الإثنين 13 مايو 2024

من الذى وضع نهاية قصة حبهما؟ العندليب والسندريللا وثالثهما صلاح نصر

29-3-2017 | 14:15

بقلم: أشرف غريب

تقول تجارب التاريخ أن الأقوياء مآلهم دائما إلى صدام ، وتؤكد نظريات علم النفس وخاصة عند فرويد أن غريزة حب البقاء هى ما تقود حتما إلى هذا الصدام ، ومن هنا شرعت الغابة قانونها الأبدى بأن البقاء للأقوى .

هكذا كانت الحال على مسرح الأحداث فى مصر طوال ستينيات القرن العشرين تحديدا : صدام غير علنى بين قوتين عظميين هما الرئيس جمال عبد الناصر ونائبه عبد الحكيم عامر انتهى بهزيمة جيش ونحر قائده ، وصراع دفين ومتشابك بين كل أقوياء الدولة بحثا عن رضاء إحدى القوتين العظميين ، أو تنفيسا عن عقد الغطرسة واستغلال النفوذ .. الكل يريد أن يشعر بعظمته وقدرته على التحكم فى مصائر الآخرين حتى لو كان هؤلاء الآخرون لا يجرون معهم فى نفس مضمار السباق ، أو يجمعهم ملعب مشترك .

فى هذه الأجواء وانطلاقا من تلك العقد النفسية كان صلاح نصر رئيس مخابرات عبد الناصر ينسج خيوط علاقته بالآخرين أى آخرين ، المهم أن يكون هو الأقوى فى هذه العلاقة وإلا بماذا تفسرون كم عمليات التنصت والتتبع والترويع التى ما زلنا نسمع عنها حتى اليوم لأشخاص لم يكن لا للرجل ولا لجهازه الحساس أى احتكاك مباشر بهم ، أو ينتظر من وراء عمليات كهذه أى فائدة وطنية أو أمنية تذكر ، ومثل هؤلاء البشر الذين أعجبتهم قوتهم إذا لم يجدوا خصوما حقيقيين فإنهم يصنعون لهم خصوما كى يستمتعوا بمحاربتهم ، وقد صنع صلاح نصر بالفعل من العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ خصما له ، ربما لأن حليم كان نافذا بصورة لا تروق للرجل عند رئيسيه المباشرين ناصر وعامر ، وربما أيضا لأن العندليب على كل هذا الضعف الإنسانى الذى برع فى إظهاره كان قويا بجمهوره الذى يعشقه وبتأثيره فيهم ، ومن هنا كان عبد الحليم هدفا دائما ومحببا لدى صلاح نصر .. هكذا لعب الرجل القوى دورا مهما فى إذكاء الخلاف بين حليم وأم كلثوم فى أزمة حفل أعياد ثورة يوليو سنة ١٩٦٤ أو على الأقل فى إطالة أمد تلك الأزمة من خلال محاولة إخراج شمس بدران من مبادرات التوفيق بين الطرفين ، أو الحيلولة دون وصول تفاصيلها إلى الرئيس عبد الناصر وهى الأزمة التى نجح فيها حليم فى تجاوز كل فخاخ صلاح نصر والانفراد بعبد الحكيم عامر الذى نصحه فى النهاية بضرورة الاعتذار لأم كلثوم لأن سيدة الغناء العربى كانت ببساطة من بين أقوياء هذا الزمان ، أو أحد اللاعبين المهمين على ملعب البقاء للأقوى .. وهكذا أيضا جمع صلاح نصر كل ملف قضية اتهام عبد الحليم بالاتجار فى العملة ، ووضعه أمام زكريا محيى الدين الذى اتخذ قرارا بمساءلة العندليب وتعريضه للعقوبة الجنائية دون الاكتراث بشعبيته الطاغية أو بقربه من الرئيس عبد الناصر الذى أنقذه فى النهاية من هذه القضية على الرغم من تورط عبد الحليم فيها سواء بقصد أو بدون قصد عندما كان يأخذ من المصريين العاملين بالخارج نقودا بالعملة الصعبة ويسلمها لذويهم فى مصر بالعملة المحلية .

