د. عمرو دوارة - كاتب ومخرج مصري
شهدت الدورة التاسعة لمهرجان "المسرح العربي" التي أقيمت بالجزائر (10 ـ 19 يناير 2017)، دورة "عز الدين مجوبي"، زيادة عدد المسرحيين المدعوين من مختلف الدول العربية (550 مسرحيا) يمثلون مختلف مفردات العرض المسرحي ومختلف الأجيال، وذلك بخلاف الحرص على مشاركة أكبر عدد ممكن من المسرحيين الجزائريين.
المهرجان الذي تنظمه "الهيئة العربية للمسرح" برعاية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي (حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى للاتحاد) بالتنسيق مع إحدى العواصم العربية سنويا قدم دورة استثنائية لكثير من الأسباب المنطقية ومن أهمها إقامته تحت الرعاية المباشرة للسيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية وبإشراف كل من وزير الثقافة ووالي كل من مدينتي "وهران" و"مستغانم"، وذلك مع تشكيل لجنة تنسيقية على أعلى مستوى تقني ومهني بقيادة مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
ونظمت الأنشطة بمدينتي "وهران" و"مستغانم"، بخلاف تنظيم بعض الأنشطة بمدن أخرى مثل تلمسان، سيدي بلعباس، غليزان، عين تيموشنت، وذلك مع إطالة فترة انعقاد المهرجان إلى عشرة أيام (بدلا من سبعة)، وبالتالي زيادة الأنشطة بنسبة خمسين في المائة تقريبا.
وقد أعطت الجزائر الضيوف العرب صورة مشرقة لحاضر المسرح الجزائري، وأيضا تحديث وتطوير جميع الأنشطة المسرحية بمختلف تجمعات المحترفين والهواة سواء بالعاصمة أو الأقاليم. وأثبتت الدورة تعاظم الخبرات المتراكمة في تنظيم المهرجانات لكل من الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله أمين عام الهيئة العربية للمسرح، والدينامو المسرحي غنام غنام مسؤول الاتصال بالهيئة، والتي انعكست بصورة واضحة على جودة التنسيق مع الجانب الجزائري، بالإضافة إلى تعاظم الأنشطة.
وأعتقد صادقا أن نجاح وتميز هذه الدورة سوف يضع اللجنة المنظمة بالهيئة ودولة "تونس" وهي المنظمة للدورة العاشرة القادمة في تحد كبير.
تضمن حفل الافتتاح بخلاف كلمات المسؤولين (والي وهران، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، وزير الثقافة) كلمة المسرح العربي التي كتبها هذا العام الرائد المسرحي الأردني حاتم السيد، كما تضمن تكريم خمسة عشر فنانا جزائريا وهم الأعضاء الباقين على قيد الحياة أطال الله أعمارهم من "الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني"، كما عرض الأوبريت الغنائي "حيزية"، الذي كتبه الشاعر عز الدين ميهوبي (وزير الثقافة) مستلهما قصة الحب التراثية، وأخرجه فوزي بن إبراهيم، والذي نجح في تقديم رؤية إخراجية متميزة جمعت بين المتعة السمعية والبصرية، واعتمدت على تقديم الألحان والأغاني الشعبية الجميلة بأصوات قوية ومعبرة، وديكورات جمعت بين الموتيفات الشعبية مع توظيف التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخلفيات المناسبة المعبرة عن الأماكن المتتالية للأحداث الدرامية بسرعة ويسر.
واشتملت هذه الدورة التي تعد الأكبر حتى الآن على عدد كبير من الأنشطة التي تكاملت لتحقق أهدافها، والتي يمكن رصدها وتصنيفها كما يلي:
الندوات الفكرية:
بخلاف ندوات النقد التطبيقي التي نظمت مباشرة عقب انتهاء كل عرض من عروض المسابقة الرسمية بمسرح الشهيد عبد القادر علولة تم تنظيم ندوات فكرية بهدف تجديد روح البحث العلمي والخطاب الفكري والانطلاق إلى آفاق جديدة، وهي كما يلي: الندوات المحكمة (أربع ندوات):
الندوة الأولى: لتسمية أفضل ثلاثة من المتنافسين في مسابقة البحث العلمي المسرحي، وفاز بالمركز الأول عبد المجيد أهري، والثاني عادل القريب والثالث أمل بن ويس، وثلاثتهم من المغرب.
