السبت 25 مايو 2024

صحة تلاميذنا فى تعليم سليم وليس فى وجبة فقط

29-3-2017 | 14:00

بقلم –  محمود الحضرى

صحة تلاميذنا في المدارس مهمة جداً وقضية أمن قومي، وتستحق الاهتمام وحمايتهم من أى مكروه، حتى لو من مجرد الشك في صلاحية وجبة توزع عليهم، مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، ولكن ما الأهم الدخول في متاهة الوجبة الفاسدة، أم أن تكون الوجبة ضمن مناقشة توفير تعليم صحي في فصول آدمية، وبكثافة مناسبة، وبتعليم من هيئات تدريس تعيش بكرامة ودخل مناسب؟.

لاشك أن قضية الاشتباه في حالات تسمم أطفال تلاميذ بعدد من مدارس المحافظات ببر مصر، قضية خطيرة، وتمثل ناقوس خطر جديد فيما تعانيه منظومة التعليم بالكامل من خلل متشعب وفي جميع المناحي، كما تعدى الخطر ذلك لارتباط الحادث بالعديد من الوزارات والمؤسسات والجهات المسؤولة والخاصة، في وقت تعددت حالاته، وتنوعت أماكن وقوعها، وتكرارها بشكل سريع.

ومن المؤكد أن حوادث الاشتباه في حالات تسمم التلاميذ فرصة مهمة لا يجب تفويتها لإصلاح منظومة التغذية المدرسية، بما فيها عمليات الفوضى التي تحدث في توزيعها، والوقت المهدر في الفصول الدراسية خلال التوزيع، وما ينتج عن ذلك من تضييع أوقات وحصص دراسية على التلاميذ.

وخلل منظومة التغذية المدرسية جزء من خلل أكبر وأوسع في منظومة التعليم، والذي يعاني من ثغرات عديدة، تحتاج إلى رؤية وخارطة طريق شاملة تعالج مختلف الجوانب، وصولاً إلى طالب يحمل مقومات جديدة في مسيرة التعليم من الروضة إلى الثانوي، ليلتحق بالتعليم الجامعي، وفق أسس منهجية سليمة، وبمخرجات تواكب متطلبات العصر والتطور.

ولأن منظومة التغذية المدرسية تخص نحو ١٠ ملايين تلميذ في مختلف المحافظات، هو الأمر الذي تطلب عملاً جماعياً لمواجهة نزيف الحالات واتساع دائرة الإصابات، وحسناً فعل وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي، يوم الأربعاء الماضي ٢٢ مارس، بوقف توزيع وجبات التغذية المدرسية، بما فيها الوجبات في مخازن المدارس، وذلك لحين الوقوف على نتائج التحقيقات التي تجريها جهات متعددة، ولوضع حد لحالات الإصابات المتكررة.

إلا أن الغريب في الأمر أنه ورغم وقف التوزيع للوجبات، ظهرت حالات إصابة الخميس الماضي، في بعض المناطق مثل بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وهو ما يشير إلى شيء ما، خصوصا أن الأطفال المصابين تناولوا وجبات من الباعة الجائلين في محيط مدارسهم.

وحتما فإن قرار الوقف إن كان حلاً مؤقتا، فمن المهم أن يكون هناك حل طويل المدى، يتعلق بالتدقيق في أي قرارات متوقعة، دون الدخول في مقترحات صرف قيمة الوجبة نقداً لتلاميذ المدارس، وإنما بالبحث عن منظومة تغذية أكثر دقة، وشروط أكثر رقابة وفاعلية، خصوصا مع ميزانية مليار جنيه سنويا لهذه الوجبات، وليس بالضرورة أن يتم إضافة عبء جديد على القوات المسلحة، بإسناد إعداد الوجبات لها، فكفى ما تتحمله من أعباء.