غير أن المعركة الأكثر شراسة بين عبد الحليم حافظ وصلاح نصر كانت على الفنانة سعاد حسنى بل إن رأيا مهما بات ممكنا تصديقه اليوم بأن محاولات تجنيد سعاد حسنى والسيطرة عليها للعمل مع مخابرات هذا الرجل لم يكن الهدف منها سوى إذلال عبد الحليم حافظ نفسه، يقول طبيبه المرافق د . هشام عيسى فى كتابه « حليم وأنا « أنه حين شاعت قصة الزواج المرتقب بين عبد الحليم وسعاد تلقى حليم مكالمة تليفونية من رئيس جهاز المخابرات وقتها صلاح نصر أسر فيها له بأن سعاد حسنى متورطة فى العمل مع الجهاز فى أعمال غير أخلاقية ، وأنه يأبى عليه أن يتزوج منها لأنه يحبه ويقدره « أما منير عامر الذى سبق وكتب مذكرات عبد الحليم حافظ فيحكى لمجلة روز اليوسف بتاريح ٢٥/٤/١٩٩٤ عن رواية أقرب إلى أفلام السينما مفادها أن رجل الأمن المسئول عن ترفيه عبد الحكيم عامر ( يقصد صلاح نصر طبعا ) قام باختطاف عبد الحليم حافظ فى فبراير ١٩٦٧ فى فيللا بالهرم ، وأن حليم فوجئ برجال هذا الرجل صاحب الجبروت يدخلون عليه ويلقون بسجادة خرجت منها حبيبته النجمة المعروفة على طريقة فيلم « كليوباترا « ثم بدأ صلاح نصر يقول كلاما خارج عن الأدب ، ويصرخ فى وجه عبد الحليم : أنت فاكر نفسك مطرب بجد ؟ أنت ولا حاجة ، ثم أمره أن يغنى ، ويضيف عامر أنه لم ينقذ عبد الحليم فى تلك الليلة سوى قوله لهذا الرجل أنه خائف أن يهاجمه النزيف وتبقى حكاية ، ففهم الرجل الرسالة ، وأمر الأتباع بأن تحمل السيارة عبد الحليم والممثلة التى لم يذكرها بالاسم لأن سعاد كانت حتى ذلك التاريخ على قيد الحياة لتعود بهما إلى بيت كل منهما .

وربما كان لصلاح نصر هدف دفين من وراء ذلك كله سواء إذلال عبد الحليم أو الاستحواذ على سعاد لنفسه قبل أن تكون لجهازه أو للأمرين معا ، وهو ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن ملف علاقة سعاد حسنى بجهاز صلاح نصر كان السبب الحقيقى فى نهاية قصة حب النجمين الكبيرين هذه النهاية غير السعيدة الأمر الذى قمت بتفنيده بالتفصيل فى كتابى الجديد الصادر قبل أيام عن دار الشروق تحت عنوان « العندليب والسندريللا .. الحقيقة الغائبة «

لقد قال عبد الحليم فى مذكراته التى كتبتها إيريس نظمى وأصدرتها أخبار اليوم سنة ١٩٧٧– وهى بالمناسبة الصياغة الصحفية المهذبة للكلام ذاته الموجود على شريط كاسيت بصوت العندليب والذى يختفظ به ابن شقيقه محمد شبانة – إنه كان من الممكن أن يتزوج سعاد حسنى ، وإنه لا ينكر أنه أحبها ، لكن سعاد لم تعطه الفرصة ..لنستعيد هنا ما قاله العندليب فى تلك المذكرات :

« لا أريد أن أخوض كثيرا فى هذه النقطة لأن فيها نوعا من التجريح ، إن الحب هو أيضا احترام متبادل ، وإذا انعدم الاحترام بين المحبين سقط الحب . إن الحب ليس عاطفة فقط ، إنه أيضا الاحترام ، وإذا لم تحترم الحبيبة حبيبها ، وإذا لم يحترم الحبيب حبيبته ضاع الحب واختفى فى زوايا النسيان ... كانت علاقة حب ناقصة ، ينقصها شىء ضرورى وهام ، هو الاحترام . «

وقال عبد الحليم أيضا فى حوار له بمجلة الشبكة عام ١٩٧٠ العدد رقم ٧٥١ ردا على سؤاله عن المرأة التى تركت أثرا لا ينسى فى حياته « امرأة سمراء حلوة لو أنها لم تجرحنى لكانت حكايتى معها أروع حكاية حب فى حياتى « صحيح أنه لم يسمها بالاسم لكن الشواهد وسنة النشر تؤكد أن سعاد حسنى كانت المقصودة ، فما الذى يمكن أن تكون فعلته سعاد وتسبب فى جرح عبد الحليم إلى هذا الحد ؟ وما الذى حدث كى يصف علاقته بها بأنه حب ينقصه الاحترام ؟

