الجمعة 24 مايو 2024

حليم .. وشارع الحب

4-4-2017 | 09:54

بقلم : عاطف بشاى

"حليم" لا يصدق إلا إذا غنى" ....

هذه العبارة وردت على لسان الشاعر الكبير "كامل الشناوي" حينما ذهبت "سعاد حسني" للقاء "عبد الحليم حافظ" في موعد محدد بكافيتريا أوتيل معروف فلم تجده وسألها "الشناوي" الذي كان يجلس بالصدفة في الكافيتريا عمن تبحث .. المعنى الواضح هنا إن "الصدق الفني" الذي يتميز به "عبد الحليم حافظ" هو أهم ما يعنيه ويهتم به ويستولي على كل عقله وجدانه وكيانه وحياته .. إنه عنده فوق كل قيمة أخرى .. حتى لو كانت هذه القيمة هي الحب .. وهذا المعنى هو نفسه الذي ورد على لسان "عبد الوهاب" في حديثه عن "عبد الحليم" في كتاب الأستاذ "لطفي رضوان" عنه .. حيث قال إنه مطرب ناجح استأثر بقلوب كل من سمعوه في مصر وخارج مصر لأنه كان فناناً صادقاً .. ملتزما يحترم نفسه وفنه .. ويتحرك دائماً في الاتجاه السليم .. ولهذا فشل الحاسدون في وقف تقدمه الفني .. وتحولوا إلى مهادنين أو أصدقاء له بمعنى الوقت ..

صفة أخرى ميزت "عبد الحليم" نجد أمثلة كثيرة عليها .. خاصة في أفلامه .. هي ذكاؤه الفني المتمثل في قدرته الكبيرة على إدراك ذائقة المستمع والمشاهد .. ومواكبة التغييرات الاجتماعية والسياسية ومدى تأثيرها في الجماهير العريضة .. فمثلاً كان خطاب ثورة (23) يوليو (1952) يتبنى مبدأ تذويب الفوارق بين الطبقات فغنى .. "مفيش أنا .. في إحنا ياصاحبي" فمن حق الفقير اليتيم- كما في فيلم شارع الحب- أن ينجح ويتفوق ويحقق طموحاته .. مهما كانت العقبات .. يقول في ذلك الكاتب اللوذعي "مؤمن المحمدي" في كتابه الممتع "ألف مشهد ومشهد" .. "حليم"0 خلق فكرة الصعود الطبقي الفردي المنظم فأول حاجة بتشوفها في "فيلم شارع الحب" هي رجليه اللي طالعه من الجزمة المقطوعة وهو يستجدي شغلانة فراش لحد ما مصر تعترف بيه في آخر الفيلم .. الحكاية دي هي حكاية حليم نفسه .. هو كمطرب ناجح محبوب مشهور كان بيقدم حياته كنموذج شاب فقير اتربى في ملجأ واترفض في البداية من الجميع لحد ما أثبت نفسه .. وفرض موهبته أو موهبته فرضته على الجميع" ..

أيضاً في المثال السابق - من زاوية أخرى - يتجلى ذكاء "حليم" في إدراكه أن المتفرج كثيراً ما يحب أن يرى بطله المفضل لا تختلف شخصيته في أبعادها الدرامية المختلفة .. الاجتماعية والنفسية .. وأخلاقه وطباعه عما يعرفه ويعتاد عليه .. فحليم في أفلامه متواضع .. مظلوم في حبه .. رقيق الحس .. فياض المشاعر .. رومانسي .. طيب .. مثالي .. محبوب من الجميع .. والذين لا يحبونه يغيرون موقفهم منه قبل انتهاء الفيلم ..

يقول في ذلك "المحمدي" أن أغنية "نعم يا حبيبي نعم" الموجودة ضمن أحداث فيلم "شارع الحب" تضع "عبد الحليم" "باعتباره موحد القطرين ومجمع الأديان .. ومؤلف الطبقات مع بعض .. فيها بنشوف مديرة الأوبرا اللي كانت قرفانة من فرقة حسب الله وحركاتهم مع المزيكة .. على آخر الغنوة حاضنة اثنين من الفرقة وبترقص معاهم .. والضابط اللي بيدور على المجرم بقاله خمسة وعشرين سنة .. اتحرم من رتبة لواء ووقف في جلال الفن يسمع المزيكة اللي عملها المجرم ده من خلال الصوت الساحر "لعبد الحليم حافظ" .. وبنشوف الجد اللي بيعرف أن حفيدته ماشية مع واحد والجد جاي بمسدس علشان يقتله فيسمع الصوت الجميل فيتحول المسدس في يده إلى آلة إيقاع أو عصاية مايسترو مضبوطة على النغم..