الندوة الثانية: لتحديد ترتيب أفضل ثلاثة من المؤلفين المتسابقين في مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للكبار، وفاز بالمركز الأول هزاع البراري (الأردن)، الثاني سعيد شحاتة (مصر)، وبالمركز الثالث مناصفة محمود القليني (مصر)، البوصيري عبد الله (ليبيا).
الندوة الثالثة: لتحديد أفضل المؤلفين المتسابقين في مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للطفل. وحجبت الجائزة الأولى لضعف النصوص المقدمة، الثانية مناصفة بين كل من كنزة مباركي (الجزائر)، د. مصطفى عبد الفتاح (سوريا)، المركز الثالث دحو فروج (الجزائر)، محمد أحمد مستجاب (مصر).
الندوة الرابعة: وهي الحلقة الثانية من المناظرة العلمية التي بدأت عام 2014 (في الدورة السادسة) بهدف حسم الأمر في "ريادة النص العربي بين كل من "مارون النقاش" و"إبراهام دانينوس"، والتي يتناظر فيها بشكل رئيسي الباحثان: د. سيد علي إسماعيل (مصر)، ود. مخلوف بو كروح (الجزائر).
وهناك ندوات أخرى منها عن: شهيد المسرح الجزائري عز الدين مجوبي، شهيد المسرح الجزائري عبد القادر علولة، فنون الإيماء والتعبير الحركي: وشارك فيها كل من رويدة غالي (لبنان)، سعيد سلامة (فلسطين)، صفاء محمدي، أحمد برعي (مصر). في النقد المسرحي (لصالح كلية الآداب والفنون). في التلقي والجماليات البصرية (لصالح كلية الآداب والفنون.( إضافة إلى ثلاثة ملتقيات متخصصة: ملتقى المسارح الجهوية الجزائرية، ملتقى المهرجانات المستضافة، ملتقى نجوم التمثيل الجامعي الجزائري (في مستغانم).
وتم تنظيم معرض للكتب بمسرح الشهيد عبد القادر علولة (بولاية وهران)، ونظيم أكثر من معرض: معرض الصور الذي أقيم بمدخل قاعة مركز المؤتمرات بفندق "المريديان" بولاية وهران، والذي تضمن صورا لرواد المسرح الجزائري، ومعرض الملابس الشعبية والمقتنيات التراثية التي توضح جمال وأصالة الفنون الشعبية الجزائرية.
كما تم تنظيم عشر ورشات تكوينية بمدينة "مستغانم"، شارك في الاستفادة منها عدد كبير من طلبة وطالبات الجامعات والمعهد الوطني لفنون العرض السمعي والبصري (ببرج كيفان)، وقام بإدارتها والتدريب فيها نخبة من المتخصصين، والورش هي: المسرح والتراث، الكتابة للكبار، الكتابة للأطفال، المسرح والأطفال، مفاهيم الإخراج، مهارات التمثيل، الإيماء، المكياج وفنون الأقنعة، المسرح والمكفوفين، المسرح والتغيير.
أصدر المهرجان نشرة يومية متميزة تحمل مسؤولية رئاسة تحريرها المسرحي محمد بوكراس، وشارك في تحريرها نخبة من الإعلاميين، وقد تضمنت تغطية متميزة لجميع الأنشطة بولايتي وهران ومستغانم، وأيضا مقالات نقدية لجميع العروض المسرحية المشاركة سواء بالمسابقة أو على الهامش، بخلاف مقالات بأقلام كبار المسرحيين العرب.