هل هو بحق ملف علاقتها بجهاز صلاح نصر كما يقول البعض ؟

هل يكون هذا الملف الشائك وراء كل الاتهامات التى كالها عبد الحليم لسعاد والتى انتهت بانفصالهما بعد كل هذه السنوات ؟ فى تقديرى أن هذا غير صحيح لمجموعة من الأسباب ، أهمها :

أولا : فى اعترافاته أمام مكتب التحقيق والادعاء بمحكمة الثورة فى صباح الخميس التاسع والعشرين من فبراير ١٩٦٨ قال صفوت الشريف أحد المتهمين فى قضية انحراف صلاح نصر أن عملية استقطاب سعاد حسنى للعمل مع الجهاز تمت فى حدود أكتوبر ١٩٦٣، وأنها رفضت التعاون معهم أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية بالإسكندرية فى صيف ١٩٦٤ ، فقرر صلاح نصر صرف النظر عن التعامل معها لأنها بدأت تتحدث عن علاقتها بالجهاز خاصة أنها لم تبد أى تعاون معهم منذ أكتوبر ١٩٦٣ وحتى تاريخ إنهاء العملية ، وبالمناسبة فإن صفوت الشريف يذكر فى اعترافاته بأن عملية السيطرة على سعاد حسنى كانت الوحيدة التى حرص صلاح نصر على حضورها بنفسه على خلاف كل عمليات السيطرة الأخرى ، ولما كانت كل الثوابت السابقة تؤكد استمرار علاقة عبد الحليم وسعاد حتى صيف ١٩٦٦ فذلك معناه أن هذا الملف لم يكن له أى دور فى خلافات حليم وسعاد ، ولم يكن مسئولا عن نهاية قصة حبهما بعد مرور أكثر من سنتين على هذه القضية .

ثانيا : يؤكد الدكتور هشام عيسى نفسه فى كتابه « حليم وأنا « أن مكالمة صلاح نصر لعبد الحليم بعد أن شاعت أخبار قرب زواجه من سعاد حسنى لم تؤثر قيد أنملة – على حد تعبيره – على شعوره نحوها ، بل على العكس سارع إلى مكالمة سعاد تليفونيا ، وأخذ ينصحها بأن تتمرد عليهم ، وأن تتوقف عن التعامل معهم مع وعد منه بدعمها ، وهو مايعنى أنه حتى ردة الفعل الأولى من جانب عبد الحليم كانت تتسم بالهدوء والشهامة على عكس المتوقع ، فإذا ما علمنا أن عبد الحليم سعى بعد ذلك بالفعل لدى الرئيس عبد الناصر ونائبه عبد الحكيم عامر كى يكف صلاح نصر أذاه عنه وعن سعاد أدركنا أيضا أن العندليب لم يتوقف فى علاقته بالسندريللا عند هذا الموضوع .

ثالثا : أستعيد هنا واقعة مراجعة سعاد حسنى لعبد الحليم فى خلافه مع أم كلثوم وعبد الوهاب بسبب الحفل الشهير الذى غنت فيه كوكب الشرق أغنية « أنت عمرى « وقصيدة « على باب مصر « وهما من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب ، وغناء عبد الحليم متأخرا بعد منتصف الليل ما أدى إلى اعتراضه ، ومن ثم غضب أم كلثوم عليه ، وبما أن هذه الواقعة حدثت فى الاحتفال بأعياد ثورة يوليو ١٩٦٤ إبان التوقيت الذى حدده صفوت الشريف لنهاية علاقة سعاد بجهاز صلاح نصر فقد امتلكت الجرأة ولم تكن لديها أى كسرة عين أمام عبد الحليم وهى تراجعه فى موقفه ، بل ويعترف لها بأن الحق معها فى ذلك وهى الواقعة التى ذكرت سعاد تفاصيلها فى حوارها المطول مع نعم الباز سنة ١٩٨٧ .

رابعا : بما أن عملية استقطاب سعاد حسنى حدثت فى حدود أكتوبر ١٩٦٣ فإن هذا يعنى أنها وقعت أثناء فترة زواجها عرفيا من عبد الحليم السابق على رحلة المغرب سنة ١٩٦٢ ، وهى الرحلة التى كان ينوى العاشقان بعدها تحويل زواجهما العرفى إلى رسمى بحسب تأكيدات مرافقهما فى هذه الرحلة الإعلامى وجدى الحكيم ، فهل خفيت عن مخابرات صلاح نصر أو كانت على غير دراية بهذه الزيجة طوال الفترة التى سبقت محادثة رئيس الجهاز مع عبد الحليم أم أن الرجل كان على علم بها ، وإنما أراد فقط إذلال عبد الحليم ؟ من الجائز جدا خاصة وأنه كان يكن له كراهية واضحة .

