تحل اليوم ذكرى الرجل البديع الذي حار
القلم في وصفه، فقد كان متعدد المواهب، فهو شاعر وممثل وكاتب سينمائي ومؤلف مسرحي،
والتاريخ الأدق لميلاد بديع خيري هو 18 أغسطس من عام 1894، حسب مقال كتبه الكاتب
الصحفي والشاعر صالح جودت في مقال له عن بديع خيري في 1 مايو 1953 بمجلة الهلال.
ولد بديع خيري بحي المغربلين بالدرب
الأحمر، لأب تركي من رجال الدين، كان قد تزوج بسيدة مصرية من عائلة الليثي، من حي
الغورية، وتخرج أبناؤها في الأزهر الشريف وعملوا بالتجارة، ومن هذين الأبوين الصالحين
جاء بديع الذي التحق بديع بمدرسة "أم عباس" الابتدائية، فقد كان أبوه
سكرتيراً خاصاً لصاحبة المدرسة أم المحسنين والدة الخديو عباس حلمي الثاني ..
وأنهى بديع المرحلة الإبتدائية والتحق بمدرسة إلهامي الثانوية وأنهى دراسته فيها وعمل
بالتربية وعين مدرساً بمدرسة على باشا رفاعة بطهطا، وظل يعمل مدرساً متنقلاً بين
المدارس الخاصة، وعمل في بعد فتراته بشركة التليفونات قبل أن تصبح مصلحة حكومية.
أما كيف اتجه بديع إلى عام الفن ومهنة
الأدب، فقد كان في طفولته وصباه يستمع إلى مطربي عصره ومنهم يوسف المنيلاوي وعبد
الحي حلمي وسالم العجوز، ويشتري الكتب التي بها نظم للأغاني ويحفظها ثم يكتب نظماً
مشابها لها، وفي شبابه شغله المسرح عن هواية نظم الشعر، إذ حرص بديع على حضور كل
الروايات في المسارح بين مسرح الشيخ سلامة حجازي وعبد الرحمن رشدي وجورج أبيض.
واجتمع بديع مع ثلة من أصدقائه يتدارسون
أمر المسرح عام 1916، وكيف أنه يطرح أعماله للعامة باللغة الفصحى العسيرة على فهم
الشعب، وأن كل الروايات مترجمة عن الغرب، فأسس بديع مع نفر من أصدقائه ومنهم حسني
رحمي وتوفيق المرندلي وجورج شفتشي "نادي التمثيل المصري"، وكانت غايته
جعل المسرحيات مصرية وباللغة المصرية، وانضمت للفرقة عناصر أخرى للتمثيل منهم فوزي
منيب وفاطمة قدري وشمس قدري وفاطمة سري، وعرضت المسرحيات ذات الفصل الواحد على
مسرح الإجيبسيانا في حفلات نهارية ، وقدمت المنولوجات في فترات الاستراحة وهي
منولوجات وطنية واجتماعية، وكانت المسرحيات والمنولوجات بقلم بديع خيري.
سمع نجيب الريحاني عن تلك الفرقة التي
تقدم الألوان ذات الأهداف الوطنية والإجتماعية والأخلاقية، فحرص على حضور عرض
نهاري لمسرحهم وكان يعرف منهم جورج شفتشي، وسأله نجيب عن المؤلف، فادعى شفتشي أنه
المؤلف .. وكانت هناك في ذلك الوقت خصومة بين الريحاني ومؤلف فرقته وهو الكاتب
المسرحي الشعبي أمين صدقي، ووقعت الخصومة عقب النجاح الباهر لمسرحية "حمار
وحلاوة" ، فقد أراد أمين صدقي أن يتحكم في الفرقة بعد أن كان موظفاً بها
براتب ضخم، وقد رفض الريحاني الوضع، فأنشأ صدقي مسرحاً وأرسل للريحاني إنذاراً
يمنعه من تمثيل مؤلفاته، وتهاوى مسرح صدقي سريعاً، ولم يحصد أي نجاح.
كان الريحاني في تلك الفترة يبحث عن
مؤلف بديل لأمين صدقي، وهذا ما دعاه لحضور مسرح بديع خيري ويلتقي بجورج شفتشي،
الذي ادعى أنه مؤلف مسرحيات بديع ومنظوماته، وقد طلب الريحاني من شفتشي أن يكتب
لمسرح الريحاني، فهرع شفتشي إلى بديع يخبره بالأمر وأقنعه أن يكتب مسرحيات
للريحاني تكون باسم جورج شفتشي والأجر مناصفة بينهما .. وفرح بديع بالأمر رغم
الغبن الأدبي الواضح فيه، لكنه وجد فيها انفراجة في الرزق بجانب عمله في التدريس،
وكتب ثلاث مسرحيات قدمها نجيب الريحاني على مسرحه باسم شفتشي، ونجحت المسرحيات
واطمأن الريحاني على مصير فرقته.
كان مع بديع وشفتشي في نادي التمثيل
المصري زميل لهم وهو توفيق ميخائيل، وكانت بينه وبين شفتشي أحقاد وضغائن قديمة،
وكان في نفس الوقت صديقاً للريحاني، فأفشى له السر، وهنا طلب الريحاني رؤية بديع
على انفراد، فذهب إليه توفيق ميخائيل يخبره برغبة الريحاني في رؤيته، فقال له بديع
: كيف أقابل الريحاني وهو نجم كبير وأنا مؤلف صغير، وشد توفيق عزمه وأقنعه وتمت
المقابلة، وصارح الريحاني بديع بأنه عرف كل شئ، وأن شفتشي لم يكن إلا أكذوبة ،
وهنا اعترف بديع بالأمر وتم الاتفاق على أن يتفرغ بديع للكتابة لمسرح الريحاني
ويترك التدريس، وبالفعل تفرغ بديع وكتب لمسرح الريحاني روائع المسرحيات التي
أنعشته وجعلت الإقبال الجماهيري يتزايد عليه.