ركب العالم المتقدم ، ومع تكريس استكانة المجتمع للنظام الحاكم في ثمانينيات القرن الماضي ، تم تكريس صورة المرأة الطيبة المستكينة "فاتن حمامة" مجسدة في "ميرفت أمين" (زوجة رجل مهم) ، "نجلاء فتحي" (أحلام هند وكاميليا) ،"ليلى علوي" (خرج ولم يعد) وغيرهن .

داخل نموذج المرأة الشيطان ، تبرز صورة المرأة القوية الباطشة ، والتي تنتقم من الرجال الذين امتهنوا حياتها وجسدها ، وحققت "نادية الجندي" شهرة كبيرة في تسعينيات القرن الماضي باختيارها لصورة المرأة الأفعى المتحولة من الطيبة إلى الشر ، ومن الضعف إلى الإطاحة بكل من يقترب منها ، بسبب الرجل الطامع فى جسدها ، والراغب في امتلاكها ، فتدمره وأحيانا تدمر نفسها . كل هذا في سياق النظرة التجارية للمرأة ، بتسويق جسدها كأثمن ما تمتلكه ، وتعطيل عقلها عن التفكير فيما يفيد الوطن ، واستخدام ذكائها فيما يحقق طموحها الفردي ، دون أية محاولة من تجار السينما لقراءة الواقع قراءة عميقة ، تكشف له عن الدور الحيوي الذي لعبته ومازالت تلعبه المرأة المصرية المثقفة في إشعال الثورة المتتالية والتمسك بضرورة أن تحقق كل أهدافها المتمثلة في شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .

لعبة الست

جاءت الألفية الثالثة ، وامتلأت بالتمرد والثورة ، وعبرت الأجيال الجديدة عن رفضها لما آل إليه المجتمع في عدة انتفاضات جماعية ، ومع ذلك لم تعد صورة الثائرة "ماجدة الرومي" والمتمردة "سعاد حسني" ، بل حاصرت سينما العشوائيات عقل المرأة ، وابتذلت جسدها على الشاشة ، عائدة لعصر الراقصات ، دون رشاقتهن ورهافة حضور البعض منهن قديما على الشاشة مثل الرقيقة "سامية جمال" والمفعمة بعشق الحياة "نعيمة عاكف" ، بل بالحركات المبتذلة والمثيرة لأجساد لا جمال فيها . وحاولت السينما الجادة تقديم صورة مغايرة للمرأة ، بحضور مميز لبنات الأجيال الشابة مثل "منى زكى" و"حنان ترك" و"منة شلبي" و"هند صبري" و"ياسمين عبد العزيز" و"ياسمين رئيس" وغيرهن ، حاولت الفتيات معها تقديم أفلام يحتلن فيها موقع البطولة ، سرعان ما تأرجحن بين دور (السنيدات) للبطل الرجل الشهم (المغوار) ومحاولة إقصاء الرجل من موقع البطولة والانفراد بها ، ومع ذلك فلم يستطعن النجاح في هذا المضمار بالصورة المرجوة ، فالمجتمع واقف لهن بالمرصاد ، وينجح في التقليل من حجم ومضمون هذا التجاور في البطولة على الشاشة ، وحتى لو صارت المرأة وزيرة مثل "شفيقة ميمون" (منى زكي) فى فيلم (تيمور وشفيقة) 2007 ، وصار رجلها "تيمور" (أحمد السقا) حارسها ، تظل له السيطرة والهيمنة داخل وقائع الفيلم وحتى في بوستر الفيلم ، ويدفعها صناعه الرجال إلى التخلي ببساطة عن منصب الوزيرة وعدم الالتفات لدرجة الدكتوراه التي حصلت عليها ، لتستكين كزوجة في كنف الرجل ، معلنة "أنا لا عايزه وزارة ولا عايزة منصب" ، يكفيها بيت زوجة ، مستعيدين معها موقف المرأة المتمردة على زوجها الطيب فيما قبل ست عقود كاملة ، وكأنه المجتمع لم يتغير ، والنهر لم تجر فيه أية مياه جديدة ، وذلك في فيلم (لعبة الست) التي رفضت الفتاة المتمردة الطموح "لعبة" (تحية كاريوكا) عدم موافقة زوجها "حسن" (نجيب الريحاني) عملها في السينما وسفرها للخارج ، فتدفعها أيدي صناع الفيلم للدخول في تجربة مريرة ، تعود منها لزوجها الطيب مؤكدة على ندمها لفراقه ، ومعلنة كحفيدتها "شفيقة" "ملعونة الست اللي يحبها جوزها وتفرط فيه" ، ولا يكتفي صناع الفيلم بندم المرأة على محاولتها تحقيق طموحها على لسانها ، بل يعلنون بالصوت خارج الكادر ومع تترات النهاية "أنما السعادة في الوفاء" وليس في العمل وتحقيق الذات .

