في ذكرى يوم الشهيد تطرح "الهلال اليوم" عدة صور نادرة للفريق أول عبد المنعم رياض في يوم استشهاده..أخي إن جرى في ثراها دمي، وأطبقتُ فوق
حصاها اليدا ، ففتش على مهجةٍ حرةٍ أبت أن يمرا عليها العدا .. وقبل شهيداً على
أرضها ، دعا الله فيها واستشهدا .. بأبيات الشاعر على محمود طه نستعيد ذكرى
الشهيد، تلك الروح الطاهرة التي عصفت بها رياح الغدر والعدوان، فالشهيد أصبح من علامات
مصر منذ الماضي وحتى الآن، ولا نعرف متى يتوقف نزيف الدم وسقوط الشهداء، فمصر منذ
التاريخ دولة الحضارة والبناء والتنمية، ولم يكن لها أطماع استيطانية أو توسعية
على أراضي الغير أو الجوار.
ورغم ابتعادنا عن منظومة الحروب منذ انتصار مصر
في حرب 1973 إلا أن أعداء الداخل والخارج يتربصون بنا، ربما بغرض محاولة الوصول
إلى مناصب سياسية داخلياً رغم تجربتهم الفاشلة في حكم مصر، وأيضاً يريد أعداء
الخارج تفكيك مفاصل الدولة وهدمها مثلما حدث في سوريا والعراق وليبيا .. لذا ظل
الشهيد رمزاً حاضراً في مصر، سواء جندياً في أرض سيناء الآن وهو يطهرها من بؤر
الإرهاب، أو مدنياً يسقط صريع غدر الإرهابيون المأجورين الطامعين في الوصول إلى
حور العين بالجنة التي تنشدونها وأياديهم ملطخة بدماء الشهدء الأبرياء.
لم يشهد التاريخ لمصر بأي أطماع
توسعية، وإن كانت حدثت في عهد محمد على باشا حملة توسعية على السودان وضمها إلى
مصر، فقد كانت بغرض تأليف وحدة وادي النيل، وبعد ضم السودان كانت هي المستفيد
الأكبر من تلك الخطوة، فقد بنى محمد على مدينة الخرطوم كاملة على طراز القاهرة
الحديثة، وقسم السودان إلى محافظات وأرسل إليها الأشجار وبدأ فيها الزراعات
الحديثة، إذن كان توسع تنموي لايقوم على نهب أراضي الغير بل كان لحماية الوادي
وخيره .
ظهر رمز الشهيد في مصر بعد أن ظهر
الكيان الصهيوني في المنطقة، وقد أدى وجوده إلى عدة حروب واعتداءات بداية من حرب
1948 والعدوان الثلاثي 1956 واعتداء 1967 الذي تم فيه تدمير الطيران المصري على
أرضه مباغتة، مروراً بحرب الإستنزاف التي بدأتها مصر، وصولاً إلى حرب أكتوبر التي
دحرت فيها مصر الكيان الصهيوني .. ورغم سقوط الشهداء في تلك الحروب والإعتداءات
إلا أنه أصبح رمزاً للوفاء والزود عن الوطن في شخص الفريق عبد المنعم رياض الذي
عين رئيساً لأركان حرب القوات المصرية في حرب الإستنزاف ، فهو من أعاد بنائها مع
وزير الحربية الفريق أول محمد فوزي بعد نكبة 1967، وهو من حقق انتصاراتنا العسكرية
في معارك الإستنزاف ومنها معركة رأس العش وتدمير المدمرة إيلات ، وإسقاط الطائرات
الحربية الصهيونية المغيرة خلال عامي 1967 و1968 والذي دمر مايقارب من ثلثي
تحصينات خط بارليف وعلى يده أصبحت بؤر إنذار وليست خط دفاع.
في التاسع من مارس 1969 قرر الفريق
عبد المنعم رياض أن يشهد نتائج أكبر معركة لكتبيد العدو خسائر فادحة تمت في الثامن
من مارس، وتنقل بين نقاط الهجوم حتى وصل إلى الموقع رقم 6 الذي انهالت منه أكبر
كمية من القذائف على دشم العدو، وبينما يشارك رياض فرحة الجنود بانتصار الأمس
انهالت قذائف الغدر من العدو ليدور اشتباك زاد عن الساعة ونصف، وهبط رياض في حفرة
يقود منها الإشتباك، وقد انفجرت إحدى القذائف وتناثرت شظاياها لتصل إلى جسد عبد
المنعم رياض الذي استشهد متأثراً بجراحه، وتكريماً لدوره تحدد التاسع من مارس يوماً
لذكرى الشهيد .. ومن مفارقات القدر أن نفس ذلك اليوم اندلعت فيه مظاهرات ثورة
1919، وسقط في نفس اليوم 12 شهيداً من أبناء مصر برصاص قوات الاحتلال البريطاني
وهم يطالبون بجلاء المحتل الإنجليزي .
من المؤكد أن لدماء الشهداء ثمن، وهو
رفعة مصر وبقائها قوية وخالدة، فبعد استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض زادت
عزيمة مصر وإراتها للعبور إلى النصر الذي تحقق، ودماء الشهداء في ثورة 1919 أصبحت
ناراً ممتداً حتى زادت في 25 يناير 1952 ليتحقق بعدها جلاء المحتل البريطاني بعد
توقيع اتفاقية الجلاء في أكتوبر 1954 ليرحل أخر جندي في يونيه 1956 ، ونتضرع
بالدعاء في يوم الشهيد أن يمحو الله أعداء الخير والسلام وأن يبعد مصر عن كيد
أعداء الداخل والخارج، لتستكمل مسيرة البناء والتنمية .