السبت 1 يونيو 2024

فقراؤها هم الذين يدفعون الثمن دائمًا

29-3-2017 | 13:19

بقلم – جمال أسعد

 

“سهل أن يدخل جمل من ثقب إبرة على أن يدخل غنى ملكوت السماوات.

لماذا اشتركت الأديان السماوية فى توصيف الغنى والأغنياء بهذا الوصف الذى يجعل جملًا يدخل من ثقب الإبرة أسهل وأهون من دخول غنى السماء أو الجنة خاصة الغنى المتكل على غناه هذا؛ لأن التاريخ والواقع والأحداث تؤكد أن الغنى دائما ما يهتم بجمع المال واكتنازه، لدرجة تجعل هذا الغنى يحب المال جدًا ينسيه كل شىء وأى شيء آخر غير جمع هذا المال، وعندما تسيطر غريزة وشهوة حب المال هنا تهون كل الأشياء أمام هذا المال وتلك الشهرة حتى قيل “لا يقدر الإنسان أن يعبد إلهين إما الله وإما المال”، وهنا يصبح المال للبعض هو المعبود، وإذا وصل حب المال لهذا الحد فكيف يكون هناك مجال آخر مثل التصدق والتبرع لغير القادرين من هؤلاء؟

 

ولذا علت وطلبت وحفزت الأديان على التبرع والتصدق ورعاية الفقراء والأيتام والأرامل وكل المحتاجين، والاحتياج هنا لا يعنى إعطاء المتسول الذى يمد يديه إلى طلب المال فهؤلاء هم مرتزقة وتجار لهذه الحرفة. ولكن الاحتياج هو لذلك الشخص الذى يعمل أو لا يجد عملًا، وفى كل الأحوال لا يجد ما يحتاجه وما يحتاج إليه أولاده وذووه، ولكن كرامته لا تجعله يمد يده طالبًا للمساعدة. وهنا تحضرنا قصة الخليفة عمر بن الخطاب عندما وجد امرأة أرملة وتعول ولا تجد قوت يومها لها ولأولادها، فقامت ووضعت القدر على النار، ذلك القدر الذى لا يوجد فيه غير الحصى حتى تصبر أولادها على جوعهم. وفى كل الأحوال فإن الفقير والمحتاج وغير القادر من الطبيعى كبشر، والبشر ضعيف، أن يتحول هذا الفقر وذاك الاحتياج خاصة عندما يجد هذا الفقير أمامه من يسرف ويبذر ويرهن أمواله شمالًا ويمينًا ويأتى بما يأكل من الخارج بالطائرات، أو يقيم حفل زفاف أولاده فى الخارج ذاهبا هو ومعازيمه طائرًا غانما مرفهًا، عندما يجد هذا المحتاج أن هناك من يسلب حقه ويعتدى على المال العام، ويغتنى بطرق غير مشروعة على حساب الفقراء خاصة عندما تتزاوج السلطة مع المال. هنا يسود الحسد وتسيطر الكراهية وتنتشر البغضاء وينفلت صراع الطبقات بما لا يؤتى خيرًا لا للبلاد ولا للعباد، وهنا قد رأينا على بن أبى طالب يقول “لو كان الفقر رجلًا لقتلته”، ويقول أبو ذر الغفارى “استعجب على رجل لا يجد قوت يومه لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه”، وهذا يعنى أنه لذلك قالت الأديان وأثبت الواقع أن الحل حتى تعيش المجتمعات فى حالة توازن وسلام اجتماعى، لابد أن تكون هناك حالة من التراحم والتشارك والمساعدة لمن يحتاج، ولذلك قد وجدنا المجتمعات الرأسمالية بعد أن وصلت إلى الحد الأعلى من الاستغلال المالى والسفه الاجتماعى قد تأثرت بالأنظمة الاشتراكية، حتى لا تقوم الثورات وتحرق الأخضر واليابس، فقامت تلك الأنظمة بإقرار أنظمة تقلل من الصراع الطبقى وتقدم الخدمة الصحية والتأمين والمعاش والرعاية الاجتماعية لمن يحتاج. قد رأينا واحدًا مثل بيل جيتس تبرع لمشروعات خيرية على مستوى العالم بعشرات المليارات من الدولارات. فما هو الموقف وما الحال فى مصرنا الغالية؟ فى مصر ولظروف تاريخية جعلت مصر طوال الوقت رهنًا لإرادة الغازى والمستعمر الذى يسيطر على الموارد، ويصادر الإمكانيات ويستبد بالبشر، الشىء الذى جعل مصر وخيرها وإمكاناتها لغير أبنائها. ولذا قد وجدنا دائمًا من يخون الوطن والشعب ويصبح فى ذيل الحاكم عميلًا للمحتل خادمًا للغازي، طالبا لمصالحه الشخصية محققًا لآماله الذاتية على حساب الوطن والكرامة الوطنية. وقد كان هذا هو الحال فى كل الأزمنة ومع كل الأنظمة. وستظل هذه النوعية من البشر ممارسة لهذا الاستغلال غير الشريف وبكل الصور وشتى الوسائل على الدوام. وبالطبع لا توجد أحكام مطلقة، فهناك فى تاريخ مصر من هم من الأغنياء القادرين الذين سرت فى دمائهم الوطنية المصرية، والذين تخلقوا بأخلاق الدين، فأنشأوا من المشاريع الاقتصادية ما يخدم الوطن والمواطنين، ويساعد فى تحرير الوطن من ربقة التبعية للمستعمر أمثال طلعت حرب. كما أننا لا نستطيع أن ننكر أنه بعد ظهور طبقة الأغنياء وملاك الأراضى بعد وضع أسس الدولة الحديثة فى عهد محمد على، وبعد أن شارك المصريون فى الحياة العامة، وسمح لهم بالاشتراك فى الجيش وأخذ الرتب مثل البكوية والباشاوية، وبعد أن شاركوا فى المجالس النيابية ظهر ما يسمى بجمعيات العمل الأهلى التى تقوم بتقديم الخدمات العامة للمحتاجين لهذه الخدمات بديلًا لمد اليد وحفظًا للكرامة خاصة فى مجال الصحة مثل إقامة المستشفيات وفتح المدارس، فكانت هناك وفى النصف الأخير من القرن التاسع عشر جمعيات مثل جمعية التوفيق المسيحية وجمعية المواساة الإسلامية؛ حيث كان ولازال المناخ الطائفى موجودًا وبشدة مما جعل ويجعل التكاثر فى إنشاء مثل هذه الجمعيات بمسميات طائفية. ولكن لا شك فهذه الجمعيات وعلى الرغم من كثرتها حتى وصل عددها إلى خمسين ألف جمعية. لا نرى عملا ونشاطًا حقيقيًا إلا لنسبة قليلة جدًا من هذا العدد الذى يعتمد على التمويل سواء كان الأجنبى أو التمويل الداخلى. وقليل من هذه المنظمات والجمعيات الأهلية التى تعتمد على تبرعات القادرين من الأغنياء. وهذا يعنى أن القادرين والأغنياء لا يقومون بأى دور فى مساعدة من يحتاج، والأهم بمساعدة تلك المشروعات العامة والقومية التى تخدم الجميع وتساهم فى البناء لصالح الجميع، وهذه المشروعات لاشك هى أحد الحلول المهمة لحل مشاكل المحتاجين فى صورة اقتصادية مطلوبة وفى إطار اجتماعى راق يحفظ كرامة المحتاج. لأنه ما هو الأنفع أن أعطى محتاجًا كمًا من المال يقوم بصرفه لكى يعيش ثم يعود للاحتياج مرة أخرى؟ أم أن نقوم معًا بالمساهمة والمشاركة فى إنشاء مشروعات دائمة تستوعب هذا المحتاج، فيكون له دخل يقيه من الاحتياج، ويقول المثل “بدلًا من أن تعطينى سمكة أعطنى شبكة”، وفى الواقع العملى لا تجد هؤلاء الذين يطلق عليهم رجال أعمال من الذين يملكون المليارات، تلك المليارات التى راكموها على أرض هذا الوطن ومن خير هذا الوطن ومن عرق أبناء هذا الوطن، لا يقومون بدورهم المطلوب فى هذا المجال. فعلى الرغم من وجود أعداد لا يستهان بها من هذه النوعية، والتى ظهرت على السطح خاصة بعد الانفتاح الساداتى الاستهلاكى الذى مازلنا وسنزال نعانى منه. تلك النوعية التى استمرت فى نهب ثروات وعرق الوطن والمواطن خاصة بعد وصول الثورة التكنولوجية الاتصالاتية، وبعد شركات المحمول والتى استغلت أسوأ استغلال