حوار: ولاء جمال
رحلة فى الذاكرة.. هكذا يمكن وصف الحوار مع الفنان القدير، حسن يوسف، الذى ظل لسنوات طويلة ملء العين والبصر، وواحدا من ألمع نجوم الوسط الفنى، فى مصر والعالم العربى.
«الخطايا» والعلاقة مع العندليب الأسمر الراحل عبد الحليم حافظ، واحدة من المحطات المهمة فى تاريخ الفنان حسن يوسف، عندما وصل قطار الحوار إليها توقف طويلا، فرغم أن عملا فنيا واحدا جمع بينه و»حليم»، إلا أن سيل الذكريات انهمر، بدءا من كواليس اختياره للمشاركة فى الفيلم، كشقيق للبطل، ومرورا بما كان يحدث فى الكواليس، وصولا فى النهاية إلى العلاقة التى امتدت بينهما سنوات طويلة حتى رحيل «العندليب» عن دنيانا.
الفنان القدير حسن يوسف، فى الحوار التالى، يقدم صورة من أرض الواقع عن «حليم» يتحدث عن الإنسان الذى كان يؤنس أيام مرضه بـ»لمة الصحاب»، والفنان الذى رفض «النصب ع الجمهور» بمشهد «الضربة المخادعة» وأصر على أن يضربه الفنان عماد حمدى «قلم» فى أحد مشاهد فيلم الخطايا، ليرقد بعده ٣ أيام فى بيته بسبب قوة الضربة.
الحياة الثقافية لـ«العندليب».. جانب آخر أزاح «يوسف» الستار عنه، وكشف نوعية الضيوف الذين اعتاد على رؤيتهم فى بيت «حليم»، كما تحدث عن أمور وتفاصيل أخرى فى الحوار التالى:
بالتزامن مع ذكرى رحيل العندليب عبد الحليم حافظ.. هل كانت بينكما مشروعات فنية غير فيلم «الخطايا»؟
شاركت عبد الحليم فى فيلم «الخطايا» والكل يعلم هذا الأمر، كما أنه كان يريدنى فى فيلم «أبى فوق الشجرة» ثم بعد بدء التصوير بيومين ولم أكن بدأت تصوير الدور، تم تعديل السيناريو، وسأروى لكم موقفا يكشف كيف كانت أخلاق عبد الحليم، حيث إنه حدثنى وقال لى: «عدى عليا شوية»، فذهبت إليه، ووجدته يقول: «السيناريو اتغير، ودورك فيه لا يعجبنى فأنا أقول لك إذا قبلت الدور أنت حر سوف يكون كرما منك وإن لم تقبله فهذا حقك».
قلت له: مش هتزعل؟
قال: لا مش هزعل.
فقرأت الدور ووجدته فعلا أصبح سطحيا كما قال لى.
فقلت له: قرأته ولن أستطيع عمله.
قال لى: «أنا قلت لك براحتك خالص».
قلت له: «أهم شىء عندى متزعلش منى كنا دخلنا فى مرحلة صداقة شخصية وهكذا».
قال لى: لا والله ماهزعل يهمنى مصلحتك لأنك الآن بتعمل بطولات أمام سعاد حسنى ونادية لطفى وهند رستم فلا تقلل من قيمتك يهمنى أن ترفع من قيمتك هذه مثلا حادثة أخلاقية نتكلم عنها.
فلم يقل لى مثلا لابد أن تعمل الدور لأجل خاطرى أو أنت أخذت عربونا يجب أن تشتغل الفيلم أو خاصمنى وهاجمنى فى الصحافة وهو كان وقتها أسطورة بل على العكس تماما دافع عنى.
بالعودة إلى الخطايا.. كيف كان شكل العلاقة التى جمعتكما؟
فيلم «الخطايا» كان سبب صداقتنا عندما جلست معه فى بيته أسبوعًا قبل التصوير.
هل عبدالحليم هو من رشحك لدورك فى «الخطايا»؟
لا.. المخرج حسن الإمام، وعبدالحليم فقط يأخذون رأيه، وعندما تم اختيارى للمشاركة فى «الخطايا»، عبد الحليم لم يكن يعرفنى مطلقا، وكنا أول مرة نلتقى، لكننى كنت معجبا به كونه مطربا.
وأذكر هنا أنه تحدث إلىّ وقال: نحن نعمل فى الفيلم دور أخين يحبان بعضهما جدا، ونحن لا نعرف بعضنا تعالى نجلس معا نقرأ السيناريو ونتعرف، وهكذا ذهبت على أنى سأنزل من بيته بعد ساعة على الأكثر، لكننى جلست خمسة أيام مقيمًا معه فى بيته وأصبحنا أصدقاء، والمحبة والصداقة التى نشأت بيننا كانت واضحة على الشاشة فى الفيلم، بينما اليوم الممثلون يحاربون بعضهم البعض، فى التمثيل البطل عندما يجد بطلة قوية أمامه يغير منها.
هل تعنى هنا أن عبد الحليم كان يساعد زملاءه ولم تكن لديه مشاعر غيرة تجاه أحدهم؟
«حليم» كان فنانا كبيرا وواثقا من نفسه جدا، ويجلس على الأغنية بالشهر والاثنين إلى أن تظهر بالشكل الذى يرضيه، ولأنه - كما سبق وقلت- واثق من نفسه ومن فنه فلم يكن يخاف من أحد.
