السبت 23 نوفمبر 2024

تحقيقات

2019 عام اللاجئين والنازحين في أفريقيا.. ومصر تقدم رؤية متكاملة للقضية خلال رئاستها للاتحاد

  • 13-2-2019 | 14:16

طباعة

لم يكن من قبِيل المصادفة أن يكون ملف "اللاجئين والعائدين والنازحين داخليا في أفريقيا"، الشعار الرئيسي لقمة الاتحاد الأفريقي الـ32، والتي اختتمت أعمالها قبل يومين في العاصمة أديس أبابا، وشهدت مراسم تسلم مصر لرئاسة الاتحاد لهذا العام.


فهذه القضية التي قررت قمة الاتحاد الأفريقي اعتبارها شعارا لعام 2019 في أفريقيا، لم تعد ذات أبعاد إنسانية فحسب، بل باتت لها تداعياتها الأمنية والاجتماعية والسياسية التي تجعلها أحد التحديات الكبرى، التي تؤرق البلدان الأفريقية وتؤثر على استقرارها وسلامها الاجتماعي وفرص التنمية فيها.. كما أنها باتت تتجاوز حدود القارة إلى خارجها، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي التي لا تخفي قلقها المتزايد من تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا من جنوب البحر المتوسط إلى شماله.


وعلى مدى عقود، كانت أزمة اللاجئين والنازحين في أفريقيا، ولا تزال ‏إحدى المشكلات الرئيسة في القارة، وقاسماً مشتركاً بين ‏معظم الدول الأفريقية، لاسيما وأن لها تأثيراتها الإقليمية التي تتجاوز حدود كل دولة أفريقية.


وتعود أسباب هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل، على رأسها الحروب والنزاعات الأهلية المسلحة في عدد من بلدان القارة، فضلا عن العوامل الخاصة بالكوارث الطبيعية وغيرها من الآثار الناجمة عن تغير المناخ والجفاف والمجاعات والتنمية والنمو السكاني والتوسع الحضري وغيرها.


وتعَد القارة الأفريقية أكبر قارات العالم من حيث عدد اللاجئين والنازحين، حيث تضم النسبة الأكبر من اللاجئين في العالم.. فرغم أن سكان أفريقيا لا يمثلون سوى حوالي 12% من سكان العالم؛ فإن من بينهم ثلث اللاجئين والنازحين في العالم.. وبين الدول العشرين التي تحتل قمة الدول المصدرة للاجئين، هناك 8 دول أفريقية يزيد عدد لاجئي كل واحدة في الخارج عن 100 ألف لاجئي.


فالقارة الأفريقية تحتضن وحدها قرابة 15 مليون نازح داخلي، وأكثر من 6 ملايين لاجئي، أي قرابة 37% من لاجئي العالم، وذلك وفقا لما ذكرته المديرة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة فيرا سونجوي في تقرير لها، مشيرة إلى أن النصف الأول من عام 2018 شهد نزوح مليوني شخص من 5 دول أفريقية هي (نيجيريا، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطى والصومال)، وذلك نتيجة ظروف النزاعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول. 


وأوضحت سونجوي بشأن هذا الملف، والذي قدمته أمام المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي (وزراء الخارجية) في دورته الأخيرة، أن العدد الأكبر من اللاجئين والنازحين داخليا يوجد في شرق أفريقيا، حيث تصل النسبة لنحو 59% من إجمالي اللاجئين في القارة، بينما تبلغ نسبة النازحين 49%، لافتة إلى أن الحرب المستمرة في جنوب السودان أدت إلى نزوح نصف مليون شخص إلى كل من السودان وأوغندا.


وحذر التقرير من المخاطر والمهددات التي تواجه النازحين والفارين من مناطق النزاعات المسلحة أو بسبب الجفاف ونقص الغذاء، في ظل احتمالات تعرضهم للاستغلال الجسدي والانتهاكات الإنسانية من قبل شبكات الاتجار بالبشر، فضلا عن عدم حصولهم على الخدمات الأساسية، لاسيما النازحين من النساء والأطفال، الذين يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي اللاجئين والنازحين في بعض المناطق.


الأرقام والحقائق التي قدمها التقرير، أظهرت بوضوح أن اختيار ملف اللاجئين والنازحين في أفريقيا ليكون شعار القارة في العام الحالي، جاء في وقته المناسب تماما من أجل تفعيل الاتفاقيات الخاصة بحل ومواجهة مشكلات وأزمات اللاجئين والنازحين في أفريقيا، إذ يصادف العام الجاري الذكرى الـ50 لتوقيع اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969، والتي وضعت قواعد مهمة لحماية اللاجئين الذين أرغموا على هجر منازلهم ومناطقهم لأسباب مختلفة.


