اعتبر الكاتب الأمريكي ديفيد إغناطيوس أن عدول الرئيس دونالد ترامب عن قراره بشأن الإنسحاب من سوريا هو بمثابة انتصار للرُشد والحسّ السليم.
وفي مستهل مقاله بصحيفة الواشنطن بوست، كشف إغناطيوس عن أن مسؤولا رفيعا في وزارة الدفاع الأمريكية أخبره يوم الجمعة الماضي أن ترامب، في عدولٍ نادر عن قرار اتخذه، قرّر إبقاء "مئات" من القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا لضمان "استمرارية الحملة" الدولية ضد تنظيم داعش وإرساء الاستقرار هناك مع انحسار أعمال القتال ضد هذا التنظيم الإرهابي.
وأضاف المسؤول أنه "وبعد المزيد من دراسة الموضوع، قرر ترامب اتخاذ مسار مختلف عن ذلك الذي كان أعلن عنه في ديسمبر ، والذي اقترح فيه سَحْب كل الـ 2000 جندي أمريكي الموجودين في سوريا مع نهاية أبريل المقبل".
وعليه ، فستبقى قوات أمريكية أقل عددًا تواصل مهمتها الخاصة بتدريب وإرشاد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية في شمال شرقي البلاد والتصدي للإرهاب ، كما ستبقي الولايات المتحدة على قوة صغيرة في قاعدة التنف، في الجنوب.
واعتبر الكاتب عدول ترامب عن قرار الانسحاب بمثابة انتصار مهم للرُشد والحسّ السليم ؛ ذلك أن قرار الانسحاب المفاجئ من مهمة ناجحة ومنخفضة التكلفة كان من بين أكثر القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب في رئاسته، وقد حيّر القرار حلفاء الخارج وأثار قلقهم.
وأشار إغناطيوس إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجا على قرار الانسحاب، ورصد أيضا تصريحًا أدلى به قائد القيادة المركزية جوزيف فوتيل، الأسبوع الماضي، بأن قرار الانحساب هذا سار عكس الاتجاه الذي نصح به.
ورأى صاحب المقال أن الساحة السورية كشفت أن قرارات ترامب ليست نهائية ، وخلال الأسبوع الماضي، بدا ترامب أكثر استعدادًا للاستماع إلى نصيحة العسكريين أكثر مما يزعم منتقدوه، كما بدا مقتنعا أن معارضة قراره الخاص بالانسحاب من سوريا كانت تقريبا معارضة عالمية، ولم تنحصر على وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بل إن داعمين أساسيين له من الكونجرس من أمثال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام عارضوا القرار ونشطوا في الدعوة إلى تغييره.
والآن ، وبعد أن غيّر ترامب المسار، يواصل مسؤولو البنتاجون أحاديث مع بريطانيا وفرنسا وحلفاء رئيسيين آخرين بشأن الإبقاء على وجود عسكري ضئيل في شمال شرقي سوريا، بمنطق "ندخل معًا ونخرج معًا".
وفي البداية، قاوم حلفاء أوروبيون هذا الطلب حتى اطمأنوا إلى أن ترامب بنفسه بات مستعدًا لإبقاء قوات أمريكية على الأرض السورية.
ورأى الكاتب أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي سيُغضب تركيا التي تنتقد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية التي تراها أنقرة فرعًا لميليشيا كردية تصنفها على أنها جماعة إرهابية.
وقال إغناطيوس إن الرئيس ترامب كان يبدو في ديسمبر مستعدًا للإذعان لمطالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأن تسحب الولايات المتحدة قواتها، لكنه لم يعد لديه هذا الاستعداد للإذعان.
وأضاف أنه بعدوله عن قرار الانسحاب، وإبقائه بدلا من ذلك على قوات أمريكية في سوريا، فإن ترامب يحول دون ما تخوف محللون من وقوعه وهو : فراغ في شمال شرقي سوريا ستملؤه تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، على نحو كان كفيلا بزيادة تعقيد الأمور هنالك.
وها هو ترامب من جديد يبدو، بحسب الكاتب، واقعًا تحت ضغط من كبار مستشاريه العسكريين، لا سيما: رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، والقائم بوزير الدفاع باتريك شاناهان.
وتابع الكاتب ، والآن وبعد أن وافق ترامب على استمرار الدور الأمريكي في إرساء الاستقرار بسوريا، فإن التحدي الراهن هو استخدام ذلك الموقف دبلوماسيًا لصالح النقاشات حول أُطر عمل سياسية جديدة لإعادة بناء الحوكمة والأمن في سوريا ، ويقول مسؤولون في البنتاجون ووزارة الدفاع إنهم يخططون لمحادثات مع روسيا حول أفضل الطرق لتعزيز الاستقرار في البلاد التي مزقتها الحرب.