بقلم : د. آمنة نصير
الرسالة الأولى: لفت نظرى فى الآونة الأخيرة هذا المظهر لأولادنا وبناتنا فى الشارع والمواصلات والجامعات، دون إدراك أن هذه الملابس المقطعة لا تحترم حرمة الجسد، وفيها انتهاك للمظهر، مع قبح الشكل وغياب الاحترام لذواتنا, وساقنى الفضول لتجمع بعض الشباب والفتيات فى أحد الشوارع وسألتهم أخبرونى ما هو الجمال فى هذا المظهر, فلم أجد أى إجابة لها معنى اللهم إلا كلمة إنها موضة, وما هذا الأمر فى الحقيقة إلا أننا لا يجب أن نأتى بالغث من بلاد تختلف ثقافتهم وأعرافهم وتقاليدهم عن بلادنا، ولذلك تكون الرسالة التالية لشبابنا المقلد لهذه الظاهرة السخيفة.
الرسالة الثانية: شاع فى أوروبا التخلف والجهل منذ سقوط الدولة الرومانية الغربية فى أواخر القرن الخامس الميلادي غطت أوروبا فى نوم عميق دام بضعة قرون من الزمان، قيل وصلت إلى ألف عام، كان نصفها الأول فى عصر الآباء منذ القرن الخامس حتى العاشر، وكان نصفها الثانى فى عصر المدرسيين، وجاهر مؤرخو الفكر بأن أوروبا حتى العصر المدرسى خاصة ما بين عامى 1000 و1300 كانت بيئة غير صالحة لنشأة العلم واختفت منها كل مقومات المظاهر المهمة من حياة الإنسان، فشت الأمية، وقلت المدارس، وعز الحصول على الكتب, وانتشرت الفوضى فى الجامعات, وشاع فساد الأخلاق، وقامت فيها الحروب والأعمال الوحشية، حتى الكتاب المقدس كان لا يكاد يوجد خارج الأديرة والقيام بنسخة يقتضى عاما، ولذلك كان ثمنه باهظا لا يقوى على اقتنائه إلا القلة النادرة، حتى رجال الدين قل من كان يستطيع أن يحرز نسخة كاملة, ويعبر المؤرخ الأوروبى "رينود" عن حال أوروبا بأنها افترستها الفوضى وطحنتها المحن. ويواصل "لربون" عن ذلك فيقول: ودامت همجية أوروبا زمنا طويلا من غير أن تشعر إلى رغبة فى العلم إلا فى القرن الحادى عشر والثانى عشر من الميلاد، وذلك حين ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثقيل عنهم فولوا وجوههم شطر العرب المسلمين الذين كانوا أئمة وحدهم. ويؤكد على هذا المعنى المؤرخ الأوروبى "لين بول" فيصف أوروبا ويقارنها بحضارة الأندلس، وفى موضع آخر يستطرد "لين بول" بأن قرطبة العظيمة التى كانت أعجوبة العصور الوسطى، والتى حملت وحدها فى الغرب الثقافة والمدنية وقت أن كانت أوروبا غارقة فى الجهالة البربرية فريسة للشقاق والحروب. هذه بعض الأقوال التى نقلها لنا المؤرخون الغربيون قبل اتصالهم بحضارة الأندلس التى فتحها المسلمون فى أوائل القرن الثامن الميلادى، وقضوا فيها نحو سبعة قرون أقاموا حضارة عظيمة لا تقل عن حضارة المشرق الإسلامى آنذاك.
الرسالة الثالثة: وبالاتصال بالأندلس عرفت أوروبا النظافة والحمامات والملابس الجيدة، وتخلصوا من الأثمال البالية التى كانت تبقى على أجسادهم حتى تبلى فيأتى شباب اليوم فى أوروبا ويستدعون هذه الملابس المقطعة، هم أحرار فى تاريخهم والذى أشرت إليه من واقع المؤرخ الأوروبى، ما الذى يدفع أولادنا إلى تقليدهم فى أمر يختلف عن ثقافتنا وأعرافنا وشريعتنا، فالغرب يقلدنا فى قيمة مظهر الإنسان ونظافته وعلمه ونحن نأخذ منهم ما يسفهه المؤرخ الأوروبى كما أشرت فى السطور السابقة. وأخيرا أقول لكم يا أبنائى - بنين وبنات - عفا الله عنكم فيما تفعلون بأنفسكم وتغتربون به عن جذوركم وأعرافكم وتقاليدكم والبناء العقيدى لأخلاقكم وحيائكم. أبنائى الأحباء أنتم ثروة مصر ومستقبلها يعز علىَّ أن أرى فيكم أى انحراف عن الطريق القويم والبناء الصحيح لمظهركم ولأبدانكم، أريدكم أقوياء الإرادة والعلم, نأخذ ما ينتفع به مستقبل هذا الوطن لأنكم عدته ورجاله فكونوا بحق ثروة قوية حتى تقوى بكم مصر وعافاكم الله من تقليد الغث فى أى شىء ينال منكم.