كشفت القمم الثلاث العربية والخليجية والإسلامية التي عُقدت في مكة مؤخراً، عن دور مصر المحوري الفاعل في صياغة مفاهيم جديدة للسياسة العربية والشرق أوسطية، ووضع الأُطر المحورية الجديدة لمنظومة الأمن القومي العربي.
وكشفت الرؤية المصرية التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام القادة العرب، عن ثقل ومكانة السياسة المصرية في محيطها العربي والإقليمي، ودورها القيادي الرائد في المنطقة الباحث دوما عن الأمن ومواجهة التحديات المشتركة انطلاقاً من المسئولية المصرية تجاه المنطقة.
جاءت هذه المقاربة المصرية في وقت تتعرض فيه المنطقة العربية للعديد من الأخطار والتهديدات، التى تؤثر بشكل مباشر فى أمنها القومى، وذلك فى ظل التهديدات المستمرة، من قبل تنظيمات وفواعل مؤثرة في عمل الدولة وأصبح هناك من يشاركها في القوة والنفوذ في ضبط البيئة الداخلية والخارجية المحيطة وصياغة التوجهات.
وطرح الرئيس السيسي، خلال كلمته أمام ملوك ورؤساء الدول العربية المشاركة، مقاربة أو رؤية استراتيجية مصرية خالصة لمواجهة تهديدات وتحديات المنطقة والحفاظ على الأمن القومي العربي، من خلال 4 مرتكزات أساسية مكونة للرؤية المصرية وهي:
أولاً: الهجمات التي تعرضت لها المرافق النفطية للسعودية مؤخرًا من جانب ميليشيات الحوثي ومحاولات استهداف أراضيها بالصواريخ والاعتداءات التي تعرضت لها الملاحة بالإمارات تمثل أعمالاً إرهابية صريحة تتطلب من المجتمع الدولي إدانتها أولاً والعمل بكل الوسائل لمنع تكرار هذه الاعتداءات على الأمن القومي العربي والسلم والأمن الدوليين.
ثانياً: التأكيد المصري على التضامن مع السعودية والإمارات ودعمهما في مواجهة أي تهديدات للأراضي أو المنشآت أو المياه الإقليمية لأي من الدولتين وأن ثمة حاجة ملحة لمقاربة استراتيجية لأزمات المنطقة وحالة عدم الاستقرار والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي وفي الوقت الذي لن تتسامح فيه مصر مع أي تهديدات، فإن مصر ستظل دائما داعية وداعمة للسلام والحوار، مع الحرص والتأكيد المصري على علاقات جوار صحية وسليمة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها.
ثالثاً: المقاربة الاستراتيجية المنشودة للأمن القومي العربي تقتضي التعامل بالتوازي مع جميع مصادر التهديد بالمنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولا يمكن تحقيق هذه المقاربة دون الحل السلمي الشامل الذي يلبي الطموحات الفلسطينية المشروعة لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلطسينية على حدود يونيو 1967.
وتؤكد الرؤية المصرية على أنه لا معنى للحديث عن مقاربة استراتيجية للأمن القومي العربي دون تصور واضح لمعالجة الأزمات في سوريا وليبيا واليمن واستعادة هذه الدول ذات سيادة موحدة وليست خاضعة لتدخلات دولية أو من أمراء الحرب والميليشيات الإرهابية.
رابعاً: الشرط الضروري لبناء هذه الاستراتيجية يجب أن يقوم على مواجهة جميع التدخلات في الدول العربية فلا يمكن التسامح مع أي طرف إقليمي يسعى لممارسة نفوذه في الدول العربية من خلال ميليشيات طائفية، والأمن القومي العربي وما يقوم عليه من علاقات جوار سليمة وصحية يتطلب وقفة صدق وحزم مع كل طرف إقليمي ووقفة مصارحة ومراجعة مع أي طرف عربي يحيد عن مقتضيات الأمن القومي العربي ويشارك في التدخلات بشئون الدول العربية.
ويُجمع خبراء الأمن على أنه لابد من توافق عربى شامل لقضايا المنطقة وتفعيل العمل العربى المشترك على جميع الأصعدة لتحقيق هذا الهدف لأن الشرط الضرورى لبناء هذه المقاربة الاستراتيجية الشاملة للأمن القومى العربى يجب أن يقوم على مواجهة جميع التدخلات الإقليمية أو الخارجية فى الدول العربية بنفس الدرجة من الحزم، فلا يمكن أن تتسامح الدول العربية مع أى طرف إقليمى يهدد أراضى ومنشآت ومياه دول عربية أخرى، أو أن يسعى لممارسة نفوذه فى الدول العربية من خلال ميلشيات طائفية تعمل لتحقيق مصالحه الضيقة.
ولا شك أن الإستراتيجية المصرية فى معالجة الأزمة الراهنة تعيد زمام المبادرة إلى الدول العربية بعيدا عن سياسة رد الفعل، كما أنها أيضا تفتح الباب أمام الأطراف الإقليمية والعربية المتورطة فى الأزمات العربية، وعلى رأسها إيران وتركيا وقطر وإسرائيل، لإعادة النظر فى مواقفها مرة أخرى، وإيجاد صيغة للسلام والتعايش تتسع للجميع فى المنطقة طالما التزمت تلك الدول أو غيرها بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للعالم العربى، واحترام خصوصية ومقتضيات الأمن القومى العربى، وقبول سيادة الدول العربية على أراضيها، بعيدا عن الاحتلال المباشر، كما يحدث فى فلسطين، أو الاحتلال غير المباشر كما يحدث فى اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
يبقى القول إن المقاربة أو الرؤية المصرية التى استعرضها الرئيس السيسى أمام قمم مكة لكيفية التعاطى الحازم والحكيم مع التهديدات التى تواجه الأمن القومى العربى بشكل عام، يجب أن تمثل منهجا للعمل الشامل خلال الفترة القادمة للحفاظ على الأمن القومى العربى والخليجى.