كيف كانت كواليس فيلم الخطايا؟
كواليس الفيلم كان يسودها الحب، والعظيمة مديحة يسرى الكبيرة لنا فى الفيلم هى وعماد حمدى والاثنان كانا يمتلكان أخلاق سفراء، مديحة هانم وعماد بك نحن كنا نناديهما هكذا فى الاستوديو «ياعماد بيه يامديحة هانم»، ثم إن المخرج حسن الإمام هذا مايسترو وليس بالهايف أو «الإمعة» ليس لأنه عبدالحليم فيتحجم منه لا بل تشعرين أن حسن الإمام كمخرج مسيطر على «عبدالحليم»، كان من الممكن أن يتأخر «حليم» عن ميعاد التصوير، ليست مشكلة، لكننى أتحدث هنا عن السيطرة فى البلاتوه، فقد كان ما يقوله حسن الإمام عبدالحليم ينفذه بالحرف الواحد.. لا مجال أن يقول له مثلا «مابلاش دى يا أستاذ حسن» أو «أعمل كذا» مثلما يحدث الآن فعبدالحليم لا يفتح فمه معه.
وكيف كانت قصة الصفعة الشهيرة فى فيلم «الخطايا» التى تلقاها «العندليب» من الفنان عماد حمدى؟
عبدالحليم طلب أنه يكون «قلم حقيقي»، وأذكر أن عماد حمدى كان خائفا على «حليم» فقال لى: أنا راجل رياضى ويدى طرشة لو خبطه قلم هيقعد بعدها ثلاثة أيام فى البيت. فقل له بما أنكما صديقان أنصحه. فذهبت لحليم: قلت له: «أنت تعرف أنا بعمل أفلام أكشن كثيرة عمرى ما انضربت بونية حقيقى ولا ضربت حقيقى، إحنا متعلمين أن عنينا تكون على يد من سيضرب أول ما تقرب نبعد وجهنا فأنت أعمل كده، وأنت بتشتغل عينك عليه أول ما القلم ييجى على وشك خد أيده وروح».. فوجدته يقول لى:» إيه ده.. هننصب ع الناس».. ورفض.
قلت له: أنا بقولك أنا أمثل أفلام أكشن مع رشدى أباظة وأحمد رمزى عمرنا ماضربنا حقيقى يكون مقلبًا هكذا لكن البونيات هذه لها حرفة.
قال: لا، سيبك من الكلام ده أنت ليه بتقوللى كده.
قلت له: بصراحة عماد خايف يضربك.
قال: يضرب ملوش دعوة.
فأول شوط عماد عملها «فشنك». فعبدالحليم قال «استوب»، ووجه حديثه للفنان عماد حمدى:» لا يا أستاذ عماد أرجوك اضرب بجد».
قاله: طيب.
فعلا ضربه «قلم اتلوح» وهذا القلم نزل على «خد عبدالحليم « كأنه نزل علينا كلنا فى الاستوديو، لأننا شعرنا بوقعه على عبدالحليم فحدثت حالة سكوت لأن الشوط طويل ومستمر وكان من عادة حسن الإمام أنه يعمل مشاهد طويلة ومستمرة والمشهد مستمر تمثيله فكلنا «سهمنا» إلى أن جاء رد فعل عبدالحليم، وبدأ يمثل مرة أخرى وبدأنا نكمل المشهد. لكن بعد المشهد كلنا جرينا على عبدالحليم أيامها كان شبه «دايخ» وفعلا ظل ثلاثة أيام فى البيت.
هذاالتصرف من جانب العندليب.. كيف تفسره؟
«حليم» كان فنانا صادقا، وكنت أقول له «أنت قلب يمشى على قدمين».
معروف عنك خفة الظل هل كان «حليم» يمتلك تلك الميزة؟
كان عسل ودمه خفيف جدا وابن نكتة. ومتواضع وبسيط وفى البيت بالجلباب والطاقية الفلاحى والشبشب ويأتى الملحنون والمؤلفون يجلسون معه وهو هكذا، وأنا فى بيته شاهدت الأبنودى وعبدالوهاب ومحمد حمزة وكل المؤلفين الذين يؤلفون له والملحنين الموجى وكمال الطويل وبليغ حمدى ونشأت بينى وبين بليغ صداقة.
هل يمكن القول أن «عبدالحليم» كان مرحلة مهمة فى حياتك رغم أنك شاركته فى عمل واحد؟
نعم.. كما أن «عبد الحليم» كان عنده صالون ثقافى كل ١٥ يوما يحضره كامل الشناوى، وأتذكر وقتها كان مصطفى أمين فى السجن فكان يحضر على أمين ويوسف إدريس وموسى صبرى وأنيس منصور وكبار الكتاب والأدباء والقصصيون والسيناريست والمخرجون وكبار المخرجين، ويأتى صلاح أبوسيف وحسين كمال كان وقتها بدأ يلمع وأخذه ليخرج له «أبى فوق الشجرة» ويحضر حسن الإمام العملاق وهنرى بركات صالونًا ثقافيًا يتحدثون فى كل شىء وهو يجلس ليستمع، ولذلك عبدالحليم كان مثقفًا جدا بسبب هذه الصالونات، وكان يخرج من الصالون الواحد وكانه قرأ ١١٠ كتب.. كامل الشناوى يتكلم ويوسف إدريس وأنيس منصور وموسى صبرى يتكلمون وهو يجلس فقط يسمع مناقشاتهم. وكان يأتى له من لبنان سعيد فريحة عميد الصحافة فى لبنان ومحمد بديع سربيه صاحب مجلة الموعد، وكذلك يأتى له رئيس تحرير مجلة الشبكة.