كما يصادف العام الجاري الذكرى الـ10 لاتفاقية كمبالا، التي وقعتها دول الاتحاد الأفريقي عام 2009، والخاصة بحماية ومساعدة النازحين داخليا في أفريقيا، ودخلت حيز التنفيذ عام 2012، وشكلت خطوة مهمة لوضع إطار قانوني للحيلولة دون النزوح الداخلي وحماية النازحين داخليا في أفريقيا ومساعدتهم.


وقد عكست كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، أمام القمة الأخيرة، إدراكا عميقا لأهمية التصدي لقضية اللاجئين والنازحين في أفريقيا بالنظر إلى تأثيراتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والتنموية والأمنية في بلدان القارة، حيث أكد الرئيس السيسي ضرورة العمل على حل وتسوية النزاعات والتصدي لخطر الإرهاب، مشيرا إلى أن من بين أهم الأسباب في زيادة أعداد اللاجئين، وليس في أفريقيا فقط بل في العالم كله، هو انتشار النزاعات ووحشية الإرهاب، مشددا على أن مصر ستركز جهودها لحل أزمات اللاجئين والنازحين بشكل جذري، كما ستعمل على التنمية لتوفير مزيد من فرص العمل للشباب الأفريقي.


وطالب الرئيس السيسي بضرورة تبنى مقاربة تنموية شاملة تشمل مشروعات قارية وإقليمية ضخمة لتوفير فرص عمل للمواطنين الأفارقة، واعتماد برامج إعادة الإعمار، وخلق مناطق اقتصادية متكاملة.. داعيا الدول المتقدمة للمساعدة في التصدي لمشكلة التغير المناخي.


ويراهن العديد من المراقبين على أن تلعب مصر، خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي هذا العام، دورا مهما في جهود معالجة قضايا النازحين واللاجئين في أفريقيا، مستفيدة من خبرتها الكبيرة في هذا المجال، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط من أفريقيا إلى أوروبا، والتصدي للشبكات التي تعمل في ذلك النشاط.


وتعتمد مصر رؤية شاملة لمعالجة جذور أزمة الهجرة وأبعادها المتعلقة بشكل أساسي بالتنمية والاستقرار الأمني والسياسي، وتحرص على الالتزام بالمواثيق الدولية وتوفير سبل العيش للاجئين عبر عدم عزلهم في مخيمات أو معسكرات إيواء، بل التعامل معهم كمواطنين داخل المجتمع المصري، حيث تقدر مصر عدد اللاجئين على أراضيها حاليا من أفريقيا وغيرها بنحو 5 ملايين لاجئ.


وكان فيليبو جراندى المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين قد أشاد بدور مصر على المستويين الإقليمى والدولى في هذا الإطار، معربا عن تقدير المفوضية للجهود التى تقوم بها مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة، وحرصها على معاملتهم كمواطنين وليس كلاجئين، فضلا عن نجاح جهودها في وقف الهجرة غير الشرعية من السواحل المصرية منذ أكثر من عامين.


وحسب المراقبين، فإن التعامل مع مشكلة اللاجئين والنازحين ‏في أفريقيا يتطلب تعاون العديد من الأطراف والجهات، ومن ضمنها الدول المانحة والمنظمات الدولية ، والتي يجب عليها تحمل مسؤوليتها في دعم الجهود التنموية في القارة، والوساطة في المنازعات، ودعم آليات منع وإدارة الصراعات.


كما ينبغي على الأطراف الدولية عدم تسييس قضية اللاجئين في القارة، والتعامل معها باعتبارها قضية إنسانية في المقام الأول، وتجنب المعايير المزدوجة في النظر إلى تلك القضية من حالة إلى أخرى، كما يحدث حاليا، بهدف الاستغلال السياسي وممارسة الضغوط على الحكومات الأفريقية.


وعلى صعيد التزامات الدول الأفريقية في هذا الملف، فإن مواجهة ومعالجة قضايا النازحين واللاجئين تستوجب التزام حكومات الدول الأفريقية بمبادئ الحكم الرشيد والعدالة، واحترام القواعد القانونية الخاصة بحماية اللاجئين، وعدم إجبارهم على العودة قسرا إلى دولهم، كما عليها بصفة عامة أن تتفهم أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم.


    الاكثر قراءة