العروض المسرحية:
العروض المسرحية هي العمود الفقري أو النشاط الرئيسي لأي مهرجان مسرحي، وطبقا لعدد وتنوع وارتقاء مستوى العروض يتم تقييم المستوى الفني لكل دورة من دورات المهرجان، وقد تضمن المهرجان عددا كبيرا من العروض تم اختيارها من قبل لجنة المشاهدة والاختيار والتي تكونت من: عزيز خيون (العراق)، د. لينا أبيض (لبنان)، خالد الطريفي (الأردن)، خالد جلال (مصر)، د. نور الدين زيوال (المغرب). وتم تصنيف تلك العروض طبقا لمستوياتها وقوالبها الفنية وتقسيمها إلى أربعة أقسام (مسارات):
القسم الأول: عروض المسابقة الرسمية: تم اختيار ثمانية عروض: "الثلث الخالي" للمسرح الجهوي بالعلمة الجزائري، من تأليف محمد شواط وإخراج تونس آية علي، و"الخلطة السحرية للسعادة" لمسرح الهناجر المصري من تأليف وإخراج شادي الدالي، و"القلعة" لفرقة المسرح الكويتي عن نص لعبدالأمير شمخي وإخراج علي الحسيني، "خريف" لمسرح أنفاس المغربي لفاطمة هوري في التأليف وأسماء هوري في الإخراج، "يا رب" لمنتدى المسرح التجريبي العراقي عن نص لعبد النبي الزيدي وإخراج مصطفى ستار الركابي، "كل شيء عن أبي" لمسرح الشامات المغربي، من إعداد وإخراج بوسلهام الضعيف عن رواية لمحمد برادة، "ثورة دونكيشوت" لمسرح كلاندستينو التونسي، وألفها وأخرجها وليد الداغسني، و"العرس الوحشي" لوزارة الثقافة الأردنية، من تأليف العراقي فلاح شاكر، وإخراج الأردني عبد الكريم الجراح.
القسم الثاني: العروض المتأهلة للمشاركة بالمهرجان وهي: "زي الناس" تأليف برتولد بريخت، إخراج هاني عفيفي، "الزومبي والخطايا العشر" إخراج طارق الدويري (مصر)، "دوخة" تأليف وإخراج زهرة زموري، "المجنون" عن جبران خليل جبران، إخراج توفيق الجبالي (تونس)، "فندق العالمين" تأليف إيمانويل شميث، إخراج أحمد العقون، "القراب والصالحين" تأليف عبد الرحمن كاكي، إخراج نبيل بن سكة (الجزائر)، "خريف" إعداد وإخراج صميم حسب الله (العراق)، "النافذة" تأليف إيرينوش إيريدينسكي، وإخراج مجد فضة (سوريا).
القسم الثالث: وضم أربعة عروض تندرج تحت التجارب الخاصة وهي: تجربة "حصان البياحة" (السودان)، والتي اهتمت بتوظيف الفنون التراثية. تجربة "مسرحية أوديب" (الجزائر)، والتي اعتنت بالعمل مع المكفوفين. تجربة "مسرحية المزار" (سلطنة عمان)، والتي اعتنت بالعمل مع المعاقين. تجربة "مسرحية أماني" (السعودية)، والتي اهتمت وحرصت على مشاركة المرأة.
القسم الرابع: وضم ثلاث مسرحيات جزائرية تسعى إلى تجسير تجربتها مع محيطها الاجتماعي ثقافيا وتربويا وهي: "آش كلبك مات" لفرقة مسرح البليري للفنون والآداب. "أنا والماريشال" لتعاونية ورشة الباهية للمسرح والفنون. "لويزة" لفرقة مسرح عز الدين مجوبي عنابة الجهوي.
ويمكن من خلال رصد ودراسة عروض كل من القسم الأول والثاني أن نسجل الحقائق التالية:
أن أغلبها تتسم بالتجريب بصفة عامة، وتعتمد على مشاركة عدد صغير من الممثلين (حيث اعتمد كل من عرض "النافذة"، "العرس الوحشي"، "القلعة" على ممثلين فقط، كما اعتمد كل من عرض "يا رب"، "المجنون"، "الثلث الخالي" على ثلاثة ممثلين فقط، وكذلك اعتمد كل من عرض "كل شيء عن أبي"، "دوخة" على أربعة ممثلين فقط، وعرض ثورة دون كيشوت" على خمسة ممثلين). كما اختفت النصوص المسرحية الرصينة لكبار الكتاب العرب، واعتمدت بعض العروض على نصوص أجنبية (مثل: النافذة، زي الناس، فندق العالمين، "الزومبي والخطايا العشر")، واعتمدت بعض العروض على "لغة الجسد" كما في "خريف"، كذلك تضمنت بعض العروض جملا أو حوارت باللغة الفرنسية كما في عرضي "المجنون" و"كل شيء عن أبي"!
