الجمعة 31 مايو 2024

«الصحابة والمترو»

29-3-2017 | 14:02

بقلم –  طه فرغلى

فى الوقت الذى كانت الأنباء تترى عن زيادة سعر تذكرة المترو، وتطبيق الزيادة الجديدة، التى تعادل مائة بالمائة من سعر التذكرة، كان مختار جمعة، وزير الأوقاف، يستنفر جهوده لحشد الإعلام لافتتاح مسجد الصحابة فى شرم الشيخ.

الناس تشكو الزيادة، ولا تملك إلا الدعاء، وجمعة يجمع الجمع لافتتاح مسجد جديد تكلف ملايين فى وقت تشكو الدولة الفاقة والعوز.

تقديرات البعض ذهبت إلى أن مسجد الصحابة تكلف ما يقرب من ٣٠ مليون جنيه، تحفة معمارية صممت على أحدث طراز معمارى، أسهب جمعة فى وصف فخامته حتى عده «أيقونة معمارية في القرن الحادي والعشرين في مجال العمارة الإسلامية»، على حد تعبيره.

لا ضير فى بناء المساجد، ولكن هل فى وقت الأزمات ودعوات التقشف نسرف فى فخامة البناء؟.. ندعو الناس إلى التحمل والصبر وربط الحجارة على البطون ونحن نفتتح أفخم الأبنية ونتفشخر من باب الفشخرة الكاذبة بافتتاح مسجد على أحدث الطرز المعمارية ونحن نسأل الله الستر.

أيهما أولى صرف الملايين على بناء مسجد أم إصلاح بوابات المترو المعطلة منذ سنوات؟

أيهما أولى ملايين على دور العبادة أم شراء أجهزة ومعدات طبية لمستشفيات تشكو ذل الحاجة وتطلب التبرع ليل نهار؟

هل نبنى المساجد أم نعمر المدارس؟

وهل شرم الشيخ فى حاجة إلى مساجد جديدة، حتى وإن لم تتكلف الدولة مليما واحدا فى بناء المسجد الجديد، حتى وإن كان أقيم بالتبرعات والجهود الذاتية، ألم يكن من الأجدى والأنفع للناس توجيه الملايين لما ينفعهم؟!

الصلاة جائزة فى أى مكان «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» والرسول بنى مسجده فى المدينة المنورة بالجريد وعروق النخيل، لم يبن طرازا معماريا فريدا يباهى به الفرس والروم، بنى بيتا لله وحده لا يبغى أبهة ولا فخامة.

«فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه»، لم يطالبنا الله ببناء المساجد الفخمة ولا الفارهة، وبيوت الله لم تكن أبدا تقام لجذب السياحة، كما يدعون، بيوت الله للعبادة.

لم يشك أهالى سيناء من قلة المساجد أو ندرتها، لم يطالبوا ببناء المساجد لجذب السائحين.

لو كانت هذه الملايين صرفت تعويضات لمن تضرروا بسبب توقف السياحة وللعاملين، الذين أضيروا جراء الأحداث الإرهابية الأخيرة لكان خيرا لهم.

يتفشخر جمعة بمسجد جديد صرفت عليه الملايين وسمى الصحابة وهو لا يدرى أن الصحابة ساروا على نهج صاحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البعد عن الترف والمظاهر الخادعة.

يتفشخر جمعة بمسجد صرفت عليه الملايين والناس يعانون ويشكون الغلاء ويدعون اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء.

بات الناس ليلة الجمعة وهم يضربون أخماسا فى أسداس كيف سيدبرون الزيادة فى سعر تذكرة المترو؟، وبات جمعة ليلته وهو يفكر كيف يجعل افتتاح مسجد الصحابة حدثا يخطف الأنظار ويحقق من ورائه الشو الذى يسعى إليه.

الناس الآن ليست فى حاجة إلى مساجد جديدة تبسط الأوقاف عليها نفوذها.. ولكنهم فى حاجة إلى مستشفيات توفر الرعاية الصحية، وإلى مدارس تقدم تعليما متميزا.

كثرت المساجد وخربت الضمائر وانتشر الإرهاب والتطرف.

جمعة ليل نهار يتحدث عن المواجهة وعن الحرب على الإرهاب والأفكار المتطرفة وبين يديه أكثر من ٦٠ ألف زاوية ملاذ للمتطرفين والإرهابيين والجماعات المتشددة لا يستطيع أن يفعل حيالها شيئا.

كفى استفزازا للناس، إذا كان مطلوبا التقشف فيجب أن يكون التقشف شعار الدولة كلها، لا أن  يكون الأمر«تقتير هنا وإسراف هناك»، كما قال إمام الأزهر الراحل الشيخ عبدالمجيد سليم!