الخميس 23 مايو 2024

الأيام بيننا

4-4-2017 | 09:52

بقلم : أشرف غريب

لا هو فنان عادى ولا هى مناسبة اعتيادية ..

كلاهما استثنائى ، وكلاهما يستحق الاحتفاء ..

إنه معبود الجماهير عبد الحليم حافظ فى ذكرى رحيله الأربعين ، ليس هناك من يستطيع مقارعة الرأى القائل إنه ببزوغ نجم عبد الحليم تبدلت سماء الغناء العربى على اتساع مساحتها .. أفلت نجوم ، وتراجعت كواكب ، ودارت فى فلكه مجموعة من التوابع والكواكب السيارة ، ومرقت بجواره شهب ونيازك ما لبثت أن سقطت تجر أذيال الإخفاق فى زمن النجم الأكبر إن لم يكن الأوحد عبد الحليم حافظ

لم يكن عبد الحليم مجرد مطرب تحلقت الآذان العربية حول صوته الصادق والمعبر ، وإنما كان حالة مصرية نستطيع أن نجعلها عنوانا لجيل بأكمله ، أحب وثار ، عشق وناضل ، فامتزج الوطن بالحبيبة على أوتار صوته لنعيش معه تجربة رومانسية شجية كانت ثورة يوليو أعلى تجلياتها ، وصارت ذكرياتنا العاطفية أرقى ما فيها ، وفى الحالتين ( الحب والثورة أو الثورة والحب ) كان الانكسار مصيرنا فى الغالب ، والعذاب قدرنا عادة و لكنها فى النهاية تجربة جيل كان العندليب فيه أكبر من مطرب وأقل من زعيم .

أكبر من مطرب لأنه لو كان كذلك لأصبح مجرد صوت على اسطوانة ، أو اسم فى جداول نقابة الموسيقيين مثله مثل بقية الكواكب السيارة التى دارت فى سمائه ، أو تلك النيازك والشهب التى مرقت بجوار نجمه .

وأقل من زعيم لأنه أتى فى زمان كان فيه لواء الزعامة معقودا لرجل واحد وكأنه صنوة أو مرادف له ، لا يليق لأحد أن يقترب منه أو يتمسح فيه حتى لو كان يدور فى فلك آخر بعيدا عنه ، إنه جمال عبد الناصر الزعيم الأوحد ولو كره الآخرون أو رغبوا ، أما فى زمن غير زمن عبد الناصر فمن الممكن أن يصبح عادل إمام زعيما ، وفريد شوقى ملكا ، وجورج وسوف سلطانا ، وهانى شاكر أميرا ، ومحمد منير " كينج " إلى آخر الألقاب الخزعبلية التى يتم توزيعها حاليا على بطاقات تموين النجوم .

لكن فن عبد الحليم وعطاءه امتلك ما لم يتوفر لزعيم ، أو يتحقق لملك أو سلطان ، إنه الإجماع الذى يبتغيه كل ناجح أو متفرد ، فحتى عبد الناصر نفسه صاحب تلك الكاريزما الطاغية لم ينل ذلك الإجماع ، وكلما تعاقبت الأجيال من بعده زاد معارضوه بقدر تعاظم عدد مؤيديه ، أما العندليب- وبعيدا عن تقييمنا لشخصه وتصرفاته- فلا أحد يستطيع أن يشكك فى موهبته أو قيمته الفنية ، وما تركه لنا من رصيد يضمن له توافقا جماهيريا متجددا جيلا بعد جيل ما دام فى الأمة العربية آذان تسمع وقلوب تحب ، ولذلك جاءت الذكرى الأربعون لرحيله وكأنه فارقنا بالأمس فقط ، أو كأنه لم يفارقنا من الأساس ، بينما هناك فنانون ما زالوا يعيشون بيننا لا نشعر حتى بظلهم ، وهذا هو الفارق بين من عاش لفنه ، فعاش فنه وخلد ، وبين من امتهن الفن ليعيش ، فلا هو عاش ولا فنه بقى .

وقد كتبت كثيرا فى دراساتى عن مصطلح نجم الشباك ، وأخضعت عشرات الأسماء الفنية لمعايير صارمة كى يحظوا بهذه المكانة الفريدة حتى لو بدت تجارية فى ظاهرها ، فلم أجد من اقترب من حالة عبد الحليم ، صحيح أن هناك فقط أربعة نجوم آخرين يقفون معه تحت لافتة نجومية الشباك ، هم أنور وجدى وليلى مراد وسعاد حسنى وعادل إمام إلا أنه يبقى حالة خاصة حتى بين هؤلاء الخاصة ، فهؤلاء الأربعة- باستثناء عادل إمام أطال الله فى عمره- كانت ذروة نجوميتهم فى سنوات حياتهم ، أما عبد الحليم فحضوره لا يعترف بأى غياب ، وبريقه يتحدى غبار الزمن ، ووهجه لا تطفئه عوادم الغناء التى نتنفسها الآن ، ولذلك فإننى أكاد أجزم بأن يوما سوف يأتى فى نهاية مارس بعد خمسين أو مائة عام ويطالع قراء ذلك الزمان القادم ما يؤكد نفرد عبد الحليم حافظ وقدرته على الخلود .

والأيام بيننا .