الجمعة 5 يوليو 2024

بعد تقدم نائبة بمشروع لتجريمه .. عقوق الوالدين بين الأخلاق والقانون

31-3-2017 | 23:05

تحقيق: إيمان الدربى

«وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَهُمَا فَلَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلً كَرِيمًا » وصية إلهية أنزلها الله على قلب نبيه تنظم العلاقة بين الأبناء والآباء وتجعل أساسها الود والمحبة والرحمة، لكن ذلك القانون بات ضربا من ضروب الخيال فى مجتمع انتشرت فيه مشاهد عديدة لعقوق الوالدين فما بين ضربهما أو سبهما أو إيداعهما إحدى دور المسنين بعد أن بذلا كل ما يملكان فى سبيل تربية أبنائهما وتعليمهم ليكون الجزاء العقوق وليس الإحسان.

ما سبق دفع النائبة شادية خضير، عضو مجلس النواب إلى تقديم مشروع قانون للحد من عقوق الوالدين يوصى بإقرار عقوبة بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن 10 آلاف جنيه، لكن يبقى السؤال هل باتت القوانين وسيلة لتنظيم علاقات جعلت الشرائع السماوية الأخلاق والقيم المجتمعية أساسا لها، وهل تلك القوانين قادرة على تقويم سلوك الابن تجاه والديه؟ سؤال تطرحه «حواء » على المتخصصين فى التحقيق التالى.

فى البداية تقول النائبة البرلمانية منى منير: المجتمع فى حاجة ماسة لقانون ينظم العلاقة بين الأبناء والآباء لأن هناك عددا لا حصر له من قضايا الامتناع عن النفقة التى يرفعها الآباء والأمهات على أبنائهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد إلا أنه تعدى إلى التطاول بالأيدى والضرب وكأن هؤلاء الأبناء انتزعت الرحمة من قلوبهم، مشيرة إلى ضرورة تشكيل دوائر سريعة للفصل فى قضايا العنف الممارسة ضد الآباء والأمهات، لافتة إلى ضرورة الوقوف على هذه الظاهرة ودراستها ووضع حلول لها.

وأوضحت منى أن تراجع أخلاقيات المجتمع والتفكك الأسرى الذى تعانى منه الأسر المصرية وتراجع دور التربية والتعليم ودور الجامع والكنيسة أدى إلى وجود عادات دخيلة وتفشى عقوق الوالدين وظهور العنف المجتمعى الذى أصبح ظاهرة تؤرق أفراد المجتمع، مؤكدة أن حل المشكلة فى العودة إلى القيم والأخلاق الحسنة التى أمرنا بها ديننا وتربى عليه أجيال عديدة كانت مثالا فى الإحسان إلى والديهم، مع تأكيد الخطاب الدينى فى الجامع والكنيسة على التراحم والمودة ورعاية الوالدين التى حثت عليها كل الأديان السماوية.

التزام أخلاقى

ويقول المستشار عدلى حسين: هناك خلط بين الالتزامين الأخلاقى العام والشرعى القانونى الخاص، ويتمثل الأول فى حسن معاملة الوالدين التى أمرنا بها ديننا فى قول الله تعالى: «فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ،» وقوله «وصاحبهما فى الدنيا معروفا »، أما الالتزام الشرعى القانونى الخاص هو إلزام الأولاد بالنفقة على الآباء فى كبرهم أو عجزهم عن الكسب وهذا ما نص عليه القانون ولا يحتاج إلى تشريع جديد، كما أن هناك قانون يجرم تعدى أحد الأبناء على الوالدين بالضرب أو السب والقذف ويعاقب الابن العاق بالحبس ثلاث سنوات كحد أقصى للعقوبة.

