السبت 8 يونيو 2024

المرأة العربية في مواجهة التطرف والإرهاب

30-3-2017 | 11:17

عبير عطية - كاتبة صحفية مصرية

"المرأة إرهابية".. مصطلح لم يعد مثيرا في الإعلام العربي بل تحول إلى أمر اعتيادي مع تعدد حوادث الإرهاب في الآونة الأخيرة خاصة عندما تحولت المرأة من معتدى عليها إلى صانعة هذا الحادث الإرهابي. إذ تعددت الحوادث الإرهابية التي تنفذها سيدات يفجرن أنفسهن بدعوى الجهاد، أو يلقى القبض عليهن أثناء قيامهن بتقديم دعم لتنظيمات إرهابية مثل تنظيم (داعش) وغيره من تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة.

   وقد أُدرجت 98 امرأة مصرية مؤخرا على قائمة الإرهاب بحكم محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 653 لسنة 2014 أمن دولة عليا. ونُشرت في تقرير صدر عن المركز الدولي لدراسات التطرف التابع للكلية الملكية بلندن إحصائية عن هروب فتيات مسلمات من أصل أوروبي إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش بدعوى الجهاد. وذكر التقرير الصادر عام 2013 أن أعمارهن تتراوح بين 16 عاما و24 عاما ومنهن من يحملن شهادة جامعية، وجاء انضمامهن بعد تجنيدهن عبر الإنترنت على أيدي مسلمات عربيات، يعتقدن أنهن يشاركن بذلك في بناء مجتمع الإيمان، مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا.

    إذا كان الأمر هكذا بالنسبة للمسلمات من أصول غير عربية فماذا عن المرأة العربية التي ولدت وتربت في ظل ثقافة إسلامية تراجعت في السنوات الأخيرة عن المفاهيم المعتدلة إلى التطرف والإرهاب؟

   في تقرير أعدته المراسلة الدبلوماسية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بريجيت كيندال بعنوان "ما الذي يدفع المرأة إلى الانخراط في النشاطات الإرهابية؟" ونشر في 28 يوليو 2015، رصدت تاريخ نشاط المرأة في العالم مع المنظمات المسلحة، وإن كانت قد خلطت بين تنظيمات المقاومة الوطنية وبين المنظمات الإرهابية، إلا أنها رصدت أهم الأسباب التي تجعل المرأة تتخلى عن طبيعتها الفسيولوجية والنفسية لتنخرط بإرادتها في أعمال عنف يعتبرها المجتمع الدولي قاصرة على الرجل لعهود طويلة.

   وأشارت المراسلة إلى المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، أشهر مناضلة في ستينيات القرن العشرين، وقد شاركت في عمليات مسلحة منها خطف طائرتين مع فريق من الرجال. وأشارت أيضا إلى ميريد فاريل وهي من أشهر مناضلات الحركة الأيرلندية وقتلت على أيدي القوات الخاصة البريطانية عام 1988. وقالت المراسلة إن هؤلاء النساء قمن بذلك لتحقيق مبادئهن واللاتي اشتركن فيها مع الرجال وأيضا اشتراكهن في تلك العمليات كان أداة من أدوات تمكين المرأة.

    أما انضمام المرأة مؤخرا إلى صفوف منظمات إرهابية ذات طابع إسلامي مثل القاعدة أو داعش واستخدامهن في عمليات انتحارية فيعود في الأغلب إلى مأساة شخصية في البداية ثم يزداد اقتناعهن بفكر التنظيمات عندما يعتقدن بأنهن يقمن بتغيير المجتمع الذي كان سببا في مشاكلهن الخاصة. كذلك تنخرط بعض النساء في التنظيمات الإرهابية بدافع الانتقام لفقدان أزواجهن أو أبنائهن المنتمين إلى تلك التنظيمات أو كما حدث مع المرأة في الشيشان بعد عام 1999 عقب حملة بوتين ضد المقاتلين الشيشان من الرجال. وهو ما عرف بظاهرة "النوافذ السوداء" حيث تحولت المرأة الشيشانية إلى انتحارية في العديد من العمليات الإرهابية.

    هناك سبب آخر مثلما حدث في سوريا، وفي سريلانكا قبلها، حيث انخرطت النساء في العمليات المسلحة لمسح العار والانتقام لشرفهن بعد تعرضهن لعمليات اغتصاب من القوات النظامية.

