الأربعاء 12 يونيو 2024

بالقانون وليس بالاستجداء.. نلزم الأغنياء بتحمل مسئولياتهم الاجتماعية

29-3-2017 | 13:23

بقلم –  عبدالقادر شهيب

لو أفصح صندوق تحيا مصر وغيره من الصناديق المشابهة كصناديق مستشفيات السرطان، عن قوائم المتبرعين لديها سوف يصدمنا أن أكثر التبرعات تأتى من البسطاء غير القادرين.. أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، وليس من الأغنياء والقادرين.. أغنياء مصر يضنّون على مصر ويبخلون بأموالهم التى جمعوها وراكموها من خلال أعمالهم وأنشطتهم واستثماراتهم داخل مصر على غير القادرين، رغم كل الدعوات المستمرة والتى لا تتوقف التى تحثهم وتشجعهم على المساهمة بقدر قليل من أموالهم الكثيرة.

 

للأسف الشديد لا يوجد لدينا سوى عدد محدود جداً من رجال الأعمال هم الذين قدموا تبرعات لصندوق تحيا مصر أو غيره من الصناديق المماثلة، رغم أن لديهم مسئولية اجتماعية تفرض عليهم أن يخصصوا قدراً من ثرواتهم التى جمعوها من أعمالهم واستثماراتهم أولاً للعاملين لديهم فى مؤسساتهم، وثانياً فى محيطهم الجغرافى.. وذات الأمر ينطبق على لاعبى الكرة الذين تبلغ عقودهم الملايين من الجنيهات، فضلاً عما يحصلون عليه من أموال تحت المائدة، وعلى الإعلاميين الذين يتقاضون أيضاً ملايين الجنيهات سنوياً، ولا الفنانين الذين يهتمون بإبرام عقود غير حقيقية تخفى الأرقام الضخمة التى يتقاضونها للتهرب من دفع الضرائب، بل إن واحداً منهم يوصف بالنجم الكبير عندما أشيع أنه تبرع لصندوق تحيا مصر بنحو مليون جنيه سارع بتكذيب ذلك فوراً وادعى أنه لا يملك مثل هذا المبلغ!.. وحتى الدعاة المشاهير الذين يجمعون الأموال الغزيرة من خلال برامجهم الدينية التلفزيونية لا يتبرعون أيضاً سواء لصندوق تحيا مصر أم غيره من الصناديق المشابهة، رغم أنهم يتحدثون ليل نهار لنا عن الحلال والحرام، وعن تعاليم الله التى من بينها البر والتقوى والتعامل مع ما نملكه من أموال باعتبارها أموال الله لا يجب أن نضن بها على من يحتاج لمعاونتنا ومساعدتنا.

وهذا يؤكد لنا بجلاء أنه ليس بالتوسل والمناشدات والحث نلزم الأغنياء لدينا بأن يتحملوا مسئوليتهم الاجتماعية.. كل ذلك كانت نتيجته محدودة بل مخجلة جداً.. فنحن لدينا عدد محدود جداً من رجال الأعمال يمارسون مسئولياتهم الاجتماعية، ويساهمون بتبرعاتهم المالية والعينية فى تمويل أعمال وأنشطة أهلية.. ومنهم من يفعل ذلك ابتغاء تحقيق مصالح ومباشرة من أجل التوسع فى أعمالهم واستثماراتهم، أو تقرباً من الحكم أو تفادياً للحرج منه.. بل إن لدينا بين رجال الأعمال من كان يحضهم على عدم الاستجابة لطلب مبكر للرئيس السيسى لهم لجمع نحو مائة مليار جنيه فى صندوق تحيا مصر لتدبير ما تنوء عن تحمل تدبيره موازنة الدولة التى تعانى عجزاً كان يتجه للزيادة، وأخرج لنا بسبب ذلك تضخماً يلتهم الدخول الحقيقية للأغلب الأعم من العاملين، ويؤدى إلى تخفيض مستوى معيشتهم.

ونحن لدينا نجم رياضى واحد فقط هو الذى بادر بالتبرع لصندوق تحيا مصر رغم أنه محترف فى الخارج، ومع ذلك لم ينسَ واجبه تجاه وطنه وأيضاً تجاه بلدته وأهلها، بينما أحجم نجوم رياضيون كبار خاصة نجوم كرة القدم الذين يتقاضون الملايين، عن التبرع ولو ببضعة آلاف الجنيهات.. وليس لدينا إعلامى واحد تبرع ولو بجنيه لصندوق تحيا مصر، وكل ما حصلنا عليه منهم مجرد وعود علنية على الهواء بالتبرع والإسهام فى هذا الصندوق أو اللقاء لبحث مثل هذا الإسهام.. أما الفنانون وكبار رجال الدين والدعاة الذين صاروا نجوماً تلفزيونيين فحتى الوعود بالتبرع والإسهام فى صندوق تحيا مصر قد ضنوا بها علينا، للإفلات من أن نلاحقهم للوفاء بهذه الوعود.

