الخميس 16 مايو 2024

المرأة في التراث الفقهي الإسلامي

30-3-2017 | 11:02

حسام الحداد - باحث مصري متخصص في التراث والحركات الإسلامية

 إذ كنا فعلا جادين في تجديد الخطاب الديني، فيجب البدء أولا بخطاب المرأة. فلا يصح الاعتداد بروايات تُشبِّه المرأة بالكلب والحمار، أو أنها مخلوقة من ضلع أعوج، أو أنها ناقصة عقل ودين، أو إن كبرت ولا تستطيع الجماع وجب تطليقها... إلى آخر هذا التخلف الذي يستند إليه الخطاب الديني المعاصر، كما كان يستند الخطاب الديني القديم، فهذا الهراء لا يؤسس مجتمعا سويا نقيا بين الجنسين.

   ويجب علينا إعادة تحليل وتنقية التراث الذي شابه الكثير من الروايات التي تكتظ بتحقير المرأة من المهد إلى اللحد، وتعبر عن روح ذكورية جاهلية، وتختزل المرأة في الفرج والنهدين وكأنها وعاء لتفريغ شهوة الرجل. وتكتسب تلك المرويات قدسيتها، ليست فقط لأنها منسوبة إلى رسول الله، بل لوجودها في كتب الصحاح وتأسس عليها فقه مخالف تماما للقرآن. وهو الفقه الذي يردده هؤلاء الذين يظنون امتلاكهم حق التحدث باسم الله ورسوله في مساجدهم أو منابرهم متخذين من ذلك وسيلة لترويج أفكارهم المعادية للمرأة، جاعلين من تلك الأحاديث والروايات والأقوال نصا مقدسا لا يجوز مراجعته، ومهملين صحيح القرآن الذي يؤكد دوما حرية المرأة والحفاظ على كرامتها، بل حوّلوه إلى نص ثانوي لا يُعتد به إلا نادرا. فأصبحت فتاوى ابن تيمية وابن عبد الوهاب في مقام القرآن!

   والمرأة في الفقه الإسلامي يهمن عليها الرجل هيمنة كاملة. فلا يحق لها أن تسافر وحدها أو بدون إذن زوجها، وأفضل مكان لها هو بيتها بل عقر دارها والذي يسمى في التراث الاسلامي بالخدر ومن ثم فهي مخدرة أي مخبأة مخزنة. والمرأة حسب هذا الفقه كلها عورة حتى صوتها وهي أيضا أسيرة عند زوجها عليها الطاعة الكاملة له ولو أمرها ألا تغادر المنزل حتى لزيارة أبويها فيجب أن تمتثل لأوامره وإلا عدت عاصية كالعبد إذا خالف سيده فهو آبق. ولا يحق لها أن تجلس مع أجنبي منفردة وخير لها ألا يراها رجل وألا ترى رجلا وإذا خرجت من دارها فلا تظهر سوى عينيها وألا تتعطر بعطر لأن الطيب الذي يفوح منها يحرك رغبة الرجال.

   ولا حاجة للمرأة في ظل هذا الفقه إلى التعليم إلا القدر اليسير وعليها أن تظل دائما في هيئة سارة وجميلة لأن زوجها يتعين أن يراها هكذا وإذا دعاها لقضاء حاجته منها فلا بد لها أن تلبي الدعاء في أي وقت وفي أي موضع أراد وإذا لم تفعل فهي ملعونة في السماء والأرض وللزوج حق هجرها فإذا لم ينفع الهجر معها فمن حقه ضربها ولا يُسأل فيما ضربها، وهو يستطيع أن يفك عقد النكاح في أي وقت شاء دون رقيب أو حسيب ومن حقه أن يتزوج عليها أكثر من واحدة ولا يحق لها أن تعمل حيث إن عملها سوف يعطل وظائفها الرئيسية المنوطة بها والتي حددها هذا الفقه في الآتي:

تقديم المتعة للزوج

إنجاب الذرية له

خدمته وأولاده وأهله

   ومن حق الزوج أن ينقلها معه لأي بلد يشاء دون أي اعتراض منها أو من أهلها. والزوج هو الذي يتولى شراء مستلزماتها حتى ملابسها الداخلية فهو غير ملزم بإعطائها نقودا لتشتري حاجياتها، ويحظر عليها أن تستقبل أي رجل في غياب زوجها خلاف والدها وإخوتها. ولا يحق للمرأة حسب هذا الفقه أن تزوج نفسها حتى إن كانت بالغة عاقلة رشيدة بل ثيبا، ولا يصح عقد نكاحها إلا بولي من أهلها، وعليها أن تختتن فعند هؤلاء الفقهاء أن المرأة غير المختتنة تتطلع دوما لممارسة الجنس، وليس للمرأة أيضا أن تصافح أجنبيا لأن مجرد اللمس حسب هذا الفقه يؤجج الرغبة الجنسية في كليهما بل يهيج الشهوة كأنه مجتمع ليس فيه نشاطات سوى النزوع إلى الملامسة.

   وإذا كرهت المرأة زوجها وطلبت مفارقته ورضي بذلك فعليها أن ترد إليه ما أعطاها إياه من مهر وتوابعه وربما زيادة وهي بذلك اختلعت وبداهة تبرئه من كل حقوقها. وقد شبهوا الخلع في الفقه الإسلامي بفداء الأسير أي ما يدفعه ليفك أسره مما يؤكد أن الزوجة أسيرة لدى الزوج وعلى المرأة المطلقة أن تنتظر شهورا حتى تتزوج غيره لاستبراء رحمها بغض النظر عن التقدم العلمي والطبي الحادث الذي يكشف إذا كانت حاملا من عدمه! أما الزوج فيمكنه أن يتزوج في نفس ليلة الطلاق وكذلك إذا مات زوجها فتنتظر شهورا أيضا لتتزوج غيره.

