الأربعاء 26 يونيو 2024

ذكري تحرير سيناء واستلهام روح الملحمة الوطنية في بناء واستقرار الوطن

أخبار23-4-2019 | 07:33

يجسد يوم 25 أبريل من كل عام، ذكرى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، صورة حية لاستلهام الروح الوطنية في ملحمة الدفاع عن تراب الوطن وبنائه واستقرار أمنه، إذ حررت مصر أرضها التي احتلت عام 1967 بكل وسائل النضال، من الكفاح المسلح بحرب الاستنزاف ثم بحرب اكتوبر المجيدة عام 1973 و كذلك بالعمل السياسي و الدبلوماسي بدءا من المفاوضات الشاقة للفصل بين القوات عام 1974 و عام 1975 ثم مباحثات كامب ديفيد التي أفضت إلى إطار السلام في الشرق الأوسط " اتفاقيات كامب ديفيد " عام 1978 ، تلاها توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979.


تؤكد الدراسات التاريخية أن سيناء عبر التاريخ والسنون، تمثل بقعة غالية فى وجدان السياسة والدبلوماسية المصرية، حتى باتت رمزاً للسلام و التنمية، ففي أواخر خريف عام 1981 وفي الوقت الذي بدأت إسرائيل انسحابها من سيناء تنفيذا للمرحلة الأخيرة من مراحل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، سعى الجانب الإسرائيلي إلى افتعال أزمة تعرقل الانسحاب الأخير من أرض الفيروز، بإثارة مشكلة حول العلامة 91 طابا، وكان هذا الفعل الإسرائيلي بداية لمعركة سياسية وقانونية خاضتها مصر لتخرج منتصرة رافعة الرأس والعلم يوم 19 مارس عام 1989.


وقد سطرت عودة السيادة المصرية على كامل تراب سيناء الوطني، ملحمة في تاريخ السياسة والدبلوماسية المصرية، من الحرب والتفاوض والحوار والتحكيم مع إسرائيل، وقد تم تحديد جدول زمني للانسحاب المرحلي من سيناء على النحو التالي:


ـ في 26 مايو 1979: رفع العلم المصري على مدينة العريش وانسحاب إسرائيل من خط العريش / رأس محمد وبدء تنفيذ اتفاقية السلام. وفي 26 يوليو 1979: المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلي من سيناء (مساحة 6 آلاف كيلومتر مربع ) من أبوزنيبة حتى أبو خربة.


ـ في 19 نوفمبر 1979: تم تسليم وثيقة تولي محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام. وفي 19 نوفمبر 1979: الانسحاب الإسرائيلي من منطقة سانت كاترين ووادي الطور، واعتبار ذلك اليوم هو العيد القومي لمحافظة جنوب سيناء.


وفي يوم ‏25‏ إبريل‏1982‏ تم رفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد احتلال دام 15 عاماً وإعلان هذا اليوم عيداً قومياً مصرياً في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء فيما عدا الجزء الأخير ممثلاً في مشكلة طابا التي أوجدتها إسرائيل في آخر أيام انسحابها من سيناء ، حيث استغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة الغالية سبع سنوات من الجهد الدبلوماسي المصري المكثف‏.

معركة التحكيم حول طابا
خلال الانسحاب النهائي الإسرائيلي من سيناء كلها في عام 1982، تفجر النزاع بين مصر وإسرائيل حول طابا وعرضت مصر موقفها بوضوح وهو أنه لا تنازل ولا تفريط عن أرض طابا، وأي خلاف بين الحدود يجب أن يحل وفقاً للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية والتي تنص على: تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات. وإذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم، وقد كان الموقف المصري شديد الوضوح وهو اللجوء إلى التحكيم بينما ترى إسرائيل أن يتم حل الخلاف أولا بالتوفيق.


وفي 13 يناير 1986 أعلنت إسرائيل موافقتها على قبول التحكيم، وبدأت المباحثات بين الجانبين وانتهت إلى التوصل إلى "مشارطة تحكيم" وقعت في 11 سبتمبر 1986 والتي تحدد شروط التحكيم، ومهمة المحكمة في تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف.


وفي 30 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة التي عقدت في برلمان جنيف حكمها في قضية طابا، والتي حكمت بالإجماع أن طابا أرض مصرية. وفي 19 مارس 1989 تم رفع علم مصر على طابا المصرية وعادت سيناء كاملة للتراب الوطني المصري.


أصبحت سيناء نموذجاً هاما يجسد دعوة السلام، وبعد أن دارت على أرض سيناء أعنف المعارك والحروب أصبحت دليلا على ثمار السلام وتجسيدا لانتصار إرادة السلام وحصلت مدينة شرم الشيخ على جائزة مدينة السلام لعام 2000 م ، و2001 م على التوالي، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، كما احتلت مدينة شرم الشيخ المركز الأول كأفضل مقصد سياحي على البحر الأحمر. و شهدت المدينة العديد من المؤتمرات العالمية والمبادرات والاجتماعات في شتى المجالات السياسة والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تدعم السلام والتنمية ولعل أبرزها احتضان مدينة شرم الشيخ منتدى شباب العالم خلال الفترة من 2 حتى 6 نوفمبر 2018، بمشاركة أكثر من 6 آلاف شاب وفتاة من 150 دولة على مستوى العالم، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى.


حيث تم إقامة قاعة مؤتمرات جديدة بشرم الشيخ تسع لاستقبال أكثر من 4 آلاف شخص وتعد الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قاعة المؤتمرات السابقة بطاقة 2000 شخص ليصبح إجمالي الاستيعاب 6 آلاف شخص وتم افتتاحها قبل انعقاد مؤتمر الشباب الدولى.

سيناء وتاريخ عريق من النضال
كانت سيناء جزءاً من حملة دولية استهدفت العدوان علي مصر، وتمثلت في العدوان الثلاثي عام 1956م والذي شاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، وبنفس الأسلوب اتجهت القوات الإسرائيلية إلي الطريق الحربي للوصول إلي قناة السويس والالتقاء بقوات فرنسا وبريطانيا المشاركة في العدوان، الذي اندحر بصلابة المقاومة المصرية والرفض العالمي لمنطق العدوان وأهدافه فانسحبت القوات الإسرائيلية من سيناء إلي حدود مصر الدولية.


وبعد 11 عاماً أخري كانت سيناء هدفاً لعدوان إسرائيلي جديد في 5 يونيه 1967 ولم يكن ممكنا أن يخرج هذا الاحتلال الجديد لسيناء إلا بتضحيات كبري تمثلت أولاً في حرب الاستنزاف (1967 - 1970) ثم بحرب أكتوبر المجيدة عام 1973 والتي استعادت جزءاً غالياً من تراب سيناء ومهدت الطريق لاستعادتها عام 1982م من خلال اتفاقيات سلام بين مصر وإسرائيل، وتكررت المحاولات الإسرائيلية للاحتفاظ بجزء من سيناء عند رأس طابا الأمر الذي حسم نهائياً بحكم هيئة تحكيم دولية في عام 1988 وعاد آخر شبر من أرض سيناء إلي مصر في 15 مارس 1989م وهو مثلث طابا ، لتدخل سيناء بذلك مرحلة جديدة أملتها دروس هذا التاريخ الحافل بالأحداث والمعارك.


كانت سيناء دوما مطمعا بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها القومية، إذ تقع شبه جزيرة سيناء في الجزء الشمالي الشرقي من أرض مصر، على شكل مثلث رأسه إلى الجنوب وقاعدته إلى الشمال يحده من الشرق خليج العقبة ومن الغرب خليج السويس، وإلي الشمال من هذا المثلث يكون الجزء الباقي علي هيئة متوازي أضلاع حده الشمالي ساحل البحر المتوسط وحده الجنوبي هو الخط الفاصل الذي يصل بين رأس خليج العقبة ورأس خليج السويس، وحده الشرقي خط الحدود السياسية لمصر، وحده الغربي قناة السويس، وتبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كيلو متر مربع أي ما يعادل حوالي 6% من جملة مساحة مصر .


تتمتع سيناء بموقع جغرافي واستراتيجي مهم، هذا الموقع هو العنصر الحاسم في تاريخ وحاضر ومستقبل سيناء، فهي تقع بين ثلاثة مياه : البحر المتوسط في الشمال ( بطول 120 كيلو متراً ) وقناة السويس في الغرب (160 كيلو متراً) وخليج السويس من الجنوب الغربي (240 كيلو متراً) ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي والشرق بطول (150 كيلو متراً).


وهكذا تملك سيناء وحدها نحو 30 % من سواحل مصر بحيث أن لكل كيلو متر ساحلي في سيناء هناك 87 كيلو متر مربعاً من إجمالي مساحتها مقابل 417 كيلو متراً مربعاً بالنسبة لمصر عموماً، وسيناء هي حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا وهي معبر بين حضارات العالم القديم في وادي النيل وفي دلتا نهري دجلة والفرات وبلاد الشام.


وسيناء هي معبر الديانات السماوية وكرمها الله سبحانه وتعالى بعبور أنبيائه لأراضى سيناء نحو وادى النيل ، فعبرها الخليل إبراهيم عليه السلام ، وعاش فيها موسي بن عمران عليه السلام وبها تلقي الشريعة من ربه وعبرها السيد المسيح و أمه مريم عليهما السلام.


وقد انعكست الأهمية الدينية، والجغرافية والاقتصادية لسيناء علي مكانتها، وتطورها التاريخي حتي أضحي تاريخها بمثابة سجل شامل للأحداث الكبري في المنطقة في الماضي البعيد والقريب معاً .


وأثبتت الدلائل العلمية والتاريخية أن الإنسان المصري قد عاش في سيناء وقام بتعمير مناطق عديدة في الشمال والوسط والجنوب من أرضها منذ (العصر الباليوليتي) أي منذ نحو 100 ألف سنة ، كما كانت سيناء في ذلك الوقت طريقاً للهجرة بين آسيا وأفريقيا.

