تحقيق : فاطمة قنديل
يُعتبر سوق السيارات المستعملة بمدينة نصر واحد من أكبر الأسواق لبيع وشراء السيارات فى مصر، ويقام يومى الجمعة والأحد من كل أسبوع، ويتردد عليه جميع الزبائن، لكن مع ارتفاع سعر الدولار توقف الحال فى سوق السيارات بمدينة نصر فلا بيع ولا شراء ويسيطر الركود على السوق الذى كان ملاذا لكثير من الزبائن الذين يريدون سيارة مستعملة بسعر مناسب
يقع السوق فى شارع أحمد الزمر بالحى العاشر بمدينة نصر ويشرف على تنظيمه بلدية حى مدينة نصر ويتم تحصيل مبلغ ١٠ أو ٢٠ جنيها من كل زبون حسب نوع السيارة وموديلها، كرسوم لعرض السيارة فى ساحة السوق، والتى تتسع لعرض حوالى ٧ آلاف سيارة ، بالإضافة إلى السيارات التى يتم عرضها خارج الساحة المخصصة فى جميع الشوارع المحيطة بها، نظرا للزحام الشديد، خاصة يوم الجمعة، الأمر الذي دعى محافظة القاهرة إلى أن تصدر قرارا فى شهر أغسطس ٢٠١٥ بنقل السوق إلى القطامية لحل مشكلة التكدس المرورى الذى يتسبب فيه فى جميع المناطق المؤدية من وإلى السوق، بالإضافة إلى توقف الطريق الدائرى، إلا أن القرار لم ينفذ حتى الآن.
الأزمة الاقتصادية التى تشهدها مصر، وأرتفاع سعر العملة الأجنبية، أدى إلى انخفاض معدلات البيع والشراء بالسوق إلى حد كبير، مما أثار شكوى التجار الذين يعتبرون عملهم بالسوق مصدر دخلهم الأساسى.
مصطفى رمضان، تاجر بسوق السيارات، قال «أعمل تاجرا فى السوق منذ ٢٠ عاما، وطوال هذه المدة لم نشهد حالة الركود الحالية، حتى أثناء ثورة ٢٥ يناير وأيام حظر التجوال كان يوجد بيع وشراء، والزبائن كانت تُقبل على السوق، أما الآن فالحال متوقف تماما، وجميع الزبائن تأتى لأخذ فكرة فقط ويغادرون ثم يعودون الأسبوع التالى على أمل انخفاض الأسعار، لكن دون جدوى.
أما عاطف السقا، تاجر، فيقول «أعمل فى السوق منذ ١٥ عاما، وعملية البيع والشراء لم تتوقف حتى فى أصعب الأزمات التى شهدتها مصر، ولكن بعد تعويم الجنيه والإرتفاع الجنونى للأسعار توقفت عملية البيع تماما»، وأضاف أنه فيما سبق كانت نسبة بيع السيارات فى السوق، خاصة يوم الجمعة الذي يشهد توافد الزبائن من جميع المحافظات، تتجاوز نسبة الـ٦٠٪ من المعروض، أما الآن فأن النسبة لا تتخطى الـ ١٪.
ويرى «السقا» أن «الزبون غلبان والتاجر كمان غلبان»، لأن الزبون قبل ذلك كان ينزل السوق ومعه ١٢٠ ألف جنيه ويشترى بهم سيارة مناسبة، أما الآن فالزبون ينزل السوق بـ١٨٠ ألف جنية «وميعرفش يجيب حاجة».
أما بالنسبة للتاجر فيما سبق، فكان يأخذ السيارة من مالكها ليبيعها له ويضيف على ثمنها ٧ أو حتى ١٠ آلاف جنيه كعمولة، أما الآن فالتاجر يضيف على السيارة ٣ آلاف جنيه، وربما أقل، ولا تباع حتى إذا أستمر عرضها شهر كامل، يضاف إلى ما سبق عدم وجود أى رقابة على الأسعار فى السوق، والزبائن تضع الأسعار «على مزاجها» بحيث نجد سيارة بسعر ونفس السيارة بنفس الموديل بسعر مختلف تمامآ عن السعر الأول».
أما إبراهيم الغامرى، موظف، فيقول «أعمل بشركة المياه بشبين الكوم، والمعيشة أصبحت صعبة، والأسعار مرتفعة جدا والغلاء استوحش، وأنا متزوج ولدى ٣ أولاد، والمرتب أصبح لا يكفى الطعام والشراب، وأتيت فجر اليوم إلى السوق لبيع سيارتى للمساهمة بثمنها فى مصاريف المعيشة.
ويقول عبد الرحمن أباظة، موظف، «الأسعار ولعت» ليس فقط الماركات المرتفعة ولكن حتى الماركات الشعبية، وعلى سبيل المثال «الفيرنا» كانت بـ٦٠ ألف جنيه، والآن أصبحت بـ١٤٠ ألف، وحتى «الدايو» و»اللادا» وغيرهما.
محمد نور، موظف، يقول لا يوجد بيع بالسوق وهذه الجمعة الثالثة التى أنزل فيها لبيع سيارتى ولكن دون جدوى بالرغم إنى خفضت ثمنها «عشان أبيع وأخلص»، لكن أيضا دون جدوى، فالناس تأتى تسأل عن السعر وتنصرف.
أما كريم عبد التواب، يعمل فى مصنع ملابس فى حلوان، ودخله يتراوح ما بين ٢٠٠٠ و٢٥٠٠، ويسكن فى المنيب، وهو متزوج ولديه طفلان أحدهما فيقول إنه قام بشراء سيارته منذ ٦ شهر، وحضر إلى السوق لبيعها والاستفادة بثمنها فى نفقات «العيشة واللى عايشينها» على حد قوله، مشيرا إلى أن «باكتة البامبرز» وصلت إلى ١٧٥ جنيها.. هجيب منين يعنى؟».
أما إيهاب شوقى، تاجر، فيقول «تعويم الجنيه «خرب بيوتنا» بسبب أرتفاع سعر الدولار الذى تسبب فى زيادة السيارات الجديدة وبالتالى المستعمل زاد، ولا يوجد أى إقبال على الشراء، فالسوق يُعرض به يوم الجمعة ما يزيد عن ٦ ألاف سيارة وما يباع لا يتجاوز ٣ أو ٤ سيارات!.
أيضآ مسعد أمين، يعمل سائقا فى شركة حلوان لمحركات الديزل، يقول مرتبى ١٨٠٠ جنية ولدى ٤ أبناء «بنتين وولدين، وقمت بشراء هذه السيارة منذ حوالى ٣ شهور، لكن قررت أبيعها لأن تكلفة المعيشة أصبحة غالية جدا وفوق إحتمالى، والمرتب لا يكفى أى شئ، بالإضافة إلى أن مصاريف السيارة ذاتها من بنزين وزيت وصيانة وغيره جميعها أرتفعت ولذلك قررت بيعها ولكن للأسف اليوم هو رابع مرة أنزل فيها السوق ولكن دون بيع، لأن الناس تأتى هنا «للفرجة ومحدش بيشترى».
أما سعيد سلامة، فيُرجع أرتفاع أسعار السيارات المستعملة إلى أرتفاع سعر الدولار والذى تسبب فى غلاء السيارات الجديدة، وبالتالى زاد سعلا المستعملة، ولذلك لا يوجد إقبال على الشراء لأن فى الظروف الحالية أولويات الناس اختلفت وأصبحت مقتصرة على توفير الإحتياجات الأساسية، الأمر الذى يجعل من النادر جدا أن يفكر أحد الآن فى شراء سيارة وخاصة أن السيارة ذاتها تعتبر «بيت تانى مفتوح» وتحتاج مصروفات للبنزين والصيانة وغيره .
من جانبه، قال نور الدين درويش، نائب رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية، إنه من البديهى جدا أن أسعار السيارات الجديدة عندما ترتفع سترتفع أسعار المستعملة، مضيفا بأن السيارات زادت بنسبة ١٢٠٪ بعد قرار تحرير سعر الصرف. ويُرجع درويش الزيادة في السيارات إلى الإرتفاع الجنونى الذى حدث فى أسعار السيارات إلى البداية فى شهر فبراير ٢٠١٥ بقرار هشام رامز محافظ البنك المركزى آنذاك بتحديد الحد الأقصى للتحويلات البنكية «ومن هنا بدأت المشاكل» وبالتالى التجار لم يلجأوا لتوفير العملة الأجنبية من السوق السوداء فقط، ولكن لجأوا إلى شراء الدولار من دبى حيث القدرة على فتح إعتمادات وتسديد مستحقات الموردين الأجانب، وحينها الأسعار إرتفعت من ٪١٢ إلى ٢٠٪.
بعد ذلك فى شهر أغسطس ٢٠١٥ جاءت قرارات محافظ البنك المركزى بتعديل سعر الدولار من ٧,٨٠ إلى ٨,٨٠ بزيادة ١٢ ٪ وبالتالى الأسعار إرتفعت مرة أخرى ١٢٪ ، وبعد ذلك جاء قرار تحرير سعر الصرف «وهو الطامة الكبرى» لأن فى المراحل السابقة كان الذى يرتفع هو ثمن السيارة فقط والدولار الجمركى كان ثابت لكن فى المرة الأخيرة الخاصة بتحرير سعر الصرف أصبحت أسعار السيارات تتأثر من ناحيتين وهما سعر السيارة والذى يتأثر بالدولار، بالإضافة إلى سعر الدولار الجمركى الذى كان ثابت على ٧,٨٠ ثم أصبح ،٨,٩٠ وبعد تحرير سعر الصرف أصبح الدولار الجمركى بقيمة 18,90 ويتحدد طبقآ لسعره فى السوق الموازية، ولذلك أرتفعت السيارات بنسبة ١٢٠٪ .
وأكد درويش أنه من بعد انخفاض الدولار بنسبة ١٤٪ لم تنخفض أسعار السيارات نظرا إل يأن سرعان ما عاد الارتفاع مرة أخرى فى سعر العملةو مشيرا إلى أنه لن تنخفض أسعار السيارات ١٠٪ بإستقرار سعر الدولار.
ويرى «درويش» أن حل هذه الأزمة يكمن في أنه إذا كان قطاع السيارات يستهلك كمية كبيرة من العملة الأجنبية لماذا لا نوقف استيراد السيارات لمدة ٦ شهور على الأقل، «نحن كقطاع سيارات قدمنا هذه المبادرة وقلنا أننا مستعدين للوقوف بجانب البلد وتقليل استيرادنا، ولكن لم يستجب لنا أحد».
وآشار «درويش» أنه لا يمكن تحديد هامش الربح والذى كان يُطبق فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى نتيجة للإتفاقيات الدولية والشراكة وإتفاقية الجات، ولكن أمامنا حل آخر لهذه الأزمة ولا يخالف الإتفاقيات بحيث يوجد بند فى الشراكة الأوروبية وإتفاقية الجات تؤيده يجعل كل تاجر يحدد الربح الذى يريده ويتم وضع «sticker price» على السيارة عندما تأتى من الخارج بعد حساب تكلفتها بالكامل، وإضافة الربح الذى يريده التاجر، ويتم وضع سعر البيع للمستهلك، وعند تفعيل ذلك لن يستطيع أى تاجر تزوير فواتير، وكذلك سيخضع السعر للضريبة، وبذلك نُحجم السوق والأسعار، ولكن للأسف الجمارك تعلم هذا الكلام وأنا جلست مع رئيس مصلحة الجمارك منذ ٦ شهور وقلت له هذا الكلام، ولكن لا أعلم لماذا لا يريدون تفعيله، فالمنظومة موجودة، لكن لا توجد إرادة لتفعيلها».
ويرى «درويش» أن هذا الكلام لا يتم تطبيقه، لأن ٧٥٪ من البضاعة الواردة من الصين، قدمت لها فواتير غير حقيقية التى للإفراج عنها، وبالتالى عندما يتم حساب تكلفتها على القيمة الحقيقية للفاتورة ستكون قليلة جدا، وإذا وضع عليها سعر كبير سيحسب عليه ضرائب كبيرة.
وعن إنشاء مدينة متكاملة لصناعة السيارات فى محور قناة السويس، يقول «درويش» «الفكرة رائعة وقابلة للتنفيذ ولكن بشرط واحد وهو أن الذى يقوم بالتصنيع يجب ألا يكون مصريا، وأن المصنع الأم صاحب العلامة التجارية هو الذى يأتى ويقوم بالتصنيع مثلما فعلت المغرب، لأن فكرة أن المصرى يُصنع ويسوق هذه فكرة فاشلة، حيث إن المصنع الأم هو الأقدر على تسويق السيارات التى صنعها. ويتابع «درويش «ومع ذلك لن يساهم هذا فى استقرار الأسعار إلا إذا انخفض سعر العملة الأجنبية، لأن السيارات مرتبطة إرتباط كامل بسعر الدولار، وإذا حدث ذلك، فنحن كشعبة سنفرض على التجار تخفيض الأسعار.