    وفي تقرير آخر أعدته إيرين سالثمان من معهد الحوار الإستراتيجي، يذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قام بتطوير حركة تجنيد المرأة وتعددت أسباب ذلك. أولا: استخدامهم للتكنولوجيا الحديثة عبر الإنترنت وبناء شبكات تواصل سريعة على مستوى العالم. وثانيا: الأسباب المعنوية من خلال الرغبة في تغيير المجتمع وبناء مدينة فاضلة أو الانتماء إلى دولة الخلافة. وأيضا استخدام الزواج أو ما يعرف باسم "جهاد النكاح" والوعد بالتمكين في مجتمع خال من العنصرية.

    ويرى خبراء أن المنظمات المسلحة تلجأ إلى تجنيد النساء واستخدامهن عندما تمر المنظمة بأزمة أو نقص في الرجال، كما أن النساء أكثر فاعلية لأنهن يتمكّن من المرور أسرع في نقاط التفتيش نتيجة "لخصوصية المرأة" وإخفاء الوجه والجسد كلية من خلال انتشار الدعوة لارتداء النقاب بالترويج لأفكار عن دونية المرأة وكونها عورة يجب سترها. كما أن استخدام المرأة أيضا في هذه العمليات يعد محاولة لتضخيم أثر العملية في نفوس الأشخاص والمجتمعات. كذلك فإن تجنيد المرأة أقل كلفة من تجنيد الرجال، وقد منح تنظيم داعش النساء أدوارا أكثر فاعلية عن ذي قبل في التجنيد والتدريس والطب والتمريض وممارسة السلطة المجتمعية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم من خلال الشرطة النسائية (كتيبة الخنساء) أو ممارسة الدعوة للنساء لتغيير أنماط الحياة والسلوك والمهام اللوجستية مثل نقل الأموال والتعليمات من منطقة لأخرى. وبذلك تطور دور المرأة في داعش عن دورها في تنظيم القاعدة. ويبرز أيضا دور النساء في العمليات الانتحارية في داعش حيث رصدت خمس مدربات على القتال للتنظيم في تونس في مايو 2014. كما رصدت الصحافة المصرية حالات متعددة للعنف من نساء وفتيات الإخوان المسلمين عام 2014، في أعقاب الإطاحة بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، سواء في الجامعات المصرية أو داخل الهيئات والوزارات المختلفة.

   غير أن تلك الظاهرة تظل محدودة بين النساء العربيات وتظل الظاهرة الأكثر شمولا هي تأثير الإرهاب والتطرف سلبا على مسيرة المرأة العربية وتراجعها عن الحصول على حقوقها المساوية لحقوق الرجل وتأثر المجتمع في مسار التنمية من خلال خطاب دعوي سلفي يروج لدونية المرأة بالاعتماد على تفسيرات مغلوطة للقرآن والسنة. وهذا ما دفع المؤتمر السادس لمنظمة المرأة العربية إلى تبني الدعوة إلى طرح خطاب تنويري حول المرأة العربية في مواجهة الخطاب المتطرف وهذا ما أكده عدد من الأوراق البحثية.

   ورصدت الدكتورة تربة بوباي عمار الأستاذة بجامعة نواكشوط بجمهورية موريتانيا أهمية طرح وقبول الخطاب التنويري في مواجهة الخطاب المتطرف لانتشال المرأة من ثنائية التخلف والعنف وإبعاد المرأة عن إنتاج المعرفة، خاصة في الجانب الديني مما أوجد خطابا دينيا أدى إلى إخضاع المرأة واستسلامها لسطوة الرجل وأدى إلى ما يعرف بالعنف الديني بشقيه المعنوي والمادي. وترى الكاتبة أن تلك الرؤية القاصرة التي يتم إلصاقها بالفقه الإسلامي ما هي إلا نتاج لغياب العنصر النسوي من المشهد الثقافي بسبب الفتنة الكبرى والتحول الذي عرفه المجتمع العربي الإسلامي في ثلاثينيات القرن الهجري الأول وبروز عائشة كقائدة سياسية وصاحبة مشروع سياسي لم يرق للبعض حينها وهو ما أدى إلى وأد مشروع تحرر المرأة الذي ظهرت معالمه في صدر الإسلام الأول. وتطالب الكاتبة بمحاربة ظاهرتي الإرهاب والتطرف العنيف المنتشرتين في العالم العربي بالعودة إلى مشروع تحرر المرأة الذي بدأ في صدر الإسلام، مع مراعاة فارق الثقافة والزمن، من خلال خطاب تنويري عن المرأة وللمرأة في مواجهة الخطاب الظلامي الذي أصبحت تتبناه مؤسسات دينية وحكومات وأحزاب سياسية جعلتنا نعيش قطيعة منهجية مع عهد الرسالة الأول، فترة التأسيس النبوي.

