الأحد 24 نوفمبر 2024

القمة العربية لا تحمِّلوا الأمين العام خطاياكم

  • 29-3-2017 | 12:55

طباعة

بقلم –  السفير د. عزمى خليفة

تعقد الجامعة العربية قمتها القادمة فى عمان بالأردن اليوم - الأربعاء - فى ٢٩ مارس وسط ظروف استثنائية لم يحدث أن عقدت فى ظلها أى قمة عربية أخرى، ولا حتى القمة التى عقدت فى أعقاب نكسة ١٩٦٧ التى أسفرت عن قمة رأبت صدع أمتنا العربية، أما اليوم فإلقاء نظرة على الأوضاع العربية يجعلنا ندرك أن هذه القمة تحيط بها ظروف استثنائية تطورت نتيجة تطور الأوضاع العربية أو النظام الإقليمى العربى نفسه، ولابد أن تؤثر سلبا على نتائج القمة العربية وهى ما يمكن تلخيصه بإيجاز فيما يلى:

أولا: أن الجامعة العربية حينما تمت إقامتها – وبالمناسبة الجامعة العربية أسبق فى الوجود من الأمم المتحدة – كانت مجرد تتويج لنظام إقليمى عربى آمن به العرب، وكانت هناك رغبة من هذه الدول للتعبير عن هذا النظام بإقامة كيان عربى يستهدف دعم هذا النظام، من خلال إقامة مشروعات عربية مشتركة تدفع الدول العربية نحو حقبة جديدة من التعاون العربى - العربي، فقد قام النظام العربى أساسا على إيمان راسخ من العرب جميعا أنهم يمثلون أمة واحدة، ويتحدثون لغة واحدة هى لغة الضاد، ولهم تاريخ واحد، ويجمعهم مستقبل واحد، ولديهم موارد تسمح لهم بتحقيق هذا المستقبل، وكان إنشاء الجامعة عام ١٩٤٥ تعبيرا واضحا عن دعم الدولة القومية فى المنطقة العربية بعد حل الخلافة فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيارها نتيجة للحرب وليس نتيجة كفاح دول عربية خضعت للاحتلال التركى العثمانى، وهو احتلال ارتدى عباءة إسلامية تحت مسمى الخلافة، مما تطلب من الدول العربية البحث عن واقع جديد للأمة العربية، ولذا كان التركيز على إقامة تنظيم إقليمى دولى أساسه سيادة الدولة القطرية، ولم يكن مطلوبا إقامة هذا التنظيم لتجب إرادته إرادة الدول الأعضاء التى كانت ولا تزال فى بداية الطريق لإقامة الدولة القومية التى أقرها نظام وستفاليا عام ١٦٤٨ ومن ثم كانت قد رسخت فكرتها ووصلت لمرحلة من التقدم فى غرب أوروبا على عكس الدول العربية التى لم تتجاوز الدولة القومية فيها عقدين من الزمان إضافة لخضوع مجمل الدول العربية للاحتلال وقت إنشاء الجامعة العربية حتى إن عدد الدول المنشئة لها كان سبع دول فقط.

أما اليوم فيلاحظ أن النظام العربى نفسه قد اضمحل، فلم يعد هناك حد أدنى من الإيمان بالعروبة، ولم يعد هناك حد أدنى بوحدة المصير فى المستقبل، وسارت كل دولة وراء مصالحها الذاتية حتى وإن تعارضت مع متطلبات الأمن القومى العربي، وهو ما يدعونى لمناشدة الدول العربية ألا تحمل الأمين العام للجامعة نتائج خطاياهم.