ولكن السؤال المهم، هل تحولت قضية التعليم في مسألة التغذية المدرسية فقط؟، فهناك من حاول تحويل القضية عن مسارها الحقيقي وهو التركيز على تطوير التعليم نحو قطاع متطور وجديد وبأدوات جديدة، ونحو نقلة نوعية في التعليم الذي سقط سقوطاً مروعاً بسبب التركيز على منظومة فاسدة، وتحويل التعليم إلى تجارة في معظمه، ومدارس خالية من أي مهارات، بل من أي طلاب في معظمها، بالاعتماد على الدروس الخصوصية.

وواقع التعليم لا يخفى على أحد فوفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر تحت عنوان “النمو الشامل والتنمية لعام ٢٠١٧″، فقد جاء ترتيب مصر في مؤشر التعليم بالمركز الـ١٧ من بين ٣٤ دولة بين الدول النامية، وهي الدول التي أتيحت عنها معلومات فيما حصره التقرير.

ويشير التقرير إلى أن التعليم في مصر لا يصل إلى نسبة كافية من السكان وكذلك ينقصه الجودة، وعلى الرغم من المشروعات الجديدة التي شهدتها مصر وفرص العمل الجديدة التي تم توفيرها فإن النمو سيظل مقيدا بنقص التمويل، وضعف البنية التحتية في وسائل المواصلات، وتدني مخرجات التعليم، وجاء تصنيف مصر بالتقرير في ٧ مؤشرات بمستويات مختلفة.

وحدث ولا حرج عن موقع مصر في التقرير، حيث صنفنا المنتدى الاقتصادي العالمي في المركز الـ٧٣ ضمن مجموعة الدول النامية والتي تضم ٧٩ دولة، كما جاءت ضمن مجموعة الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل وعددها ٣٧ دولة، وفي المركز الـ ١٣ من بين ٣٧ دولة، في مؤشر البنية التحتية والخدمات الأساسية، بينما في مكافحة الفساد احتلت المركز الـ ١٥ من بين ٣٧ دولة.

ويضم التقرير ١٠٩ دول مقسمة إلى مجموعتين أساسيتين، الأولى تضم ٣٠ دولة متقدمة، والثانية تضم ٧٩ دولة نامية، ومقسمة إلى ٣ شرائح فرعية، العليا من الدول متوسطة الدخل وعددها ٢٦ دولة، والدنيا من الدول متوسطة الدخل وعددها ٣٧ دولة، والدول منخفضة الدخل وعددها ١٦ دولة، وكان موقعنا في التعليم، وللأسف، متدنياً.

أرقام التقرير مفزعة جداً في مختلف المجالات، ولكن ما يهمنا هنا ما يتعلق بالتعليم، الذي تركناه لنتحدث في فرعيات، حول «البوكليت» وجدول الثانوية العامة، ثم جاءت قضية «التغذية المدرسية» لندخل نفقاً جديدأ وعالما من المتاهات، تاركين القلب الموجوع في المنظومة وهو التعليم نفسه، والعمل على الخروج من نفق مظلم فشل في إنارته والخروج منه كل الوزراء، والخبراء، لتصبح المقترحات حبرا على ورق.

التعليم بحاجة إلى ثورة شاملة، دون أن نُلقي بمسؤولية حالة التدهور على المجانية، أو على التغذية المدرسية التي تستنزف مليار جنيه سنويا، دون أن تحقق نفعاً لأي تلميذ، حتى وصل إلى نقاش وتحقيقات حول حالات اشتباه في تسمم أصاب عددا من تلاميذ المدارس، وإن لم يتم وضع خارطة طريق لإنقاذ التعليم، سنظل نتحدث لسنوات حول قضايا فرعية، دون أن ندخل في أحشاء وبؤرة المرض الحقيقي للتعليم والذي يحتاج إلى تركيز على المهارات وليس على قطعة جبن وباكو بسكويت وقطعة حلوى يحصل عليها التلميذ بأقصى حد ثلاث مرات أسبوعياً، ونهمل التعليم الذي يتلقاه يومياً.

 

    الاكثر قراءة