صندوق النفقة

ويدعو هانى الشافعى المحامى بالنقض ورئيس المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة بوزارة التضامن الاجتماعى بإنشاء جمعيات متخصصة لرعاية الآباء الذين تخلى عنهم أبناؤهم والتصدى للمهازل التى تشهدها دور المسنين، وتخصيص صندوق لمساعدة الآباء والأمهات الذين هجرهم أبناؤهم وتركوهم بلا عائل فى كبرهم يوفر لهم دخلا بسيطا يضاف إلى كل دعوة قضائية تقدم أمام محكمة الأسرة، أو خصم مبلغ من مرتب الابن بحكم قضائى حالة امتناعه عن النفقة على والديه، كما دعا إلى تغليظ عقوبة من يتعدى على والديه بالضرب والإهانة أو السب والقذف لخمس سنوات حتى تكون زاجرة لكل من تسول له نفسه بالإساءة إلى والديه.

وصية إلهية

ويبقى السؤال هل أصبحنا فى حاجة إلى قوانين تنظم علاقتنا بأبوينا؟

يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق: أوصانا الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين، وقرن الإحسان إليهما بعبادته فقال: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا »، وقال: «إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما » فلننظر جيدا لكلمة عندك أى تحت رعاية الابن وإشرافه ومسئوليته ولم يقل فى دار مسنين أو بعيدا عنه، كما أمر الله أن تحاط العلاقة بين الأبناء وآبائهم بالمحبة والمودة فقال: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا »، أى لا تتعالى على الأب والأم ولا تتعامل معهما إلا بكل احترام وتبجيل حتى وإن أمراك بالشرك بالله فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، كما حث النبى الكريم على بر الوالدين ونهى عن عقوقهما فقال فى حديث لأبى بكر: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس، فقال ألا وقول الزور، قال أبو بكر: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت »، وحينما سئل صلى الله عليه وسلم عن أحق الناس بصحبة المرء فى الدنيا أمر بالإحسان إلى الأم ثلاثا إشارة إلى وجوب الإحسان إليها لضعفها. وأنها اجتمعت فيه كل معانى الحنان والحب والعطاء بلا حدود، وكذلك الأب الذى يربى أبناءه ويرعاهم ويتقى الله فيهم. وأرجع عاشور أسباب عقوق الوالدين إلى تراجع الخطاب الدينى فى المسجد والكنيسة، داعيا إلى العودة إلى الأخلاق الحميدة التى دعا إليها نبى الإسلام وأداء الآباء دورهم فى النصح والإرشاد وتقويم سلوك أبنائهم وإغداقهم بالحب والحنان فى الصغر حتى يجدوا ذلك فى كبرهم.

لن تجدى نفعا

وعن صلاحية التشريعات القانوية لمعالجة العلاقات الاجتماعية التى تنظمها الأخلاق والقيم الاجتماعية تقول د. نجوى الفوال، أستاذة علم الاجتماع والمدير الأسبق للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: لا يمكن تطبيق التشريعات القانونية فى علاقات عديدة خاصة علاقة الأبناء بالآباء التى يجب أن تقوم على الود والحب والعطاء، وأعتقد أن سن القوانين وإصدار تشريعات لن تجدى نفعا فى كثير من العلاقات، متسائلة: ماذا فعلت القوانين فى قضايا المرأة ؟ للأسف مازالت المرأة تعانى سنوات فى أروقة المحاكم للحصول على حقوقها أو نفقتها وأبنائها فى الوقت الذى تقف فيه محكمة الأسرة مكتوفة الأيدى أما المشكلات والقضايا التى تتسبب فى هدم الأسر وتشريد الأطفال.

لافتة إلى دور المؤسسات التعليمية والإعلام والفن فى ترسيخ القيم الإيجابية لدى الأبناء تجاه آبائهم مثل فيلم «وبالوالدين إحسانا » لفريد شوقى وسمير صبرى وكريمة مختار، مؤكدة أن الأمهات اللائى لم يكملن تعليمهن كن أكثر حكمة من الأمهات المتعلمات اللائى اختلف أسلوب تربيتهن لأولادهن وتأثرن فى ذلك بوسائل الاتصال المختلفة والسينما المصرية وخاصة سينما الشباب والأفلام الكوميدية وأفلام الكرتون.