ثانيا: أن استعراض الوضع العربى يؤكد أن المنطقة العربية أصبحت تعانى من أربع إشكاليات سياسية أثرت سلبا على أوضاعها فى المؤشرات العالمية وتحديدا مؤشر الاستقرار السياسي، ومؤشر السلام العالمي، ومؤشر الدول الفاشلة، ومؤشر الحكم الرشيد وهذه الإشكاليات هى:

إشكالية التناقض الحاد بين الفكرة القطرية وما يترتب عليها من التزامات والفكرة القومية وما تتطلبه من مواءمات ومقدمات مع الالتزامات القومية، فالمصالح القطرية ارتفعت على حساب المصالح القومية، وكان أقوى تجسيد لهذا التناقض ممثلا فى احتلال العراق للكويت ثم دعوة دول عربية للقوة الأمريكية لتحرير الكويت، ثم مشاركة دول عربية لإسقاط نظام الحكم فى سوريا وفى ليبيا، وفى إسقاط نظام الحكم فى اليمن.

إشكالية التناقض بين العروبة والإسلاموية، أى تيارات الإسلام السياسي، فالإسلام يأخذ بالتعددية، أما تيارات الإسلام السياسى فإنها تستخدم الإسلام والديمقراطية للوصول إلى السلطة لتمارس أبشع صور الثيوقراطية التى أدانها عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد، وقد بذلت محاولات عديدة منذ إنشاء الجامعة العربية للتوفيق بين تيارات الإسلام السياسى والعروبة، إلا أنها كانت محاولات تتم على استحياء لأن فكرة الإسلامية منذ إنشاء الجامعة العربية كانت أقوى فى التعبير من الفكرة القومية بحكم أننا مارسنا بالفعل فكرة الوحدة الإسلامية فى ظل الاحتلال العثمانى التركى، بينما الفكرة القومية كما أشرت آنفا كانت حديثة العهد فى المنطقة العربية وكانت تحت حصار الاستعمار التركى والغربى لمنع إيقاظ الروح القومية.

إشكالية القبول باحتلال أمريكا للعراق وتدميره ونهبه، وهو احتلال غير شرعي، وغير قانوني، ولا يعترف للشعب العراقى بأبسط حقوقه ممثلة فى حق مقاومة المحتل، بل إنه احتلال شرعن انتهاك حقوق الإنسان، وحوّل أمريكا من قوة عظمى عالمية إلى قوة عظمى إقليمية شرق أوسطية تتمتع بحق الجوار لجميع دول المشرق العربى وجميع الدول العربية، فحققت بذلك ميزة رئيسية استراتيجية لإسرائيل لم يسبق لها تحقيقها وهى التجاور المباشر لإسرائيل مع قوة عالمية مؤيدة لها، مما وفر لها غطاء قويا لمزيد من التشدد فى حل مشكلة الشرق الأوسط وجوهرها القضية الفلسطينية.

إشكالية التناقض بين المشاركة فى إقامة الشرق الأوسط الموسع من خلال المشاركة فى إقامة مؤتمرات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورفض تبعاته حينما تكشفت الأمور، وذلك لأنه استهدف تجزئة الدول العربية على أسس عرقية ودينية ومذهبية ولغوية، والأهم والأخطر أنه استهدف دعم وتقوية المجتمعات العربية فى مواجهة الحكومات العربية من خلال إقامة مشروع صندوق المستقبل.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن اجتماعات صندوق المستقبل التى عقدت عام ٢٠٠٥ على أرض البحرين شهدت خلافا حادا بين السياسة الأمريكية، كما عبرت عنها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وبين السياسة المصرية، كما عبر عنها وزير الخارجية المصرى حينذاك أحمد أبو الغيط، ولم يكن الخلاف حول تقديم المساعدات المالية الأمريكية لمنظمات المجتمع المدنى فى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكنه كان خلافا حول أى الجمعيات والمنظمات المدنية التى يمكن تقديم الدعم الأمريكى إليها، فقد رأت مصر فى ذلك الحين ضرورة أن تكون هذه الجمعيات مسجلة فى الدول العربية، ومن ثم تصبح نظريا تحت إشراف الدولة، بينما السياسة الأمريكية رأت أن شرط التسجيل لهذه المنظمات ليس أمرا حيويا.