فتاة المصنع

في السنوات الست الأخيرة ، سنوات الانتفاضات الثورية الجماعية التي شاركت المرأة فيها الرجل تمرده على الأوضاع المتردية لأنظمة فاسدة ومتخلفة ، وحتى هذا اليوم مع (عام المرأة) ، طالعتنا نماذج نسائية على الشاشة ، الجاد منها من عينة المرأة الطيبة المستكينة ، والأبرز تدور داخل أجواء شعبية فقيرة ، وتنتمي بطلاتها للشرائح الدنيا المغلوبة على أمرها في المجتمع ، حمل بعض منها أسماء بطلاته ، مثل (أسماء) 2011 المرأة البسيطة (هند صبري) التي أصابت نفسها طواعية بمرض الأيدز من زوجها لتحقق السعادة له ، وأغرقتنا في وقائع ميلودرامية فجة لا فكاك منها ، وفيلم (نوارة) 2016 ، الذي عجزت بطلته (منة شلبي) الخادم الفقيرة عن تحقيق أحلامها في الحياة الكريمة في زمن الثورة التي عجزت بدورها عن تحقيق هذه العدالة المرجوة ، وتقلقل وجود المرأة داخل وقائع الفيلم غير المكتملة دراميا . وبين هذين الفيلمين يبرز فيلم (فتاة المصنع) 2014 ، تواجه بطلته العاملة الفقيرة "هيام" (ياسمين رئيس) صورا من التفوق والتعنت الذكوري فى المجتمع ، وتشترك هذه العينة من أفلام السنوات الأخيرة في إدانتها الصريحة للمجتمع ، دون أن تقدم لنا دون غوغائية نموذجا قادرا على عدم الانكسار.

أن نموذجي المرأة القديسة والمرأة الشيطان يمثلان انحرافا عن حقيقة المرأة المصرية على أرض الواقع ، وأن عبرا عن أفكار عالقة بعقول مستكينة وخاضعة للتنميط الذي يُسهل إنجاز الأعمال التقليدية ذات الغاية التجارية ، وعن عيون لا ترى الواقع على حقيقته ، ولا تهتم برصد هذه الحركة الفوارة للمرأة المصرية في مجتمعها خلال الأعوام العشر الأخيرة ، رغم القيود ، ورغم العنف الموجه لها في صور متعددة ، ورغم الصورة المشوهة المهيمنة على الشاشة الفضية ، وهو ما يؤكد على أن أنثى الواقع أفضل من أنثى السينما ، وأن على السينما أن تراجع نفسها ، كي يمكنها أن تعبر تعبيرا صادقا عن المرأة التي شاركت في تفجير ثورة ، لن تهدأ حتى تحقق أهدافها .

***

مريم نعوم

مريم نعوم واحدة من أهم كاتبات السيناريو في الأعوام الأخيرة. تركت دراسة الاقتصاد في فرنسا لتعود إلى مصر لتدرس السيناريو في معهد السينما، عملت بعد تخرجها في مجال الدعاية الإعلانية، قبل أن تعود مرة أخرى لتتجه إلى كتابة السيناريو، وكان أول فيلم لها هو "واحد صفر" والذي شهد تعاونها الأول مع المخرجة كاملة أبو ذكري، ثم اتجهت إلى كتابة المسلسلات التليفزيونية ومنها "ذات"، "سجن النسا"، "تحت السيطرة"، "سقوط حر"، وأخيرًا الحلقات الأولى لمسلسل "واحة الغروب".

***

نادية رشاد

ممثلة وكاتبة مصرية. تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية. بدأت مسيرتها الفنية في سبعينيات القرن العشرين بدور في الفيلم التليفزيوني "من عظماء الإسلام" في عام 1970، ثم بدأ يعرفها الجمهور من خلال اشتراكها في المسلسل الشهير "القاهرة والناس" في عام 1972، وبدأت العمل بالإذاعة المصرية، وبرعت في المسلسلات الدينية ومسلسلات السير الذاتية، فقامت بأداء دور المطربة منيرة المهدية في مسلسل "أم كلثوم" في عام 1999. كتبت العديد من الأفلام والمسلسلات والسهرات التليفزيونية التي تناقش قضايا المرأة ومنها "آسفة أرفض الطلاق"، "القانون لايعرف عائشة"، وجواز في السر".

***

وسام سليمان

هي كاتبة مصرية، كانت بدايتها من خلال فيلم "أحلى الأوقات" عام 2004، لتتبعه بعد ذلك بفيلم "بنات وسط البلد" في العام التالي، من أبرز أعمالها أيضًا "فتاة المصنع"، "في شقة مصر الجديدة"، وهي الأفلام التي حصدت العديد من الجوائز.

***

هناء عطية

كاتبة مصرية، تخرجت فى معهد السينما قسم السيناريو عام 1988، كتبت العديد من الروايات، ومن أشهر رواياتها التي تحولت لأفلام "يوم للستات"، و"خلطة فوزية".