وقد بالغت بعض العروض في توظيف الصورة المسرحية على حساب الخطاب الدرامي ومثال لها عرضا: الزومبي (مصر) و"المجنون" (تونس)، وبرغم استمتاعي بالعرض الأخير لدقة توظيف المفردات الفنية وخاصة الإضاءة إلا أنه قد ظهر وكأنه نتاج لورشة تدريب للممثلين أو لفناني السينوغرافيا، أو بمعنى آخر كان فرصة لإظهار العضلات وتأكيد المهارات بصورة مفتعلة تغلب عليها الصنعة أو الحرفة.
وكان أغلب العروض انعكاسا لثورات الربيع العربي، وبالتالي فقد انعكست عليها قضايا التطرف والإرهاب والحروب الأهلية، وأوضح أمثلتها: خريف، يا رب (العراق)، العرس الوحشي (الأردن)، النافذة (سوريا)، دوخة، ثورة دون كيشوت (تونس).
أهم العروض المتميزة
لا تسمح المساحة بتناول جميع العروض المشاركة نقديا ولا حتى تناول عروض المسابقة الرسمية (وعددها ثمانية)، لذلك سوف أكتفي بالإشارة وإلقاء الضوء على أهم العروض المشاركة، مع إيضاح أسباب تميزها من وجهة نظري سواء كان ذلك التميز نتيجة لجودتها وارتقاء مستوها الفني أو يعود إلى أهمية الخطاب الدرامي الذي تقدمه.
"خريف" المغربي: عرض محكم الصنع ويعتمد على التوظيف الجيد لجميع المفردات المسرحية وخاصة الموسيقى والإضاءة، من إخراج أسماء هوري، وتأليف شقيقتها الراحلة فاطمة هوري، وبطولة فريدة بو عزاوي وسليمة مومني. ويتناول قصة امرأة تصاب بالسرطان، ويوضح مدى تأثر علاقتها بالرجل (زوجها) بعد اكتشاف هذا المرض، كما يسلط الضوء على كيفية نظرة المجتمع للإنسان المريض.
"النافذة" السوري: عرض متميز تناول بشكل رمزي وبسيط معاناة الشعب السوري الذي يبحث عن أي بارقة أمل لاستعادة الحياة، وذلك من خلال فتور العلاقة بين زوجين في مقتبل العمر بتأثير معاناة الحرب، وإصرار الزوج على التشبث بالأمل وتنازله عن كل متطلبات الحياة لانتظار وترقب ظهور الضوء مرة أخرى من النافذة المقابلة.
"فندق العالمين" الجزائري: فانتازيا عن مستشفى أو فندق تذهب إليه أرواح الأجساد التي في غيبوبة على الأرض خلال فترة انتظار القرار النهائي إما بالشفاء والعودة للأرض أو الصعود إلى السماء في حالة الموت، ومن خلال لقاء عدة نماذج وأنماط بشرية بهذا المكان يتم تقديم صورة انتقادية للواقع الحالي ومعاناتهم في أوطانهم.
"يا رب" العراقي: عرض بديع فنيا اعتمد على نص محكم البناء وصورة مسرحية معبرة وإمكانيات أدائية بديعة، وقد أثار الكثير من الجدل حول مدى حرية الفنان في اختيار الشكل الذي يتناول من خلاله القضايا التي يطرحها، وأيضا معايير التناول النقدي لبعض النصوص الحداثية، بحيث يظل المقياس الفني والجمالي هو المعيار الوحيد لتقييمها، مع رفض أي محاولة لتطبيق بعض المعايير الأخلاقية عليها. والعرض يتناول قضية ارتفاع أعداد الشهداء بالعراق الشقيق نتيجة للصراعات الأهلية واختلاف المذاهب الدينية والتدخلات الأجنبية، من خلال معاناة والدة أحد الشهداء، والتي وصل بها الحزن والقهر إلى مرحلة الاضطراب والشتت فلم تجد طريقا سوى مناجاة الله باسم جميع أمهات الشهداء ومطالبته بالتدخل الفوري لوقف الحروب وحماية أبنائهم، وكذلك اضطرت للجوء إلى كليم الله النبي "موسى" عليه السلام، لمساعدتهم ونقل معاناتهم إلى الله بوصفه الوحيد الذي منح فرصة الحوار مع الله.