لصالح هؤلاء، والتى راكمت لديهم المليارات، بعد استغلال تلك التسهيلات الاستثمارية، وقد وجدنا من يأخذ الأرض ويقيم المصانع بأموال المصريين فى البنوك ويعفى من الضرائب يقوم ببيع المصنع فى الوقت الذى يقوم فيه بإنشاء مشروع آخر وبنفس التسهيلات الاستثمارية ومن دون دفع مليم واحد ضرائب للدولة؛ وحتى يبيع وهكذا فيحصل على المكسب ويراكم الأموال ولا يدفع حق الوطن من الضرائب. هؤلاء وأمثالهم كثيرون من الذين يتمحكون فى السلطة بصورة أو بأخرى لتسهيل أعمالهم غير المشروعة، وقد رأينا قبل ٢٥ يناير من استغلوا عضوية الحزب الوطنى، ومن استغل ما يسمى بلجنة السياسات ومن نافق الوريث حتى يحصل على ما يريد وما يحدث وحدث لأحمد عز المسجون الآن فى قضية تربح غير مشروعة، والذى يعرض دفع نصف مليار للدولة للتصالح خير دليل على ذلك، مع العلم أن أحمد عز قبل ٢٥ يناير بعشر سنوات كان عازفًا فى الأفراح. ومثله من هم على السطح الآن ومن يمتلكون القنوات الفضائية ودور الصحف، ومن يفتحون الأحزاب فى إطار مشروعاتهم الاقتصادية وكأنها مشروع اقتصادى، ومن قام بشراء وترشيح نواب فى البرلمان، وكل هذا من أجل هدف واحد ووحيد هو مغازلة السلطة تقربًا لها عندما يحتاج إليها أو الضغط على النظام بهدف الابتزاز أيضًا لتحقيق مصلحة. كل هؤلاء ماذا دفعوا لمصر؟ ما هى مساهماتهم فى سد العجز لمواجهة المشكلة الاقتصادية، والأهم فى مواجهة الإرهاب وتلك التحديات الداخلية والخارجية التى تواجه الوطن ولا تريد سلامته؟ أين تبرعاتهم لصندوق تحيا مصر وهذا الصندوق لا علاقة له بالدولة أو سد عجز الموازنة، ولكنه هو صندوق يصرف منه لصالح مشروعات تسد حاجة واحتياج الجماهير. قد طلب السيسى بل ترجى هؤلاء فى بداية إنشاء الصندوق أن يساهموا بما لديهم من أموال راكموها من مصر وفى مصر، ولكنهم لا سميع ولا مجيب، فقد تحجرت قلوبهم وسدت آذانهم وتوقفت عقولهم عند شىء واحد هو المال والمال فقط، وليذهب الجميع إلى الجحيم عداهم. ولكن لا ولن يكون هؤلاء هم مصر والمصريين، فالمعدن المصرى والأصالة والتاريخ والحضارة القابعة فى الضمير الجمعى المصرى لا تعرف الغنى والفقر أمام الاحتياج وفى المواقف الصعبة والتى تحتاج إلى الوقوف والمساندة هنا نجد من الفقراء بالفعل هم الذين يتصدقون ويقدمون من حاجتهم واحتياجهم فهذا هو المصرى. وجدنا السيدة التى تبرعت بقرطها التى لا تملك سواه. وشاهدنا السيدة سبيلة تقدم للرئيس كل ما تملك وما ستملك لمصر أيًا كانت هذه التقدمة وأيًا كانت قيمتها، ولكن الأهم فى المشاعر والمواقف والانتماء. فمن يقدم كل ما يملك لا ولن يكون مثل من يقدم بعض بعض ما يملك. هذا فى الوقت الذى ترى فيه هؤلاء القابعين فوق ملياراتهم والمتدثرين بأموالهم التى لا تنفع أحدًا بغير العمل الصالح. يقومون بالمساهمة فى مشروعات ومظاهر لا تهدف لغير الظهور والأبهة والحضور الإعلامى لإرضاء الغرور وإسعاد الذات. فى كل الأحوال وعلى كل الأحوال فمصر لن تسقط ولن تحتاج إلى أمثال هؤلاء؛ لأن مصر بناها وعمرها ويخاف عليها وينتمى إلى ترابها الفقراء والمعوزون والمحتاجين لأن أموالهم القليلة ومساهماتهم البسيطة من عرق جبينهم ومن حر مالهم الحلال ومن صدق نياتهم. عاشت مصر للمصريين وعاش شعبها الصابر الواعى المنتمى.