المرأة العربية وثورات الربيع

   عاشت المرأة العربية حالة من مواجهة العنف المادي والمعنوي من خلال الخطاب الديني الظلامي والمغلوط أو التمييز المجتمعي على مستوى التعليم والعمل في بعض الدول العربية أو على مستوى المشاركة السياسية وكانت تنتظر بزوغ ثورات الربيع العربي أملا في تطوير أحوالها للأفضل. وشهدت دول عربية مشاركة نسوية واسعة في الحركات المطالبة بالتغيير السياسي مثل مصر وتونس، غير أن المرأة العربية تأثرت سلبا بتلك الثورات على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. بل إنه في عديد من البلدان التي شهدت قوانينها مساواة ملحوظة بين المرأة والرجل مثل (تونس ومصر) نجد تراجعا ملحوظا بعد الثورات وذلك بفعل سيطرة تيارات الإسلام السياسي.

 

وتحول العنف إلى مواجهة شرسة وقتال في بلدان عربية أخرى بفعل التيارات الإسلامية مثلما حدث في سوريا وليبيا ومن قبلهما العراق. وسنتطرق إلى الحالة الليبية التي يمكن اعتبارها أصدق تعبير عن معاناة المرأة العربية من العنف المادي والمعنوي بعد ثورات الربيع العربي. وكانت ليبيا من أوائل الدول التي تحول الصدام بين المعارضة ونظام الحكم فيها إلى صراع دموي مسلح منذ بداية عام 2011. وتأثرت المرأة الليبية نتيجة لذلك في ثلاث صور.

   رغم عدم مشاركة المرأة الليبية في الصراع المسلح إلا أنها كانت هي وأبناؤها الضحية الأولى لهذا الصراع. وانتفى الأمن الشخصي وتعرضت للقتل في تبادل النيران العشوائي. وكانت ضحية لظاهرة جدّت على المجتمع الليبي وهي خطف الأطفال والنساء إما طلبا لفدية أو على أساس "الهوية" مما جعل المرأة الليبية حبيسة منزلها. وأثر ذلك عليها بالسلب اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. وقد سجلت منظمات حقوق الإنسان حالات انقطاع عن الدراسة والعمل.

    ومنعت أيضا المرأة الليبية في الشرائح العليا من ممارسة عملها وتعرضت للتهديد، وخصوصا المرأة العاملة في المؤسسات القضائية والأمنية والشرطية والعسكرية والإعلاميات والناشطات الحقوقيات. وهي ممارسات رصدتها وثيقة "المرأة الليبية لبناء السلام والسلم المجتمعي" الصادرة في مدينة مونترو بسويسرا بتاريخ 2 ديسمبر 2015.

   وتواجه المرأة الليبية ما تواجهه النساء عامة في مناطق الصراع والحروب صورا من العنف منها العنف الجنسي كوسيلة حربية في الصراع في أعقاب عام 2011، والعنف العائلي المترسخ في الثقافة الليبية والذي يجد سنده في تأويل لآيات في القرآن الكريم تصرح بضرب الزوجة. كذلك أجبرت المرأة الليبية على النزوح والتهجير كنوع من العقوبة للاختلاف في الأفكار السياسية والأيديولوجية. وجرى تهديد كثير منهن بالاغتيال أو الإجبار على الهجرة خاصة العاملات في مجال النشاط الحقوقي والإعلامي. ومن أبرز من تعرضن لهذه التهديدات رئيسة نقابة الصحفيين، سالمة الشعّاب، والناشطة الحقوقية أحلام بن طابون وأخريات غيرهن عرفن بمواقفهن ضد الميليشيات المسلحة أو المدافعات عن حقوق المرأة.

    ولم تستسلم المرأة الليبية منذ بداية أحداث فبراير 2011 والتحمت مع المبادرات الشعبية من أجل التغيير المجتمعي، بل شاركت فيما بعد في الدفاع عن الدولة الليبية من خلال دورها كشرطي طبقا للقانون رقم 15 لسنة 1992. غير أن انتشار الإرهاب كان سببا لتراجع الدور النسوي المدني. لكن المرأة الليبية لا تزال تناضل إلى الآن ضد إرهاب الصراع المسلح وإرهاب الخطاب الديني الظلامي.