    والزوج يمتلك زوجته كما كان يمتلك البدوي الناقة والبعير فلا يحق للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن زوجها لأن لبنها فرع منها والذي يملك الأصل بداهة يملك الفرع، وما يدل على حالة التملك هذه أن المرأة لا تستطيع أن تسافر إلا بإذن زوجها حتى لو مع أبيها وإذا حدث هذا فيعذر "يعاقب" أبيها لأن هذه الزوجة حسب الفقه الإسلامي انتقلت ملكيتها إلى زوجها حسب عقد النكاح، واصطحاب الوالد لها بغير إذن زوجها فيه تعد على هذه الملكية والمتعدي يعاقب، وإذا تزوج الرجل فوجدها غير صالحة لمتعته فلا نفقة لها لأن النفقة تتبع الانتفاع وما دام لا انتفاع فلا نفقة. فهذا الفقه يحدد الانتفاع الرئيسي من المرأة في المعاشرة الزوجية "ممارسة الجنس" وتجبر الزوجة وتكره على تمكين زوجها من الاستمتاع ببدنها بجميع أنواعه المباحة.

   إن هذا الخطاب "الذكوري" المسيطر على الفقه الإسلامي إنما ينتج خضوع المرأة للرجل واستسلامها له ودخولها في منطقة نفوذه. فحين تتساوى المرأة مع الرجل، وحينما يسمح لها بالمشاركة فهي تشاركه "هو" إدارة الحركة والفاعلية، فدورها هامشي، حتى في الخطاب الذي يبحث عن حقوقها، لأنه لا يكتسب دلالاته منها شخصيا، بل هو منسوب إلى الرجل في مختلف مراحله.

    إن هذا الخطاب المأزوم يجد جذوره في بنية اللغة العربية التي جعلت من الاسم العربي المؤنث موازيا للاسم الأعجمي من حيث القيمة التصنيفية، فبالإضافة إلى تاء التأنيث على مستوى البنية الصرفية، تمارس اللغة الطائفية ضد الأنثى، حيث تعامل كأقلية عبر الإصرار على حاجتها إلى الدخول في حماية الرجل، وتصر اللغة على أن يعامل الجمع اللغوي معاملة المذكر، وبهذه الطريقة يلغي وجود رجل واحد مجتمعا من النساء، فيشار إليه بصيغة المذكر لا بصيغة المؤنث. وتؤكد هذه الأمور، على دلالات في مستوى بنية الوعي، حيث تعكس وعي الجماعة ومرتبتها الحضارية.

    ومن أكثر الخطابات الدينية تشددا تجاه المرأة الخطاب الوهابي السلفي. فقد اتخذ موقفا أكثر تشددا من الخطاب السلفي القديم بداية من أحمد بن حنبل وصولا لابن تيمية، فقد تجاوز محمد بن عبد الوهاب بحكم بيئته النجدية المتشددة في عاداتها وتقاليدها تجاه المرأة فقد أصبغ الدين بعادات نجد وتقاليدها؛ مما جعله أكثر تشددا من غيره في هذه القضية، ثم جاء ابن باز وأكمل مشوار شيخه في التشدد تجاه المرأة. وسار على هدي ابن باز وأئمة نجد السلفيون في مصر، وقد رفعوا من شأن المرويات التي تؤسس لدونية المرأة، مثل: "المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"، "ناقصات عقل ودين"، "يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار"، "ما أفلح قوم ولوا شئونهم امرأة"، إلى آخره، تلك المرويات التي تتعارض بشكل صارخ مع كتاب الله الذي كَرَّم في آياته المرأة ورفع من شأنها. فقد حول الخطاب الوهابي "القرآن" من نص أساسي ومحوري يدور حوله الفقه والأحكام إلى نص ثانوي واستبدلوا به تلك المرويات ظنية الثبوت، والتي تساعدهم على التوظيف الأيديولوجي والسياسي في صراعهم مع المختلفين معهم. ليس هذا فقط بل أصبح الفقه على يد هؤلاء في صدارة المشهد وتم تقديس آراء العلماء وأشخاصهم وإن تعارض ما يقولونه مع القرآن.

   ولا يخرج الخطاب الأزهري ـ الذي يعده البعض خطابا معتدلا ومدافعا عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية بالمقارنة بالخطاب السلفي والوهابي ـ كثيرا عن الخطاب الديني السائد في الفقه الإسلامي والذي تتبناه تلك الجماعات الإسلامية باختلافها وتنوعها. نجد هذا جليا في وثيقة "حقوق المرأة" الأزهر التي نشرت مسودتها في يوليو 2012. والتي لم تقر بشكل رسمي إلى الآن. وهي الوثيقة الثالثة ضمن ثلاث وثائق وضعها مثقفون ومفكرون مصريون من مختلف التوجهات تحت رعاية الأزهر. خصصت الوثيقة الأولى للدولة المدنية والوثيقة الثانية للحريات العامة والثالثة التي لم تقر لحقوق المرأة.

    وصيغت مسودة هذه الوثيقة الثالثة بطريقة فضفاضة حمالة أوجه.. فهناك فقرات حاسمة وواضحة كالحديث عن زي المرأة في الإسلام مثلا. لكننا لا نجد هذا الوضوح مثلا عند الحديث عن مفهوم قوامة الرجل. كذلك لم تضع هذه الوثيقة مفاهيم واضحة حول الحقوق الأساسية للمرأة والتي تبناها الفقه الإسلامي قرونا عديدة والتي عرضناها في هذا المقال. فما زال هذا الفقه يدرس في مراحل التعليم المختلفة في معاهد وكليات الأزهر إلى الآن.