المشاركة المصرية:
للأسف الشديد كانت المشاركة المصرية غير موفقة، فلم نحظ بالتمثيل المشرف ولا حتى بشرف المنافسة، وذلك بالرغم من أنها تعد من أكبر المشاركات بالمهرجان من حيث العدد مقارنة بمشاركات جميع الوفود الأخرى (باستثناء الجزائر البلد المضيفة بالطبع)، حيث تم تمثيل مصر بوفد كبير ضم نخبة من كبار المسرحيين بالإضافة إلى ثلاث فرق مسرحية هي الأكبر عددا (مقارنة بجميع العروض) ومع ذلك لم ننل حتى شرف الترشيح للجائزة، وكانت العروض المصرية الثلاثة التي لا تمثل الوجه الحقيقي لإبداعات المسرح المصري ولا مشاركات نجومه والتي تمثل فقط جيل الشباب هي:
"الخلطة السحرية للسعادة"، من إنتاج "مركز الهناجر للفنون"، وهو العرض الوحيد المشارك بالمسابقة الرسمية، ويمكن تصنيفه في إطار الكباريه السياسي بلوحاته المنفصلة المتصلة، وكم كنت أتمنى المحافظة على الإيقاع وتكثيف المشاهد بحيث لا يزيد زمن العرض على ساعة، وكذلك حذف لوحة الفن التي تسيء من وجهة نظري للفن المصري. وقد برز في هذا العرض قدرات ومهارت عدد من الممثلين في مقدمتهم فاطمة محمد علي ومحمد السعداوي.
"الزومبي والخطايا العشر"، من إنتاج "مركز الهناجر للفنون"، ويعتمد على التقنيات الحديثة (تقديم العرض من شاشة متعددة الأبعاد)، مع توظيف بعض التشكيلات والمهارات الجماعية، ويقدم بصورة متشظية أحداث ثورة يناير وتأثيراتها، وقد تم صياغة النص بالاعتماد على بعض النصوص المهمة ومن بينها: 1984 للكاتب البريطاني جورج أوريل، 451 فهرنهيت للأديب الأمريكي راي برادبري وكتابات الشاعر اللبناني وديع سعادة، وأعتقد أن مشكلة هذا العرض تكمن في أسلوب صياغة حوراته وكتابة السيناريو الخاص به، حيث تم الاهتمام بالصورة المسرحية على حساب الكلمة ووضوح الخطاب الدرامي. وتقتضي الحقيقة أن أسجل أن العرض السابق للمخرج "المحاكمة" من وجهة نظري كان أرقى وأنضج فنيا.
"زي الناس"، من إنتاج "مركز الإبداع"، ويحسب له اعتماده على نص رصين من إبداعات برتولد بريخت ووعي المخرج بمفهوم التغريب، وكذلك اعتماده على خفة ظل ومهارات مجموعة متجانسة من الممثلين، وفي مقدمتهم النجم الشاب هشام إسماعيل (هزاع في "الكبير")، أحمد السلكاوي، شادي عبد السلام، ماهر محمود، سارة. وكنت أفضل تكثيف زمن العرض وأحداثه الدرامية وعدم المبالغة في الخروج عن النص بلا مبرر درامي لمجرد كسر الإيهام، فإذا كان قد تم الخروج في بعض المشاهد بصورة جيدة فإن محاولات الإضحاك المفتعلة من قبل التاجر وابنة شقيقته أسهمت في ترهل الإيقاع برغم اجتهاد الممثلين.
الختام والعرض الفائز:
أسدل الستار بمدينة "مستغانم" بتتويج العرض المغربي "خريف" بجائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي وقيمتها 100 ألف درهم إماراتي (حوالي 27 ألف دولار)، جدير بالذكر أن لجنة التحكيم التي تشكلت برئاسة الأكاديمي السوداني يوسف عايدابي وعضوية كل من: المخرج والأكاديمي السوري عجاج سليم، الممثلة اللبنانية رندة جوزيف الأسمر، المخرج والكاتب الفلسطيني فتحي عبد الرحمن والناقد البحريني يوسف الحمدان، كانت اللجنة قد قامت بترشيح ثلاثة عروض أخرى للجائزة بخلاف العرض الفائز وهي: "القلعة" لفرقة الكويت ، "يا رب" لفريق العراق، "كل شيء عن أبي" لفريق المغرب.
وأخيرا خالص الشكر لكل من أسهم في إنجاح هذه الدورة مع خالص التمنيات باستمرار هذا المهرجان والمحافظة على تميزه.