ورغم أن هناك من استنكروا هذا العزوف من أغنيائنا عن ممارسة مسئولياتهم الاجتماعية التى لا تفيد غير القادرين وحدهم وإنما تفيدهم قبلهم، لأن هؤلاء الأغنياء يأمنون على ثرواتهم ويستمتعون بها عندما يكون مجتمعهم آمناً ومستقراً.. ولن يكون مجتمعهم كذلك إلا إذا خفت فيه الضغوط التى يتعرض لها الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وهم الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع.. وهذا ما فهمه أثرياء الغرب الأوربى وأمريكا، فسارعوا بتمويل أنشطة عديدة أهلية ومدنية لخدمة الفقراء وغير القادرين، وتبرعوا بقسط من ثرواتهم أو أوقفوا قدراً منها للإنفاق على أعمال الخير والأنشطة الأهلية، رغم أنهم فى ذات الوقت يدفعون الضرائب بانتظام ولا يتهربون منها كما يحدث لدينا، يتسابقون فى فعل ذلك، بينما نحن لدينا من حضّ رجال الأعمال على عدم الاستجابة لطلب رئيس الجمهورية للتبرع فى صندوق تحيا مصر حتى لا يكرر هذا الطلب منهم مجدداً، ولذلك لم يجمع هذا الصندوق سوى بضعة مليارات قليلة من الجنيهات أغلبها جمعها من البسطاء وغير الأثرياء، بينما كان الرئيس يطمح قبل ثلاثة أعوام فى جمع مائة مليار جنيه!

وهكذا.. لا الاستجداء نفع مع أثريائنا ولا المناشدات والدعوات نفعت، ولا أيضاً استنكار عزوفهم عن أداء مسئوليتهم الاجتماعية نفع أيضاً.. ولذلك لا يتبقى سوى إلزامهم بذلك قانوناً مثلما تفعل كل الدول المتقدمة.. وأنا هنا - حاشا لله - لا أقصد بالطبع إلزامهم قانوناً بتقديم تبرعات أو فعل الخير، وإنما أعنى إلزامهم قانوناً بالإسهام بقدر من ثرواتهم فى تمويل الخدمات التى تقدم لغير القادرين من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، وأيضاً لتخفيف الأعباء على أصحاب الدخول المتوسطة.. وسبيلنا إلى ذلك الضرائب مثلما تفعل كل الدول الرأسمالية الكبيرة.. بالضرائب نستطيع أن نستقطع جزءاً من دخول هؤلاء الأثرياء لتوفير موارد تحتاجها بشدة الحكومة للإنفاق على ما تقدمه من خدمات، خاصة بسبب أن إنفاقها يزيد على مواردها المالية مما يسبب عجزاً فى موازنتها اقترب من نسبة ١٢٪ من الناتج القومى وتستهدف الحكومة فى موازنتها الجديدة.. للعام المالى القادم لتخفيض هذا العجز إلى أقل من نسبة ١٠٪ من الناتج القومى.

وإذا كنا لا نستطيع الآن فى ظل انخفاض النمو الاقتصادى ولحاجتنا لتشجيع الاستثمار الخاص، أن نراجع بشكل جوهرى قانون الضرائب خاصة على الدخل، فإننا يمكننا أن نبدأ فوراً بملاحقة المتهربين من الضرائب والمتأخرين فى سداد التزاماتهم الضريبية.. ويمكننا أيضاً أن نسرع فى تنفيذ وتطبيق قانون الضريبة العقارية وبشكل كامل على كل أصحاب العقارات الفخمة والضخمة من قصور وفيلات وأيضاً شاليهات خاصة فى المدن الساحلية والمدن الجديدة والأحياء الراقية فى القاهرة الجديدة “التجمع و٦ أكتوبر والشيخ زايد وغيرها”.

ثم إن فى إمكاننا أن نجدد تلك الضريبة التى سبق أن فرضناها من قبل على الأثرياء لمرة واحدة قبل عدة سنوات مضت، وأن نعيد فرضها مجدداً خلال العام المالى الجديد، أو على الأقل خلال أعوام الإصلاح الاقتصادى، حتى يساهم الأغنياء بقدر مناسب فى تحمل أعباء هذا الإصلاح، ولا نترك غير القادرين من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة فى تحمل معظم هذه الأعباء فى وقت أعيتهم هذه الأعباء وثقلت على كاهلهم.

كذلك فى مقدورنا أن نفعل شيئاً مجدياً فى كبح جماح كبار المستثمرين والمنتجين والتجار والمستوردين فى المغالاة التى يقومون بها فى فرض هوامش ربح كبيرة جداً لهم تتجاوز ١٥٠ فى المائة، بينما هوامش الربح فى الدول الرأسمالية الكبيرة لا يتجاوز ٢٠ - ٢٥ فى المائة.. وهذا يتحقق من خلال مواجهة الأوضاع الاحتكارية التى تسيطر على اقتصادنا وعلى الاحتكارات التى تتحكم فى أسواقنا، حيث توجد حفنة من المحتكرين يسيطرون الآن على إنتاج واستيراد وتجارة معظم السلع الأساسية والضرورية، ويفرضون من خلال احتكارهم هذه الأسعار التى تحقق لهم هوامش ربح ضخمة على المستهلكين.. وإذا نجحنا فى ذلك فنحن نساهم بذلك فى إعادة توزيع الدخل القومى بطريقة أكثر عدلاً.. أى نأخذ من القادرين لنعطى غير القادرين، من خلال وقف حصول هؤلاء الأغنياء على ما لا يستحقونه على حساب أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.

وبذلك فقط نستطيع أن نلزم الأغنياء، ومن خلال القانون، أن يقوموا بمسئولياتهم المجتمعية وأن يساهموا بقدر من ثرواتهم التى راكموها من خلال أعمالهم وأنشطتهم واستثماراتهم فى تخفيف العبء الضخم الذى ينوء بحمله أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.. أما المناشدات والاستجداءات والمطالبات فلا تفيد ولا تجدى ولا تنفع، كما أثبتت خبرتنا الحالية والسابقة مع الأغنياء فى بلادنا، وكما تفيد خبرات كل البلاد التى تقدمت اقتصادياً، وحرصت على توفير الاستقرار والأمن فى مجتمعاتها.