والغريب أن مصر ووزير خارجيتها ظل وحيدا فى هذا الخلاف مع واشنطن وكانت تدخلات الدول العربية الشقيقة تستهدف عدم إغضاب الوزيرة الأمريكية والبحث عن حل وسط، ولم يكن المتحاورون فى ذلك الحين يدرون أن حوارهم يمس السيادة القومية للدول العربية، وظل الموقف على ما هو عليه واستأنفه وزير الخارجية المصرى فى الاجتماع التالى للصندوق فى واشنطن عام ٢٠٠٧.

نتيجة تفاعلات هذه التناقضات الأربعة عبر فترة زمنية ممتدة، ونتيجة تطورات السياسات الأمريكية والغربية فى المنطقة العربية، وهى سياسات استهدفت صراحة إضعاف هذه الدول العربية بدون أى استثناء لأى دولة، وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من أوضاع عربية لم تكن متخيلة لحظة إنشاء الجامعة العربية فسوريا والعراق وليبيا واليمن أصبحت دولا مهددة ليس فى أمنها القومى ولكن فى وجودها القومى ذاته، وهذا الوجود القومى مهدد نتيجة تسليح تيارات الإسلام السياسى وتكوين ميلشيات له، فإلقاء نظرة على هذه الدول الأربع تؤكد أن العامل المشترك فيها هو وجود ميليشيات مسلحه لتنظيمات إسلامية وفى مقدمتها الإخوان المسلمون، والقاعدة التى تفرعت عنها جبهة النصرة وداعش.

والأخطر من ذلك أيضا أن دول الشمال الأفريقى ظهرت فيها تنظيمات لتيارات إسلامية أيضا مثل بوكو حرام فى شمال نيجيريا، وعدة تنظيمات أخرى فى شمال مالى والنيجر وتشاد وموريتانيا والمغرب العربي، وهى تنظيمات وميلشيات مسلحة متكاملة وظيفيا ومتحالفة عسكريا مع دول شمال أفريقيا العربية بل ودول المشرق أيضا.

والأكثر خطورة أن عمليات التجنيد لميليشيات تيارات الإسلام السياسى امتدت إلى قلب أوربا، واتضح من مجمل العمليات التى شهدتها دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا ثلاث حقائق هامة، الأولى أن الإرهاب نجح فى تجنيد شباب الجيل الثانى المولود على الأراضى الأوروبية والمتشرب بقيم وأفكار المجتمعات الأوروبية، والحقيقة الثانية أن شباب هذا الجيل قد نجح فى تجنيد فتيات أوروبيات للمشاركة فى الجهاد، أما الحقيقة الثالثة فإنها تتمثل فى أن موطن تفريخ الإرهاب قد انتقل من الشرق الأوسط إلى أفغانستان وباكستان وأوروبا.

كذلك يلاحظ أن الدول العربية نتيجة التناقض بين الفكرة القومية والفكرة القطرية لم تعد قادرة على وضع سلم أولويات يسمح لها بتحقيق مصالحها، ولذا لم يكن عجيبا أن نسمع رئيسة وزراء بريطانيا وهى تتحدث أن أمن الخليج هو جزء من الأمن البريطاني، وكانت تقر حقيقة سياسية وليست حقيقة جغرافية، ورغم تكرارها عدة مرات خلال زيارتها لمنطقة لخليج إلا أنها لم تكررها منذ تولى الرئيس ترامب مسولية الحكم فى واشنطن، وهذا يعكس حقائق القوة التى تجب أى حقائق سياسية أخرى.

لكل ما تقدم ليس لدىّ أدنى أمل فى أن يحقق مؤتمر القمة العربية أى أهداف ذات مغزى للأمة العربية، فالخليج منقسم بينه وبين مصر فيما يتعلق بالموقف من سوريا، وفيما يتعلق بالموقف من إيران، والنظام العربى فى أوهن حالاته والجامعة العربية تفصل ١٥ موظفا تخفيضا للنفقات لأن ما تم تحصيله من مساهمات الدول الأعضاء لا يتجاوز ٥٠٪ من الميزانية، فإى إنجاز تتوقعون؟ كل ما أتمناه ألا تحمل الدول العربية مجمل خطاياها للأمين العام للجامعة العربية، فالرجل يقود منظمة لا تعبر عن أى مغزى سياسى.

 

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة