الأربعاء 29 مايو 2024

في ذكراه.. حكاية طاهر أبوفاشا مع "ألف ليلة وليلة"

29-5-2019 | 23:01

من المؤكد أن شهر رمضان قديماً كان يختلف كثيراً عن رمضان الآن، فقد كانت لياليه ساحرة، رغم انعدام وسائل الإعلام المرئية في نهاية الخمسينيات، ووجود جهاز الراديو فقط، حتى في بداية الستينيات ونهايتها عندما ظهر التليفزيون لم يكن الكثير منا يمتلكه، فهو يستلزم كهرباء وأيضاً شراء جهاز، ولم يستطع سكان القرى في تلك الحقبة رؤية التليفزيون إلا كبار الأعيان والأثرياء فقط، لكن بقي الراديو هو الوسيلة الوحيدة التي تروح عن قلوب الجماهير بما يبثه من أغانٍ وبرامج إذاعية وصور غنائية شديدة الروعة، ومنها حلقات "ألف ليلة وليلة" التي كتبها للإذاعة الكاتب المبدع طاهر أبو فاشا.

 

صياح الديك أفضل من "جونج"

 

كانت دار الهلال من أوائل الدور التي نشرت "ألف ليلة وليلة" في أجزاء منقحة مهذبة، وقد وصلت نسخة منها إلى الكاتب والشاعر طاهر أبو فاشا عن طريق صديق له أهداها لمدير الإذاعة في الخمسينيات، وما كاد الرجل ينتهي من قرائتها حتى قرر أن يجعلها حلقات إذاعية، واختار طاهر أبو فاشا لصياغة الحلقات وإعدادها ومحمد محمود شعبان لإخراجها، وكانت الحلقة الأولى التي اختتمها شعبان بموسيقى تقول "جونج"، لكن اختلف طاهر مع شعبان في تلك القفلة أو النهاية وطلب منه أن يستبدلها بصياح الديك، فقد كان أبو فاشا يكتب الحلقات كل ليلة حتى مطلع الفجر ويسمع صوت الديك عند تباشير الصباح، وبالفعل أذيعت الحلقة الأولى كما طلب أبو فاشا.

 

خمسة جنيهات عن الحلقة

 

 بعد نجاح الحلقة الأولى قامت الإذاعة بالتعاقد فوراً من أبو فاشا لكتابة 15 حلقة من ألف ليلة مقابل خمسة جنيهات عن الحلقة الواحدة، وأكد طاهر أبو فاشا في كتاب "رحلة في عقول مصرية" للكاتب إبراهيم عبد العزيز، أن الخمسة وسبعون جنيهاً قيمة كتابة الحلقات كانت مبلغاً طائلاً في ذلك الوقت، وبعد كتابتها وإذاعتها انهالت المكالمات التليفونية والخطابات على الإذاعة لشكرها والثناء على من قدموها ويطالبون بالمزيد منها، فطلبت الإذاعة من طاهر أبو فاشا خمسة عشرة حلقة أخرى، فشعر أبو فاشا بالزهو والفخر كلما رأى الجماهير الإذاعية تشيد بحلقات ألف ليلة وليلة.

 

"ألف ليلة وليلة" تدافع عن المرأة

 

كتب طاهر أبو فاشا من كتاب ألف ليلة 60 حلقة إذاعية فقط، والكتاب في مضمونه يظهر عقدة شهريار من النساء، وكانت شهر زاد هي المدافع عن المرأة، وتتركه كل ليلة معلقاً ومؤجلاً لقتل الصبية التي يتزوجها، وعند نفاد حكايات الكتاب الستون قرر أبو فاشا استكمال الحلقات التي بلغت 830 حلقة من خياله، من خلال الحواديت التي ترسبت في وجدانه من أقاربه وجداته، ومن المعروف أنه أذيعت فقط الـ 830 حلقة عبر أثير الإذاعة رغم أن أبو فاشا كتب ألف حلقة وحلقة، والسبب في عدم إذاعة باقي الحلقات أن الإذاعة رأت أن تسدل الستار عن الحلقات والناس مبهورين بها خير من أن تستمر وقد استنفذت أغراضها، بما يعني "اعتزال في قمة المجد".

 

"ألف ليلة وليلة" بين الإذاعة والتليفزيون

 

بعد ثلاثون عاماً من إذاعة حلقات ألف ليلة في الإذاعة المصرية، قرر التليفزيون المصري إعادة إنتاجها وأسند للكاتب أحمد بهجت كتابة حلقات تليفزيونية، وأكد أبو فاشا أن أول عمل تليفزيوني لألف ليلة لم تكن هي، وأكد احترامه وتقديره لبهجت ككاتب، ولكنه رأى فرق كبير بين ألف ليلة الإذاعية والتليفزيونية، فقد كتب طاهر أبو فاشا كل الحوار في حلقاته مسجوعاً وموزوناً، فقد رأى أن أبطال الحلقات أساطير وعفاريت، مثل الشاطر حسن والملك السمندل من ملوك الجن، فلابد أن يكون كلامهم غير كلام البشر، وكل ما كتبه أبو فاشا بالفعل مسجوع ويدل على مهارة فائقة في الصياغة وجهد يصل إلى حد الإعجاز.

 

تمرد شهر زاد على شهريار

 

قد لا يعلم الكثيرون أن طاهر أبو فاشا كتب ألف حلقة وحلقتين، رغم أن حلقات ألف ليلة، هي ألف ليلة وليلة فقط، وأراد أبو فاشا أن يضع نهاية رائعة لتلك الحلقات الساحرة، فكتب الحلقة الثانية بعد الألف ليشعر فيها شهريار بذنبه في حق النساء، ففي الحلقة الأخيرة يقول لشهر زاد: احك لي يا شهرزاد .. فأنا لا أنام إلا بعد أن تسكبي جرعتك في سمعي كل ليلة، وهنا تتمرد شهر زاد وترفض طلبه، فينام شهريار ويري في منامه أن كل أبطال ألف ليلة يحاكمونه ومنهم معروف الإسكافي والشاطر حسن والسندباد البحري وغيرهم، ويقولون له أن كل الرجال يعيشون مع زوجاتهم في أمان، أما أنت فمجرم يقتل زوجاته، ويحكمون عليه بالإعدام، وعندما يلامس السيف رقبته يفيق شهريار وهو يئن، وتسأله شهرزاد : ماذا بك يا مولاي؟ فيقول: لا شيء .. الحمد لله .. الحمد لله، وهنا تدخل إحدى الجواري لتبلغ شهريار بأن الصبايا العذارى في ساحة القصر ينشدن أغنية "شهرزاد" ويحتفلن بكما يا مولاي، وينزل شهريار وشهر زاد ليحتفلا مع الصبايا بعد أن تخلى عن فكرته في قتلهن بعد سماع حكايات ألف ليلة وما رآه في منامه.

 

أيقونة ألف ليلة وليلة

 

بقي أن نضيف أن الفنانة القديرة زوزو نبيل هي من جسدت صوت شهرزاد إذاعياً وشاركت أيضاً في الحلقات التليفزيونية، فهي أيقونة ألف ليلة وليلة، أما شهريار فقد جسده إذاعياً الفنان العملاق عبد الرحيم الزرقاني، وشارك معه العديد من نجوم الفن منهم محمد الطوخي وعايدة كامل وصلاح منصور وتوفيق الدقن وغيرهم من النجوم.