السبت 29 يونيو 2024

ترامب بين سندان الصراعات المؤسسية الداخلية ومطرقة السياسة الخارجية

11-3-2019 | 12:04

ضربات متتالية يواجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نابعة من طبيعة الصراع بين المؤسسات الأمريكية وبين الديمقراطيين والجمهوريين، أو نابعة من طبيعة قضايا السياسة الخارجية المعقدة والمتشابكة والتي تلقي بظلالها على الشأن الداخلي.


وقد زادت حدة هذه الصراعات المؤسسية الأمريكية عقب نتيجة الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، والتي كسب الديمقراطيون فيها أغلب مقاعد مجلس النواب، وبدأ ترامب يعاني من ضغوط وقيود داخلية تعطل برنامجه السياسي والانتخابي، في تحدي بين البيت الأبيض والكونجرس الجديد من قبل أن يشرع المجلس في انعقاد جلسته الأولى.

وتزايدت حدة التعقيدات والتشابكات في الممارسة السياسية الأمريكية في العديد من الملفات الخارجية والداخلية والتي من أبرزها، أولاً: جاء فشل قمة "ترامب ـ أون" الثانية ليزيد من تعقيدات المشهد السياسي الأمريكي، وينذر بتراجع التيار الشعبوي، ليس فقط أمريكياً وإنما على المستوى العالمي كذلك، وكانت حصيلة القمة ومحادثات ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، التي كانت تترقبها الساحة العالمية منذ ثمانية أشهر، مخيبة للآمال وانتهي الاجتماع دون التوصل إلي اتفاق يرضي الطرفين.

كما خيبت آمال المجتمع الدولي الذي انتظر بتفاؤل التوصل إلي اتفاق تاريخي بين الطرفين لنزع السلاح النووي،من شبه الجزيرة الكورية .وتزامن ذلك الفشل الخارجي مع ضربة موجعة وجهها مايكل كوهين محامي ترامب السابق ـ أثناء انعقاد تلك القمة ـ حيث أدلي بشهادة علنية أمام الكونجرس هاجم فيها الرئيس ترامب بشدة، والتي زعم ترامب أنها كانت سببا في أثر بالسلب على نجاح القمة.

وفي الوقت الذي يستعد فيه محامي ترامب السابق مايكل كوهين للمثول أمام الكونجرس للمرة الرابعة ،من المتوقع أن يقدم المحقق الخاص روبرت مولر تقريره بشأن التدخل الروسي قريباً، وكان كوهين قد وصف ترامب في خلال شهادة علنية أدلي بها امام الكونجرس الأسبوع الماضي "بالعنصري والكاذب والمخادع" وقال إن الرئيس طلب منه الكذب بشأن أموال دفعها سرا لممثلة إباحية لإقناعها بعدم التحدث عن إقامتها علاقة مع ترامب في 2006.


وفي ذات السياق، نشرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية تقريرا كشفت فيه عن معارك ترامب السياسية للبقاء في السلطة، والحفاظ علي مكانه، واصفة حياته بأنها عبارة عن قتال للبقاء علي قيد الحياة بين منافسيه من الناحية الشخصية والسياسية، وأن الرئيس الأمريكي استخدم الغش في الحياة الشخصية والمهنية مرارا وتكرارا، حتي وصل إلي مكانته الحالية كرئيس للولايات المتحدة. وأشارت إلي أن خلافه مع الحزب الديمقراطي، سوف يعمل علي توحيد الحزب الجمهوري خلفه، وسط بعض الإشارات علي وقوع بعض الصدع بين أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، حول إعلان الطوارئ الوطني بسبب بناء الجدار الحدودي مع المكسيك.


ثانياً: نتيجة الصراع المؤسسي في أمريكا، شهدت المؤسسات الفيدرالية أطول مدة اغلاق في تاريخ الرؤساء الامريكيين حتى الان بسبب الخلاف بين ترامب والديمقراطيين حول تمويل الجدار الفاصل على الحدود مع المكسيك مما اد الى عدم صرف المرتبات لآلاف من الموظفين الاتحاديين نتيجة هذا الإغلاق.

ثالثا: في الوقت نفسه تدور تكهنات حول سعي ترامب للتغطية علي مشاكله بالاتجاه إلي حرب مع ايران حيث حذر اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي وهما ريتشارد ديربين، سناتور إلينوي، وطوم أودال، ممثل نيو مكسيكو، من اتجاه الرئيس إلي حرب مع إيران، وأبديا مخاوفهما من تكرار سيناريو العراق بعد مرور 16 عاما علي الغزو الأميركي والعودة مرة أخري إلي نزاع آخر غير ضروري في الشرق الأوسط، يستند إلي منطق خاطئ ومضلل، وانه علي غرار تبرير إدارة جورج دبليو بوش للحرب في العراق، فإن إدارة ترامب قدمت روايات خاطئة تقول إن إيران لا تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاقية النووية، وإنها مسئولة بشكل ما عن صعود تنظيم داعش في العراق وسوريا.

رابعا : باتت الصين المتنازعة تجارياً مع واشنطن هي المستفيد الإقليمي الأكبر من فشل قمة ترامب -كيم، ، فربما تضطر الولايات المتحدة إلى اللجوء للصين للضغط على كوريا الشمالية، وبالتالي سيكون لدى الصين ورقة ضغط جيدة تستطيع أن تساوم بها الولايات المتحدة في حربهما التجارية، ولكن هذا لا يعني أن الصين ستعرقل المفاوضات بشكل كبير ، فالصين قد تستخدم بيونج يانج كورقة ضغط على الولايات المتحدة ولكن دون أن تدفع الأمور إلى الانهيار أو التصعيد.

وتؤكد التقارير العالمية أن الممارسة السياسية للرئيس ترامب بشأن الملفات الدولية، كشفت أن ثمة صراعا مستترا ما بين ترامب والمؤسسات الأمريكية خاصة وزارتي الدفاع والخارجية ومستشاريه للأمن القومي. وبدا ذلك واضحًا في العديد من الملفات الدولية التي خالف فيها ترامب توجهات المؤسسية الأمريكية مثل الأزمة الخليجية ، ومحاولاته لإعادة فتح التفاوض في الاتفاق النووي الإيراني. أدى ذلك كله إلى فوضى ، وسيل من التصريحات المتناقضة ما بين الرئيس وفريق عمله؛ وهو ما كان محل انتقاد كبير داخل أروقة الإعلام الأمريكي.

يبقى القول إنه في إطار شعار حملته "أمريكا عظيمة مجددا"، سعى ترامب لتجاوز المؤسسية التقليدية في إدارة العلاقات الخارجية، ونجح في ملفات واخفق في أخرى، ولكن من المؤكد أن الاستقالات المستمرة في البيت الأبيض أكدت تفوق ترامب على المؤسسية التقليدية، وانعكس غياب التناغم بين المؤسسات والرئيس على ظهور تناقضات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في الأزمات الأخيرة ومن ثم يظل التنافس والصراع كامناً في دولاب العمل السياسي الأمريكي.