الإثنين 3 يونيو 2024

عيد الأم

31-3-2017 | 23:03

بقلم : د. عبدالله النجار

أعجب لمن يقولون: إنه لا يجوز تخصيص يوم يحتفى فيه بالأم أو يسمى (عيد الأم)، ووجه العجب مما يقولون إن الأدلة الشرعية واضحة الدلالة على الاحتفاء بالأم وتكريمها وإعطائها ثلاثة أضعاف ما للأب من البر، وذلك فى حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - الذى جاء إجابة لسؤال وجهه إليه أحد السائلين قائلا: أى الناس أحق بصحبتى يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من, قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك، فأعطى النبى - صلى الله عليه وسلم - للأم ثلاثة أضعاف ما قدره للأب, وفى هذا إشارة إلى فضل الأم لأن الجزاء من جنس العمل, ولولا أن الأم تستحق هذا الفضل وذلك التكريم ما تحدث عنها بمثل هذا الفيض من العطاء أشرف الخلق سيدنا محمد -  صلى الله عليه وسلم - بل أن الذين يقولون بأنه لا تسوغ التفرقة بين الأم والأب فى البر يستدلون بهذا الحديث على تأكيد حق الأم وأهمية الوفاء به، ويقولون: إن التكرار للتأكيد حتى يتذكر الولد ما مضى من فضل أمه عليه، حيث ذاقت من أجله المر والتعب أثناء الحمل وعند الولادة وبعدها وهى معاناة شديدة وقاسية تحملتها الأم بحب وحنان ورقة وعطاء لم تكل ولم تمل, وكان الولد وقت ذلك العطاء المتدفق من أمه حتى ينمو ويكبر أمام عينيها قويا متعلما ذا مستقبل سعيد وحياة طيبة, صغيرا لم تكتمل مداركه بعد، ولم يكن قد وصل إلى سن التكليف الذى يخاطب به من ربه، ولهذا أراد الله تعالى أن يذكره بفضل أمه عليه عندما وصل إلى سن التكليف فأكد له حقها فى رقبته ثلاث مرات (والثالثة ثابتة) كما يقولون فى المثل العامى الصحيح إلى حد كبير.

وهناك آيات كثيرة فى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة توجب على الابن أن يحسن إلى أمه وإلى أبيه، ومن ذلك قول الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا", وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حسنا"، وما من شك فى أن تلك الألفاظ القرآنية: البر والإحسان والحسن تتضمن من ضمن ما يتضمنه الاحتفاء بها واغتنام كل فرصة تتاح للتعبير عن برها والوفاء لها، وما من شك - كذلك - أن الولد مهما قدم لأمه من فضل وعطاء واحترام، فإنه لن يستطيع أن يوفى تلك الأم جزءا - ولو ضئيلا - من حقها على الابن، ولكن يعوضه فى ذلك أن القليل الذى يقدم للأم كثير، لأن عينها عن مثالب الابن كليلة، ولهذا فإنه لو قدم لها مجرد (وردة) أو قبل جبينها أو يدها، أو قال لها: كل سنة وأنت طيبة يا أغلى الحبايب، ويا ست الكل، سوف يكون هذا الوفاء القليل، وذلك العطاء البسيط عندها أكبر من خروف يقدمه وليمة لها، لأن بصلة المحب خروف كما يقولون.

ومن جملة البر والإحسان الذى تحدث عنه القرآن الكريم تخصيص يوم يفرح فيه الأبناء بأمهاتهم ويخصصونه لذلك الاحتفاء قصداً وحتى يجد من شغلته الأيام أو جذبته المشاغل وملهيات الحياة عن زيارتها أو الوفاء بحقها فرصة يعوض فيها ما ارتكبه من تقصير بحقها، وليكون ذلك اليوم المبارك بداية لتكريم لا يقتصر على اليوم فقط بل بداية لعام كامل يتواصل فيه البر ويبدأ بعيد الأم وينتهى عند حلوله ليبدأ عام جديد من برها والوفاء بحقها.

إن الأمومة هى رمز العطاء، وهى أساس الحب والبقاء, لولا الأم لأجدبت الحياة, ولانتهى الجنس البشرى ولأصبحت الدنيا خراباً، والحياة يبابا، ولفقد الإنسان معنى الاستقرار والهدوء، ولأصبح عاجزا عن العيش والعطاء والعمل، ولهذا كانت الأم رمز العطاء، ورمز الكرم، ورمز الحياة، إنها تعطى بلا حساب، وتحسن دون انتظار للجزاء، والله تعالى يقول: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، ومن الواجب على الابن أن يرد على إحسان أمه مما يقدر عليه من العطاء والوفاء، فإنه مهما قدم لن يستطيع أن يوفى ولو ذرة من فضل أمه عليه. وإذا كانت الأم تجسيدا لرحمة الله بالخلق، وهى رمز العطاء والوفاء، يكون وجودها فى الدنيا والحياة نعمة من أجل نعم الله على الإنسان، وفضلا كبيراً من أفضال الله تعالى على عباده، ومن المعلوم شرعاً أن الفضل يستوجب الشكر والفرح، وذلك كما قال الله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون". ولهذا كان تخصيص يوم للاحتفاء بالأم أمرا مشروعا ولاشية فيه، ويكون كل قول يعطل هذا المعنى أو يجعله أمرا زائدا أو بدعة لا سند لها من جهة أن الأعياد محددة فى الإسلام بيومين، غير صحيح شرعاً، لأن تكريم الأم دائم ويبدأ بيوم العيد.