خامسا : لا أطمئن إلى تاريخ واقعة اختطاف كل من عبد الحليم وسعاد من جانب صلاح نصر فى فبراير ١٩٦٧ لعدة أسباب ، أولها أن صلاح نصر نفسه هو الذى أمر بإنهاء عملية سعاد حسنى أثناء انعقاد القمة العربية بالإسكندرية فى صيف ١٩٦٤ ، ومنذ ذلك الحين لم يثبت أى احتكاك بينه وبين سعاد ، وثانيهما أن لجوء عبد الحليم إلى كل من عبد الناصر وعامر لحمايته من صلاح نصر من المفترض أن يمنعه من مضايقته اللهم إلا إذا كانت هذه رغبتهما أو رغبة أحدهما على الأقل ، لأن فطنة رجل المخابرات كانت ستنبهه بأن عبد الحليم يستطيع بسهولة أن يشكوه من جديد إلى كل من ناصر وعامر ويحكى لهما عما حدث معه ومع سعاد ، ثالث هذه الأسباب أن علاقة عبد الحليم وسعاد كانت قد انتهت بالفعل فى عام ١٩٦٦ ، وأنها فى فبراير ١٩٦٧ كانت– على الأرجح - زوجة للمصور صلاح كريم ، وعليه ليس هناك ما يبرر عملية اختطاف كهذه فى فبراير ١٩٦٧ .

سادسا : لم يمنع الانفصال العاطفى بين الاثنين والذى حدث عام ١٩٦٦ من ترشيح حليم لسعاد كى تشاركه بطولة أكثر من عمل سينمائى ، فقد تحدثت صحف تلك الفترة عن قصة إحسان عبد القدوس «شىء فى صدرى» التى كان ينوى عبد الحليم تحويلها إلى فيلم تشاركه سعاد بطولته ، وهو الفيلم الذى قام ببطولته بعد ذلك كل من رشدى أباظة وشكرى سرحان وماجدة الخطيب من إخراج كمال الشيخ ، وكان هناك مشروع آخر أكثر جدية تنوى شركة صوت الفن إنتاجه بعنوان «وتمضى الأيام» سيناريو لوسيان لامبير وإخراج يوسف شاهين يجمع بين حليم وسعاد ، وبالفعل عقد حليم وشاهين عدة جلسات ، وقرر الإسراع بالتصوير قبل أن تتزوج سعاد من على بدرخان سنة ١٩٧١ لأن سعاد – على حد قوله – سوف تأتيهم إلى الاستوديو بعد الزواج نصف نجمة ونصف زوجة ، لكن المشروع توقف بسبب إصرار يوسف شاهين على إشراك كل من أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام فى الفيلم ما أدى إلى غضب عبد الحليم وإطلاق قولته الشهيرة فى حق يوسف شاهين « المجنون ده جايب لى اتنين شيوعيين يعلمونى أنا الوطنية « ما يشير إلى أن تواصلا ما كان لا يزال قائما بين حليم وسعاد ، فأى احترام أو بالأحرى عدم احترام كان يتحدث عنه عبد الحليم ؟

وعلى ذلك كله فإنه مع تسليمى بفصول الصدام المتكرر بين عبد الحليم وصلاح نصر والذى كان ملف تجنيد سعاد حسنى هو ذروة تصعيده الدرامى فإننى لا أظن أن نهاية قصة العندليب والسندريللا كانت على خلفية هذا الملف الشائك ، ربما كان لذلك الملف رواسبه لكنه بالتأكيد لم يكن حاضرا حينما وصلت الأمور بينهما إلى ما وصلت إليه .

على أية حال فقد توقف دفء المشاعر فى لحظة غاية فى البرودة ، وضع العناد ربما ، أو المصالح - يجوز - حدا لقصة الحب التى جمعت بين من علما جيل الستينيات بأكمله معانى الحب ، وذهب كل إلى غايته يحمل فى داخله ذكريات الحب الذى كان ، والعمر الذى انقضى ، والأحلام التى ضاعت فى الطريق .

أشرف غريب

    Dr.Radwa
    Egypt Air