بقلم – أحمد سعدة
فى «نص الليل».. تتهيأ القلوب للشكوى والبوح بما فيها، وترسل أوجاعها إلى السماء، بعد أن يئست من رحمة أهل الأرض.. «المصور» تحاول أن تشارك قراءها هذه الآلام وتلك الاعترافات وتقدم لها الحلول
بدأت علاقتنا فى مدرجات كلية الإعلام بجامعة القاهرة .. نظرات، وابتسامات، ثم تعارف وحب مشتعل.
كنت أشتري لها الشيكولاتة التي تحبها، وكانت تحضر لي في شنطتها الساندوتشات .. نأكل معا، ونشرب من نفس علبة العصير.
معها فقط كنت أشعر بالأمان .. وكلما نويت السفر لبلدتي في الصعيد كانت تبقى معي حتى أستقل القطار، وتظل بجوار النافذة وفي يدها شنطة بلاستيك صغيرة بها طعام ومياه وعصير ولبان، تعطيني إياها أثناء تحرك القطار.
وحينما أعود، كنت أبحث عنها بعيني على محطة القطار، لأجدها دائما في الانتظار.
كنا نكتب مقالات أسبوعية لإحدى المجلات مقابل مبلغ من المال .. ورغم أنها من عائلة مرموقة وثرية، إلا أنها بسيطة ومتواضعة ولم تشعرني يومًا أني أقل منها .. بل على العكس، كانت دائما تشجعني وتنظر لي بعين الفخر والإعجاب.
كنت أرى مستقبلها كمذيعة راديو ناجحة، بينما كانت تراني ككاتب كبير ومحترف .. وكنت أخبرها برغبتي في أن يكون لي منها بنت تشبهها، وكانت تقول إنها لن تتنازل عن أن يكون لها مني خمسة أولاد.
أحلام وطموحات، وتعاهدنا على الزواج .. وكان ذلك الوقت على ما يبدو هدوء ما قبل العاصفة.
اتصل بي والدها بعد أن علم بعلاقتنا، وقابلته في أحد الأندية على النيل .. تحدث معي بمنتهى الرقى والذوق، وقال إن ابنته لها الحق في الإعجاب بشاب مثقف مثلي .. لكنه أكد على أنه مجرد إعجاب، ولا يجب أن يكون أكثر من ذلك.
والدها رجل أعمال لديه شركة خاصة بالشراكة مع شقيقه .. وقال لي إن مستقبل ابنته مع ابن شقيقه الذي سيخطبها في القادم من الأيام .. عاملني بلطف وأدب، وطلب مني أن أقطع علاقتي تماما بابنته كي تصير الأمور أسهل بالنسبة للجميع.
قابلتني بعدها، وقالت لي إنها على استعداد لتحدي الجميع من أجلي .. قلت لها إن الظروف والإمكانات ليست في صالحي .. قالت: نتزوج بأقل القليل، وبما نكسبه من المجلة سنعيش ونغطي النفقات ونوفر إيجار شقة، ومصاريف الأكل واللبس والمواصلات .. وربما يتبقى لنا ما يكفي لخروجة آخر الأسبوع.
كانت رومانسية وحالمة، وعنيدة وواثقة .. وكنت جبانا فاقد الثقة، وقلت لها إنني سأبتعد وأحترم العهد الذي قطعته على نفسي أمام والدها، وأني سأسافر للعمل خارج البلاد فور الانتهاء من الامتحانات، وأني لا أريد أن أظلمها معي،
وبالفعل اتخذت قرارا بالابتعاد.
ولم تعد تحضر محاضرات الجامعة .. وجاء موعد امتحانات الترم الأخير من الجامعة، ورأيتها من بعيد .. نظرات دامعة بين شاب وفتاة أحلامهما أكبر من إمكاناتهما، وجمعهما الحب في وطن لا يؤمن بالحب.
انتهت الامتحانات .. وجهزت شنطتي وذهبت لمحطة القطار .. ولكن هذه المرة وحيدا دون أن يودعني أحد، وبعدها بسنة عدت من جديد للعمل بالقاهرة، وكنت أيضا على علم بأن لا أحد ينتظر.
الرد
إن حساباتك كانت خاطئة في البعد عنها .. وكان من الممكن بقليل من الإصرار أن تقنع والدها بك وبمستقبلك، لكنك كما قلت على نفسك جبانا فاقد الثقة،
وأغلب الظن أن فتاة بهذه الرومانسية وذلك الإصرار لم تتزوج من ابن عمها الغني، ولكن تزوجت من شاب آخر أحبها بمزيد من التحدي والرغبة والإصرار.
إن السعادة بالفعل في قلبين متحابين يعطف كل منهما على الآخر ويبقى جواره دون أن يهرب في أول محطة تقابله .. والأموال والمناصب وكل منح الحياة ليست سوى أمور من الخارج، لم تعترف حبيبتك بها.
لقد كنت محبا جبانا وفاشلا يا صديقي، وعاقلا أكثر مما ينبغي .. والحب أبدا لا يعرف الجبناء، كما لا يعرفه العقلاء..!
ومعظم النساء بما فيهن حبيبتك يعشقن المجانين، ويهربن من الجبناء.
وليس أمامك إلا الاعتراف بهزيمتك في هذه الجولة المهمة من الحياة، في انتظار القادم من جولات أخرى تخوضها بقليل من التحدي والإصرار .. ومزيد من الحب.