جهود مصرية متواصلة للتنمية
بعد انتهاء المرحلة الثانية للانسحاب في يناير‏1980، انطلقت القيادة المصرية نحو تعمير الجزء الذي تم تحريره في سيناء‏‏ أكثر من‏65%‏ من مساحة سيناء‏، وبدأت مشروعات ربطه بوادي النيل والعمل علي تحويل سيناء إلي منطقة استراتيجية متكاملة تمثل درع مصر الشرقي ومن أجل ذلك تمت إعادة تقسيم سيناء إداريا إلى محافظتين، بعد أن كانت محافظة واحدة‏‏ ، فقسمت إلى محافظة شمال سيناء ومحافظة جنوب سيناء‏ فيما انضمت شريحة من سيناء شرق قناة السويس بعرض‏20‏ كيلو مترا الي محافظات القناة الثلاث‏:‏ بورسعيد والإسماعيلية والسويس‏، تأكيدا لارتباط سيناء بوادي النيل‏،‏ حيث لم تعد القناة تمثل حاجزا إداريا يعزل شبه جزيرة سيناء عن وادي النيل‏ وبدأ تنفيذ العمليات الكبري لتحقيق الربط الجغرافي بين وادي النيل وسيناء عبر قناة السويس‏،‏ فتم إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدي شمال السويس ليمر تحت القناة ويربط غربها بشرقها برا‏،‏ كما شقت ترعة السلام جنوب بورسعيد إلي سيناء لكي تروي بمياه النيل ما يقرب من نصف مليون فدان في شمال سيناء‏.


وفي إطار الخطة القومية لإعادة تعمير سيناء، استكملت عملية الربط العضوي بإنشاء جسرين فوق القناة هما‏:‏ الكوبري المعلق جنوب القنطرة وكوبري الفردان المتحرك للسكك الحديدية فضلا عن مد خط السكة الحديد بين الإسماعيلية ورفح ويبلغ طوله‏ مسافة 217 كيلو مترا‏.


وجاء عام 2018 ليدشن مرحلة تاريخية مهمة في استراتيجية تنمية وإعمار سيناء، حيث قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى رقم ١٠٧ لسنة ٢٠١٨ بتشكيل لجنة يرأسها المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، تتولى طرح أراضى مشروع تنمية شمال سيناء، والتي تبلغ مساحتها 400 ألف فدان ترتكز فيها التنمية عبر محورين رئيسيين هما توفير الموارد المائية ثم البنية الأساسية مع اتخاذ كافة الإجراءات لضمان الحفاظ على هذه البنية بعد تنفيذها وضمان توفير المياه للأراضي.


تتوزع مساحة الـ 400 ألف فدان على مناطق سهل الطينة وجنوب القنطرة، وتضم 125 ألف فدان في نطاق محافظتي بورسعيد والإسماعيلية من الناحية الإدارية لكنها تقع في سيناء على الضفة الشرقية لقناة السويس، وتم الانتهاء من البنية الأساسية فيها وزراعتها حالياً ودخلت الخدمة وبدأت الإنتاج.


المساحة الثانية تقع فى منطقة رابعة وبئر العبد، وتضم 156 ألفا و500 فدان ، وهى مهمة للغاية لأنها بداية خط مواجهة الإرهاب ولكونها تتوسط المسافة بين العريش شرقاً والقنطرة غرباً، والدولة تهتم بها وتريد تنفيذ تنمية كبيرة في هذه المنطقة تحديداً، كما أن هناك بمنطقة السر والقوارير 85 ألف فدان وتقع في نطاق محافظة شمال سيناء، ومنطقة المزار والميدان بها 33 ألفا و 500 فدان وتقع فى نطاق شمال سيناء، ليصل الإجمالي إلى 400 ألف فدان.


ولا شك أن التنمية تُعد محورا رئيسيا في برنامج الحكومة المصرية، إذ شدد رئيس الوزراء في اجتماعه مع خبراء البنك الدولي في يوليو 2018 على أن إعداد برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء، يجب أن يتوافق مع رؤية مصر 2030، مما يجعله أداة ووسيلة داعمة لمحاربة الإرهاب فكريا، إذ تعتمد الحكومة استراتيجية إنشاء مشروعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وخلق فرص عمل لجميع الموارد والإمكانيات المتاحة، بهدف رفع مستوى المعيشة، وتحسين المستوى الاجتماعي والثقافي لأبناء سيناء.


يبقى القول أن تنمية شبه جزيرة سيناء، يحظى بأولوية لدى القيادة السياسية المصرية وبدعم من قبل الصناديق العربية ومؤسسات التمويل الدولية، لما تمثله سيناء من أهمية استراتيجية في المنطقة. وقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن حجم التكاليف المطلوبة لتنمية سيناء خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2022 يصل إلى نحو 275 مليار جنيه، تم تدبير جزء منها من صناديق عربية شقيقة كقروض، والجزء الباقي سوف تتحمله الحكومة والقوات المسلحة والشعب المصري.