ثلاث سنوات كاملة لم تطأ خلالها قدم الفنان
عبد الحليم حافظ منزل الموسيقار محمد الموجي، من عام 1967 حتى بداية عام 1970 بسبب
قطيعة حدثت بينهما، ورجح المقربون أن الخلاف حدث عندما بدأ عبد الحليم بالاستعانة
بملحنين آخرين، ومن المعروف أن الموجي وحليم سلكا سوياً رحلة الكفاح الفني وأن
ألحان الموجي كان لها عامل كبير في نجومية حليم .. في ذكرى ميلاد الموجي نروي
كواليس الصلح بينهما.
في الثاني عشر من فبراير 1970 ذهب عبد
الحليم حافظ لزيارة محمد الموجي في بيته لأول مرة منذ ثلاث سنوات وكان في انتظاره
الكاتب الصحفي فوميل لبيب ليسجل للكواكب تفاصيل الصلح والذي نشر في عدد 17 فبراير
1970 ، وما إن طرق عبد الحليم الباب إلا واستقبله الموجي بالأحضان وغلبت الدموع على
المشهد في ذلك اللقاء الحار، وأكدت السيدة أم أمين زوجة الموجي أنها كانت تشعر بأن
أحد أبنائها غائب عن البيت وسوف يعود .. وقد بادرت حليم بعد أن جلس قائلة : سوف
أنتظر منك تليفون تحدد فيه متى تريد طاجن التورلي بالدجاج .. فضحك عبد الحليم
قائلاً : طواجن زمان ما عادتش تناسب صحتي .. وجلس الصغار على ركبتي عبد الحليم،
وانهالت عليه الأسئلة عن صحته وعن مشروعاته الفنية ، وأجاب حليم وكادت بعض الأسئلة
أن تدفع الدموع إلى مآقيه .
جلس محمد الموجي متماسكاً يستمع إلى
حليم، وكان يخشى الحديث حتى لا تخونه نبرات صوته وتشي بالدموع الحبيسة في عينيه ..
وعن استكمال التعاون الفني بينهما بعد الصلح صرح الموجي بأنه سيكون له مع حليم
لقاء عمل مطول، فقد طلب جلال معوض من الموجي إعداد لحن لحليم مطلعه : من فوق شواشي
الشجر طل القمر، وهناك أيضاً كلمات أغنية جديدة للشاعر مجدي نجيب يقول مطلعها :
احبك يا بلدي .. احبك ابتسامة وفرحة وسلامة ووردة بتضحك في وسط الغمامة .. وعلم
الموجي أيضاً أن لدى عبد الحليم كلمات أغنية من فيلم جديد لعبد الحليم وهو فيلم
"وتمضي الأيام" .. وأذاع الموجي أمام الحضور سر، وهو أنه كان يحتفظ بلحن
لحليم منذ عام مضى، كان قد أعده وانتظر الصلح حتى يقدمه له ويقول مطلعه : مروح
المغربية، والولاد فوق شفايفهم بسمة فريحية، والنجوم فوق البيوت في ليلة صيف
مندية.
عن اللقاء الأول بين عبد الحليم
والموجي، أكد الأخير أنه رأى حليم لأول مرة عند حافظ عبد الوهاب الذي قد تبناه
فنياً، وكان حليم وقتها عازفاً للأوبوا في فرقة الإذاعة ، وطلب من حافظ أن يعطيه
عبد الحليم كي يضع له ألحان ليغنيها بصوته ويترك العزف في الإذاعة، وبالفعل وافق
حافظ وتمنى لهما التوفيق، وغنى عبد الحليم أول لحن للموجي وكان بعنوان
"الجمال هو .. والغرام هو .. والشباب هو" ، وفي نفس الشهر بعد أن اقتنع
الموجي بصوت حليم أعطاه أغنية النيل "ياتبر سايل بين شطين" .. وذات مرة
كان الموجي يعد لحناً جديداً بعنوان: ظالم" وما أن سمع حليم اللحن حتى سأل
الموجي لمن؟ فأجاب بأنه يعد اللحن لسمير محجوب كاتب الكلمات ويريد هو أن يغنيها
ليشق طريقه في عالم الطرب ، فسكت حليم حائراً وهنا فهم الموجي ما يريد فقال له :
أنت الذي سيغنيها.
أما أغرب لحن أعده الموجي لحليم فقد
كان باسم وفاء " طول مانسيم الدنيا بيسري ، طول ما النيل في الوادي بيجري،
حافضل أصون عهدك يابلادي"، وكان الموجي قد عرض اللحن على المطرب عبد الغني
السيد فرفضه وعلى محمد عبد المطلب فقال أنه ليس لونه، أما حليم فقد رحب باللحن، ولم
يكن اللحن قد استكمل، وبحثا عن مكان لإتمامه، وكان حليم يسكن في المنيل، وبالفعل
جلسا في جراج تحت العمارة كي يحفظ حليم اللحن .. وأكد الموجي أن حليم حتى ذلك
الوقت كان قد غنى قرابة 40 أغنية من ألحانه ويفخر بها كلها .. ومن أشهر ما غنى
حليم للموجي كانت أغنية "حبيبها"، فبعد أن اكتمل لحنها اتصل الموجي
بالكاتب والشاعر الكبير كامل الشناوي لكي يسمعها له وكان الشناوي على فراش المرض
.. وعند مقطع "ما أنت يا قلب قل لي .. أأنت لعنة حبي " وهنا صاح الشناوي
: الله يا موجي .. هذه ثورة عارمة ، وظل محمد الموجي يتذكر ثناء كامل الشناوي كلما
سمع هذا المقطع من الأغنية.